منذ نحو أكثر من أسبوعين انشغل الرأي العام في سورية بقرار وزارة التربية القاضي بإقصاء نحو 1200 معلمة عن التدريس بسبب ارتدائهن النقاب، وهناك من قال ان الرقم أكبر من ذلك، ورغم أن مثل هذه القرارات ليست بمستغربة عن النظام العلماني في سورية إلا أنه ما كان مستغرباً أن النظام كان غالباً ما يتحاشى استفزاز المتدينين نظراً لطبيعة المجتمع السوري المعقدة طائفياً إثنياً، ونظراً لمراعاته ومعرفته بحجم تأثير المد الديني الذي اكتسح الدول العربية جميعها وليس الشارع السوري فقط منذ أكثر من عشرة أعوام.
من ناحية أخرى، كان القرار مستغرباً لأن النظام السياسي في سورية يتحالف بشكل وثيق مع أنظمة ودول إقليمية وأحزاب وحركات دينية متزمتة تفرض على مواطنيها ومؤيديها وأنصارها ارتداء الحجاب والنقاب، مثل إيران و«حزب الله» اللبناني وحركتي «حماس» و«الجهاد» الفلسطينيتين، إضافة إلى «الاخوان المسلمين» في بعض الدول العربية، حتى أن لإيران ممثليات ومكاتب ثقافية وقنصليات وسفارة يعملون بشكل نشط وفعال في أوساط السوريين، وهو الأمر الذي لا يخلو من تأثير على المجتمع وعادات الناس في لبس الثياب، وموقفهم من الحجاب والسفور، وغيرها من القضايا المرتبطة بالدين.
أيضاً يوجد أنصار كثر لـ «حزب الله» اللبناني وزعيمه حسن نصر الله في الشارع السوري وصل إلى مرحلة أن صور نصر الله باتت تعلق على جدران صفوف المدارس بجانب صور الرئيس السابق حافظ الأسد والحالي بشار الأسد، كذلك غالباً ما ترفع رايات الحزب الصفراء في كل مناسبة وطنية أو قومية دون أدنى غضاضة من السلطات التي لم يعرف عنها أنها تسمح للسوريين بأن يعجبوا بأي قائد أو زعيم غير الرئيس السوري، أو يرفع علم غير علم «حزب البعث» أو العلم الوطني السوري.
ونحن نعرف أيضاً حجم التواجد الرسمي والمكاتب الكثيرة الممتدة عبر بعض المحافظات السورية والمخيمات الفلسطينية لحركتي «حماس» و«الجهاد» الإسلاميتين الفلسطينيتين، أيضاً نعرف كيف أن الإعلام الرسمي والتابع والمسؤولين السوريين كيف باتوا يروجون في الفترة الأخيرة لما اسموه بـ «ثقافة المقاومة» بعد حرب تموز 2006 في جنوب لبنان، ما يعني تأثراً بتجربة «حزب الله» اللبناني بشكل عام وليس تجربته العسكرية فقط.
ومن ناحية أخرى، لا يستوي أن تدعم وتؤيد «ثقافة المقاومة» التي هي اليوم باتت «إسلامية» الطابع بعد احتكار «حزب الله» لساحة الجنوب اللبناني والصراع مع إسرائيل منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي على حساب الحركات الوطنية اللبنانية، وبعد أن اتخذت ذات الطابع في العراق وفي غزة وأفغانستان، مع تحفظاتنا على كل ما يلصق باسم الإسلام والدين من عمليات إرهابية، نقول انه لا يستوي أن تدعم هذه المقاومة المسلحة، وتترك الثقافة المرافقة، أو الموازية، أو الحاملة لها، وهي ثقافة «إسلامية» مع كل ما يرتبط بها من رموز سواء لها علاقة بالفكر، أو التنظيمات، أو اللباس ومن ضمنه الحجاب والنقاب.
وعليه فإن موجة المتأثرين بالمد الديني في الشارع السوري، يتحمل النظام ذاته مسؤولية ما عن كثرتهم وتواجدهم ولباسهم المحافظ، ومن الطبيعي عندما تسمح أن تعلق صوراً لحسن نصر الله، وهو رجل دين قبل أي شيء آخر، في صفوف المدارس على امتداد المحافظات السورية، أن تجد هناك بعض المدرسات المتأثرات بهذا الرجل وفكره ويرتدين النقاب أو الحجاب على طريقة اتباعه ومؤيديه في جنوب لبنان والبقاع والضاحية الجنوبية، ومن الطبيعي أن يتأثر السوريون والسوريات بثقافة النظام الإيراني الديني الذي بات متواجداً في كل الشوارع السورية، ومن الطبيعي أن تجد السوريين والسوريات متأثرين بخالد مشعل وأتباعه، ورمضان عبد الله شلح وأتباعه، وكلهم متدينون ومتدينات يرتدين النقاب والحجاب.
من ناحية ثانية فإن هذا الاجراء يعتبر إجراء استفزازياً واستئصالياً لأنه يضيق على التنوع الثقافي والفكري والديني في سورية كونه لم يقتصر على المنقبات فقط بل شمل محجبات ومدرسات محافظات ومتدينات بشكل طبيعي وغير منقبات. كذلك يتعارض هذا الإجراء مع نصوص الدستور السوري وهي نصوص تحترم في غالبيتها خيار الفرد وتلتزم الدفاع عنه وعن حريته.
وكان وزير التربية السوري قد صرح قبل أيام بأن قرارات قضت بنقل نحو 1200 مدرسة منقبة إلى وزارة الإدارة المحلية، وتحديداً إلى البلديات، تهدف إلى وقف «نمو التيار الديني المتشدد في سورية، والحفاظ على العمل العلماني الممنهج»، على أن تتبعها خطوات مماثلة في وزارات أخرى. ما يعني أن هناك المزيد من الخطوات المماثلة، وهي خطوات استفزازية لمشاعر المتدينين.
من ناحية أخرى، كيف تسمح السلطات لنفسها بمثل هذه الخطوات والإجراءات في الوقت نفسه الذي ينتقد إعلامها ليل نهار ما تقرره الحكومات في بعض الدول الغربية وما اتخذته من إجراءات في حق الجاليات المسلمة على أراضيها حين قررت منع ارتداء النقاب؟


زين الشامي
كاتب سوري