هناك مفارقة عجيبة جداً بين العالمين العربي والغربي في قضايا حقوق الإنسان، وهي أن انتهاكات حقوق الإنسان، حتى لو وقعت من قبل الإدارة الأميركية على مواطني بلادنا، تكون جمعيات حقوق الإنسان الغربية أكثر اهتماماً بالدفاع عن مواطنينا من جمعياتنا، فضلاً عن حكوماتنا!ومن الأمثلة العجيبة على هذا، معتقلو غوانتانامو، فهذه القضية المأسوية، أكثر من اهتم بها، وسعى إلى الدفاع عن ضحاياها، هم جمعيات حقوق الإنسان الغربية، بل الأميركية، حتى أثر هذا تأثيراً كبيراً في تخفيف معاناة هؤلاء المعتقلين، ورجع الكثيرون منهم إلى بلادهم، بينما كانت جمعيات حقوق الإنسان العربية، تقريباً «سهود مهود»! كذلك ما يُسمى بالقائمة السوداء، لمجلس الأمن، التي تُسمى قائمة الإرهاب الدولي، الآخذه بالتوسع كل عام، إذ إن الحرب الشعواء عليها تأتي من أوروبا، بينما المشمولون بها هم من العالم العربي، والخليجيون يشكلون جزءاً مهماً منها، ومنهم رجال أعمال كبار، مثل رجلا الأعمال السعوديين ياسين القاضي، وسليمان بطحي، اللذين يكافحان منذ أعوام لرفع اسميهما من هذه القائمة سيئة السمعة، وغيرهما كثيرون. كما تحاول غالبية جمعيات حقوق الإنسان الأوروبية إسقاط هذه القائمة، وهي متفاءلة جداً أنها ستنجح في مسعاها.ويأتي السؤال العجيب: لماذا يدافعون هناك عن مواطنينا نحن في مثل هذه القضايا، وربما يكون الذين يدافعون عنهم، ليسوا متهمين بالإرهاب فقط، ولكن قبض عليهم في ساحات القتال، مثل معتقلي غوانتانامو، ومع ذلك يطالبون بمنحهم كامل حقوقهم كونهم أسرى حرب، أو إرجاعهم إلى بلادهم ليحاكموا فيها، بينما نحن هنا نتقاعس عن حقوق مواطنينا، إلى درجة أننا ننسى أحياناً أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ونعامله معاملة المدان قبل كلّ شيء؟السبب في الحقيقة البون الواسع بين الثقافة السائدة في مؤسساتهم المدنية، والثقافة السائدة في بلادنا، فهناك ينظرون إلى أن العدل يجب أن يبقى قيمة مطلقة، بغض النظر عن الجنسية، والتهمة، والانتماء، فكل إنسان يجب أن ينال حقه الكامل من العدالة، ولا يعاقب من غير معايير قانونية سليمة، بحيث نطمئن انه لم يقع عليه ظلم، ثم أنه في ظلال هذه الثقافة عندهم لا يسمحون للسلطات السياسية أن تسيسها أو تعبث بها، ولهذا بقيت مؤسساتهم الحقوقية قوية التأثير، وفعالة، وأزالت كثيراً من الظلم الواقع على الإنسان عندهم.بينما نحن مازلنا نفتقر إلى هذه النظرة، فهنا يعيش حتى المثقفين ـ إلاّ ما ندر ـ بمعايير المصالح الضيقة داخل الصراعات الطبقية، والقبلية، والحزبية، فحساباتنا الشخصية مقدمة على مبادئنا كلها. ولهذا تجد حتى المتبجحين عندنا بالدفاع عن حقوق الإنسان لا يتحركون إلاّ إذا كانت القضية في صالح انتماءاتهم الخاصة. ومن النادر أن تجد حقوقيين عرباً، لهم مواقف مشرفة في قضايا حقوق الإنسان، إلاّ إذا كانت في سياق خدمة السلطة السياسية فقط! هذا ما لم يكونوا يعيشون في مظلات حقوقية غربية.ومثل الأمثلة على ما ذكرته، صمت جمعيات حقوق الإنسان عندنا في الكويت، إلاّ جمعية الحرية فقط، فصمتها عن انتهاك صارخ لمواطنين كويتيين مثل الشيخ حامد العلي، والأخ جابر الجلاهمة، اللذين ليس عليهما أي تهمة في الكويت، بل تمت تبرئتهما قضائياً، وإدراجهما ضمن قائمة مجلس الأمن، في خطوة واضحة أنها بضغط أميركي، مثل الضغط الذي رفض اليمن الانصياع له في إدراج الشيخ عبدالمجيد الزنداني في تلك القائمة، فاليمن عرف أن القضية ليست بهذه البساطة، ولا يمكن السماح بسابقة يتم بعدها انتهاك السيادة تحت حجّة مجلس الأمن!المطلوب من جمعيات حقوق الإنسان «النايمة» عندنا، ومؤسسات المجتمع المدني، أن تتحرك ليس من أجل الأسماء الواردة في القائمة، بل من أجل حفظ مبدأ العدالة، والحيلولة دون تسجيل سابقة في الكويت، قد يتم بعدها ما لا تحمد عقباه.
خالد حيدر الهزاعكاتب وناشط سياسي كويتيKhalid_alsomo@yahoo.com