في يوم 20 يناير من العام 2006 جرت انتخابات تشريعية في الأراضي الفلسطينية، كانت نتائجها اكتساح حركة المقاومة الإسلامية «حماس» مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني في عرس ديموقراطي شهد العالم بشفافيته. ولم يكن نجاح هذه الحركة غريباً، بل كان منطقياً بعد حال الغضب والنقمة على مشاريع الحلول السلمية التصفوية التي ثبُت للقاصي والداني فشلها بعد عقد ونصف العقد من الاتفاقات والمؤتمرات والاجتماعات التفاوضية التي أوصلت الشعب الفلسطيني إلى لا شيء.بعد هذا الفوز ظن البعض أنه يمكن ممارسة بعض الضغوط على «حماس»، وعلى الشعب الذي اختاره لتفريغه من مضمونه والعمل على إسقاطه. ولهذا، حيكت المؤامرات وبدأت معركة التجويع والتركيع بالتزامن مع استنزاف المقاومة الفلسطينية عبر موجات الاغتيالات المتتالية. إلى جانب هذا كله ارتضى البعض أن يقوم بدور يعزز هذه المؤامرة ويسندها من الخلف، فبدأت مرحلة الفلتان الأمني وفق الخطة التي عبرت عنها وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بمصطلح «الفوضى الخلاقة»!اعتقد المتآمرون أن هذا الضغط يمكن أن يؤتي أُكله، وأن يحقق ما عجزت عنه الآلة العسكرية الصهيونية، وأنه في أسوأ الاحتمالات سيكون لهذا الضغط أثر على المواطن الفلسطيني الذي سيحرق الأرض من تحت أقدام من كان سبباً في جوع أطفاله. رغم عظم المؤامرة إلا أن الشعب الفلسطيني وحركة «حماس» استطاعوا أن يصمدوا، وأن يعضوا على الجرح فلم يسقطوا ولم ينهاروا.بعد الحسم العسكري في قطاع غزة وسيطرة «حماس» تصاعدت معركة التجويع واشتدت الشراسة أكثر من ذي قبل، وترافق معها ضرب الحصار على قطاع غزة بشكل لم يسبق له مثيل. فالكيان الصهيوني يغلق المعابر المؤدية إلى قطاع غزة، والتي يتم من خلالها نقل السلع الأساسية والمحروقات ومستلزمات الحياة كافة إلى قطاع غزة ويسيطر على المياه المحاذية لقطاع غزة لحفظ أمنه ولمنع تهريب السلاح إلى قطاع غزة.خلال الشهور الممتدة ما بعد الحسم العسكري وحتى نهاية العام 2007 كانت المؤامرة تتصاعد في بعض الفترات وتنخفض وتيرتها في فترات أخرى، وفق ما يخدم الأهداف التي وضعت لأجلها هذه الخطة. وبعد وصول قناعة الصهاينة إلى أن «حماس» لن ولم تسقط في هذه الأفعال والممارسات، ولم يعد هناك من طريقة أخرى سوى إجبار الشعب الفلسطيني على الخروج على قيادته الشرعية تحت وطأة الجوع والحرمان الذي غص فيه منذ عامين ومازال حتى الآن.لم يتحقق الهدف المرجو، بل تصاعدت شعبية وتأييد الشعب الفلسطيني لحركة «حماس»، وتزامن ذلك مع استحقاق يواجهه ساسة الكيان الصهيوني يتمثل في «تقرير فينوغراد» النهائي الذي سيخرج للعلن في نهاية يناير 2008، والذي يحقق في الهزيمة المدوية لجيش الاحتلال الصهيوني أمام المقاومة اللبنانية في صيف العام 2006. إذاً الكيان الصهيوني وساسته أمام استحقاقات مصيرية بعد فشلهم أمام المقاومة اللبنانية والفلسطينية، وهذا يستتبع تصعيداً مع الفلسطينيين مقاومةً وشعباً في آن واحد للخروج من هذه الأزمة، ولتهيئة المناخ الملائم لعودة الفريق المتآمر ضد «حماس» ممثلاً بمحمود عباس لقطاع غزة، إضافة إلى ذلك شطب حركة «حماس» من خارطة السياسية الإقليمية، حتى وصل الأمر إلى ضرب قطاع غزة بأسلحة الدمار الشامل، وتشديد الحصار ضد أهلنا الصابرين الصامدين في غزة، ودخول الوضع مرحلة الكارثة، والتي بدأت آثارها باستشهاد عشرات المرضى في المستشفيات بعد انقطاع الكهرباء، وبسبب نقص الدواء والتجهيزات الطبية ومنع المرضى من المرور عبر المعابر لتلقي العلاج في الخارج.هذه الكارثة تطال اليوم مليون ونصف المليون إنسان يعيشون تحت الاحتلال، وفي ظل حصار مشدد ويتعرضون إلى مخاطر الإبادة الجماعية عبر القتل المبرمج الذي طال مئات الشهداء منذ إعادة إطلاق عملية «السلام» في أنابوليس وتصاعد حملات الإجرام الصهيوني بالسلاح الأميركي والمغطى دولياً وعربياً، وفي ظل الصمت المطبق تجاه ما يجري من جرائم حرب جماعية تدينها الشرائع السماوية وتجرمها القوانين الدولية.

ناصر ناجي النزهان

كاتب كويتيalnzhan@hotmail.com