لم يكن شهر يونيو الفائت شهراً عادياً في مصر فقد حدثت فيه أشياء لم تحدث من قبل، أهمها كان يوم 5 يونيو، حيث حدثت واقعة التعدي بين المحامين والنيابة في محكمة طنطا، ما ترتب عليه اندلاع ثورة غضب عفوية من المحامين في مصر ازدادت اشتعالاً مع صدور حكم ضد اثنين من المحامين بعد أربعة أيام من الواقعة بالسجن خمسة أعوام، وكان الحكم بمثابة سكب للبنزين على نار المحامين المشتعلة غضباً في صدورهم، ما أدخل المشكلة في نفق مظلم رغم جميع محاولات الحل.
ولكن رسالة الحكم القاسي كانت قوية في فجيعتها للمحامين، فأضربوا عن العمل واشتعلت الفضائيات وجميع وسائل الإعلام بالتصريحات النارية المتبادلة، ولا تزال المشكلة قائمة، حيث يرى المحامون أن العدالة اهتز ميزانها في واقعة التعدي، حيث حاكمت المحاميين ولم تحاكم عضو النيابة المعتدي هو الآخر.
في التوقيت نفسه بتاريخ 6 يونيو، حدثت واقعة هزت مصر كلها، فقد قتل الشاب خالد سعيد في مدينة الإسكندرية على يد اثنين من أجهزة الأمن عندما حاولا القبض عليه ولما اعترض ضرباه في أحد مداخل العمارات على رخام السلالم، فكسرت جمجمته ومات. ولكن الرواية الأمنية خرجت على الناس تقول إنه قُتل بسبب ابتلاعه لفافة مخدر البانجو عند القبض عليه فمات مختنقاً، فكان البيان بمثابة سكب البنزين على النار فاشتعل الغضب في صدور الكثيرين في مصر، وزاد الغضب عندما نشرت صورة خالد سعيد وهو حي بمظهره الطفولي بجانب صورته بعد قتله ووجه مشوه، ولسان حال المصريين يقول: هل يستدعي القبض على متعاطٍ لمخدرات «إذا صحت رواية الحكومة» ضربه بهذه الطريقة حتى يموت؟ وقد زاد الغضب في الشارع بعدما قامت النيابة بإخلاء سبيل رجلي الأمن المتهمين بالقتل من سراي النيابة، ودخل على خط التنديد والتظاهر السياسيون المعارضون بمختلف أطيافهم، حتى البرادعي الوافد الجديد على المعارضة السياسية في مصر، شارك في مظاهرة تنديد وذهب إلى أهل القتيل هو وزوجته للعزاء، وطالب بتحقيق، والنيابة أعادت التحقيق، وتدخلت منظمات حقوقية دولية، ولا يزال الغضب مستمراً والتحقيق مستمراً.
الشاهد أنه توجد فتنة للعدالة في مصر، والمصريون يشعرون بعدم الثقة في الحكومة، خصوصاً أن لديهم شعوراً بأن المشهد المعروف للعدالة أنها عمياء وتمسك بميزان العدل قد تغير، وأن العدالة أحياناً بسبب ضغوط تكون عوراء، هذا الشعور تقويه حالة الاحتقان السياسي في مصر، وانتشار الفساد، والشعور بالاستبداد، وعدم تحقيق الديموقراطية، ورغم محاولات الحكومة للدفاع عن نفسها واعترافها ببعض الفساد، فإن الوقائع سرعان ما تداهم أي تبرير وتدمغه بحقيقة أن مصر المحروسة تحتاج العدالة فيها إلى يد قوية لا تهتز مهما كانت قوة واستبداد وفساد الجاني.
وإذا كان شهر يونيو يتميز بحرارته الشديدة، ولكن سخونة المعارضة نافست لهيبه وذلك قبل انتخابات البرلمان بأربعة شهور، ما ينبئ أن مصر مقبلة على مرحلة من أسخن مراحل العمل السياسي، حيث تمسك السلطة بجميع القيود ويمسك الشعب والساسة المعارضون بفساد الواقع للدلالة على حتمية التغيير. فمن ينتصر؟ سؤال إجابته معروفة إذا كانت يد العدالة قوية لا تهتز، أما إذا اهتزت واختل الميزان ولم ينضبط وزنه للعدل، فالواقع والمستقبل غامض ومخيف. وما يحدث في مصر ليس ببعيد عما يحدث في كثير من الدول العربية، ولكن مصر الكبيرة بالتاريخ والجغرافيا، ومع وسائل الإعلام الحديثة، كل خبر وحدث فيها له ثقله ووزنه وتأثيره على الدول المحيطة.
