البطولة شارفت على الانتهاء، والفرق كل حمل حقائبه عائدا الى بلده، بعضهم بخيبة، وبعضهم عاد مرفوع الرأس... المنتصرون في كأس العالم ثلاث، الدولة المنظمة التي ربحت الكثير، اقتصاديا وسياسيا وسياحيا... وستجني الارباح اكثر واكثر مع مرور الزمن، والدولة التي سترفع كأس العالم، وألمانيا لانها الفريق الوحيد الذي يستحق ان يعود الى وطنه مرفوع الهامة، منتصب القامة، حتى لو تدخل القدر والحكم، ولم ترفع الكأس... الكرة غادرة ماكرة متلونة كالسياسيين في بلادنا!
الصحافة لا ترحم الفاشلين، ولاتحترم الخانعين، ولاتستطعم المتكبرين... انهم صريحون وواضحون، ويا ويل مارادونا من صحافة بلاده، وكتاب بلاده، وجمهور بلاده... ويا ويلنا من صحافتنا ومن كتابنا ومن انفسنا!
حالة غريبة ما كنا نتصورها ان تحدث وحدثت، حديث عن الاب والجد والاصل والفصل والمذهب وشتائم لايرددها مراهقون يشمون الباتكس، ولم يسمع بها طبالون في مرقص!
احدهم يكتب انت ابوك كذا بن كذا، ويرد عليه انت ابوك اللي كذا وكذا، وثالث يتدخل ويقول انت امك كانت كذا، واختك لاشك انها كذا، ورابع يتدخل ناصحا يا ابناء الكذا لايجوز ان تقولوا كذا وكذا. . ولمعرفة معنى «كذا وكذا» عليك بمراجعة القاموس المحيط للشتائم!
والاطرف من هذا البلاء ان كل واحد بدأ يفتح صفحات من تاريخ اجداده، احدهم قال ان جدي قاتل في معركة كاظمة، والثاني رد عليه ان جدي كان قائد القوات في حرب داحس والغبراء، وثالث يكمل ان جد جدي كان ادميرال في اسطول طارق بن زياد ورابع دايخ يفتخر ان جده كان حرامي وقاتل... كله ماشي والتاريخ مسكين وطيب ولا يحاسب احدا، يسمع ويبتسم... يبتسم لان الشباب وهم يتحدثون عن اجدادهم ومعاركهم تخالهم يتحدثون عن نابليون، ورومل، ومونتغيمري... والمعارك التي يتحدثون عنها هي«واترلو» و«العلمين» و«النورماندي» وليست معارك بين فريجين، عدد الخسائر فيها بحجم حادثة باص!
تريد ان ترتاح قليلا يخرج لك الصحافي المعتق، الذي يعرف كل من يموت في هذا العالم، والذين سيموتون مستقبلا، وهو قابلهم جميعا، وتحدث معهم، وكلهم قال لهم نكتة جميلة وضحك عليها كثيرا. . !
حالة من الضحك كالبكاء، الناس تفكر في المستقبل، وتخطط للمستقبل ونحن مازلنا نتحدث عن الماضي، وكان جدي، وعمي، وخالي، وجدتي، وابي... والجميع بات يردد المقولة الخالدة «ابي ابوي ابي امي ابي زوجي»!
الاجداد كافحوا، وتعبوا، وحاربوا الفقر، والظلم، تحدوا البحر. . وانطلقوا مسافرين، مغامرين، ورجعوا محملين بالألم والفرح والامل لابنائهم... سلمونا درة وتحولت بفضل عنصريتنا وغبائنا وطائفيتنا الى بعرة! والبعرة تدل على البعير... وما اكثر البعارين!


جعفر رجب
JJaaffar@hotmail.com