الحرية في التعبير مسألة مبدأ، لا أقبل التفاوض فيها بأي شكل من الأشكال، أو صورة من الصور، وهي حرية مفتوحة في كل المجالات، كما أرفض تكميم الأفواه، أو تكسير الأقلام، أو قهر الخصوم لأي سبب كان، فالإنسان وُلِد حراً في الأصل، ومن حقه أن يعيش حراً، ومن تمام الحرية أن يستطيع التعبير عن ذاته ونفسه ومشاعره، وما يعتمل داخله من أفكار وقناعات. ولكن السؤال الأهم هو: هل لحرية التعبير سقف؟
هو سؤال منطقي بدهي، يتبادر إلى عقلي، ويفرض نفسه على ذهني وأنا أقرأ أو أسمع بعضهم وهو يشتم ويسب البشر، ويقذف في أعراض وسمعة الآخرين، ويحتمي في الدستور والقانون.
أسألكم بالله لو قام أحدهم وسب أو شتم أو قذف أحد أقاربك، هل ترى ذلك مسوغاً من باب حرية التعبير؟ تخيلوا معي أن نتحول إلى مجتمع يشتم فيه بعضنا بعضاً ليل نهار، وتُقذَف فيه أعراضُ الأبرياء والشرفاء كل لحظة في مساحات الصحف، وفضاءات الإنترنت، وعوالم القنوات الإعلامية المتعددة.
نعم للنقد، فبالنقد يتطور الأدباء، ويرتقي الشعراء، ويتعلم الصغير، ويتهذب الكبير، ويكتسب من خلاله المرء تغذية راجعة تعينه على التعلم من أخطائه وهفواته للمستقبل، وعندما يغيب المفهوم الصحيح للنقد عن وعي الناس، ويكثر فيهم المطبلون، تتكاثر فطريات الفساد الإداري والمالي، وتعشش امبراطوريات متهالكة أكل عليها الدهر وشرب، ولربما تجشأ.
النقد عملة نادرة لا يعلم أهميتها إلا من عاش تحت مظلة الحرية، واعلم أنه ليس من الحرية في شيء أن تنهش هذا وتعض ذاك، وتحتمي في الحصانة من أي نوع كانت، أو تتستر بقانون المرئي والمسموع الذي لم يطبق بشكل كامل حتى هذه اللحظة، ليس من الحرية أن تهتك حرمات البشر دون سند قانوني، أو برهاني، أو حجة أو دليل.
نعم لحرية التعبير، ونريدها دون قيود، وليقل كلٌّ ما يشاء، إذا ثبت لديه بالدليل والحجة والبرهان، دون تجن على أحد.
نعم لحرية التعبير، ونريدها دون قيود، وليقل كلٌّ ما يشاء، دون ألفاظ جارحة، تخدش الحياء والذوق العام، ودون شخصانية ممجوجة.
نعم لحرية التعبير، ونريدها دون قيود، وليقل كلٌّ ما يشاء، وليحترم صغيرنا كبيرنا، وليرحم كبيرنا صغيرنا، ولنحترم (اختيارات) الناس في قناعاتهم وأفكارهم ومذاهبهم ودينهم دون احتقار أو ازدراء، واحترامنا لـ (اختيارات) الآخرين ليس بالضرورة موافقتنا لهم فيما يرون، وإنما احترام لإرادتهم في الاختيار.

د.عبداللطيف الصريخ
كاتب كويتي
alsuraikh@yahoo.com