وقد قالوا قديماً وحديثاً «العدل أساس الملك»، فإذا اختل الأساس فبلا شك اختل الملك، أي الحكم.
ممدوح إسماعيل
محامٍ وكاتب
Elsharia5@hotmail.com
ولكن رسالة الحكم القاسي كانت قوية في فجيعتها للمحامين، فأضربوا عن العمل واشتعلت الفضائيات وجميع وسائل الإعلام بالتصريحات النارية المتبادلة، ولا تزال المشكلة قائمة، حيث يرى المحامون أن العدالة اهتز ميزانها في واقعة التعدي، حيث حاكمت المحاميين ولم تحاكم عضو النيابة المعتدي هو الآخر.
في التوقيت نفسه بتاريخ 6 يونيو، حدثت واقعة هزت مصر كلها، فقد قتل الشاب خالد سعيد في مدينة الإسكندرية على يد اثنين من أجهزة الأمن عندما حاولا القبض عليه ولما اعترض ضرباه في أحد مداخل العمارات على رخام السلالم، فكسرت جمجمته ومات. ولكن الرواية الأمنية خرجت على الناس تقول إنه قُتل بسبب ابتلاعه لفافة مخدر البانجو عند القبض عليه فمات مختنقاً، فكان البيان بمثابة سكب البنزين على النار فاشتعل الغضب في صدور الكثيرين في مصر، وزاد الغضب عندما نشرت صورة خالد سعيد وهو حي بمظهره الطفولي بجانب صورته بعد قتله ووجه مشوه، ولسان حال المصريين يقول: هل يستدعي القبض على متعاطٍ لمخدرات «إذا صحت رواية الحكومة» ضربه بهذه الطريقة حتى يموت؟ وقد زاد الغضب في الشارع بعدما قامت النيابة بإخلاء سبيل رجلي الأمن المتهمين بالقتل من سراي النيابة، ودخل على خط التنديد والتظاهر السياسيون المعارضون بمختلف أطيافهم، حتى البرادعي الوافد الجديد على المعارضة السياسية في مصر، شارك في مظاهرة تنديد وذهب إلى أهل القتيل هو وزوجته للعزاء، وطالب بتحقيق، والنيابة أعادت التحقيق، وتدخلت منظمات حقوقية دولية، ولا يزال الغضب مستمراً والتحقيق مستمراً.
الشاهد أنه توجد فتنة للعدالة في مصر، والمصريون يشعرون بعدم الثقة في الحكومة، خصوصاً أن لديهم شعوراً بأن المشهد المعروف للعدالة أنها عمياء وتمسك بميزان العدل قد تغير، وأن العدالة أحياناً بسبب ضغوط تكون عوراء، هذا الشعور تقويه حالة الاحتقان السياسي في مصر، وانتشار الفساد، والشعور بالاستبداد، وعدم تحقيق الديموقراطية، ورغم محاولات الحكومة للدفاع عن نفسها واعترافها ببعض الفساد، فإن الوقائع سرعان ما تداهم أي تبرير وتدمغه بحقيقة أن مصر المحروسة تحتاج العدالة فيها إلى يد قوية لا تهتز مهما كانت قوة واستبداد وفساد الجاني.
وإذا كان شهر يونيو يتميز بحرارته الشديدة، ولكن سخونة المعارضة نافست لهيبه وذلك قبل انتخابات البرلمان بأربعة شهور، ما ينبئ أن مصر مقبلة على مرحلة من أسخن مراحل العمل السياسي، حيث تمسك السلطة بجميع القيود ويمسك الشعب والساسة المعارضون بفساد الواقع للدلالة على حتمية التغيير. فمن ينتصر؟ سؤال إجابته معروفة إذا كانت يد العدالة قوية لا تهتز، أما إذا اهتزت واختل الميزان ولم ينضبط وزنه للعدل، فالواقع والمستقبل غامض ومخيف. وما يحدث في مصر ليس ببعيد عما يحدث في كثير من الدول العربية، ولكن مصر الكبيرة بالتاريخ والجغرافيا، ومع وسائل الإعلام الحديثة، كل خبر وحدث فيها له ثقله ووزنه وتأثيره على الدول المحيطة.
وقد قالوا قديماً وحديثاً «العدل أساس الملك»، فإذا اختل الأساس فبلا شك اختل الملك، أي الحكم.
ممدوح إسماعيل
محامٍ وكاتب
Elsharia5@hotmail.com