|القاهرة - «الراي»|
ليسوا مجرد «مجموعة»، أو فقط وكما يطلق عليهم البعض «طائفة» كانت هنا وولّت أيامها. ولا هم قوم مروا على هذا البلد، وسرعان ما رحلوا، من دون أن يتركوا علامات وآثاراً، ولا هم مجرد بقايا أثرية في حارة، أو شوارع عدة، أو مقابر على أطراف العاصمة المصرية.
هم كانوا جزءا من نسيج «المحروسة»، مصريي المولد والنشأة، تأثروا بها، وكانوا فصيلاً مؤثراً، عاشوا بين المصريين، ومصريتهم بداخلهم.
إنهم «يهود مصر» عاشوا في كثير من محافظاتها، عُرِفوا تجاراً، وأصحاب بيزنس، واشتهروا بالتعامل الربوي. وبينهم من أثرى الحياة التجارية، وترك علامات تجارية شهيرة «عمر أفندي صيدناوي شيكوريل» على سبيل المثال.
عاش بعضهم في حارة ما تزال تحمل اسمهم حتى الساعة «حارة اليهود»... القريبة من حي الأزهر الشهير في قلب العاصمة المصرية. لهم معابدهم، وما تزال موجودة شاهدة على وجودهم يوماً، وما زالت هذه المعابد تشهد صلوات واحتفالات، كما شهدت في أزمان سابقة. وهناك أيضاً بنايات قديمة، يعمل عدد من أحفادهم من وقت إلى آخر على استعادتها، من خلال قضايا عديدة تنظر أمام القضاء المصري. خرج من بين «يهود مصر» نجوم في كثير من المجالات، ولعل أشهرهم في نجوم الفن... كاميليا، ليلى مراد، عمر الشريف، وغيرهم.
اليهود المصريون... عاشوا عصور ازدهار، ولكن جاءت عليهم فترات الانحسار، وغادروا في هجرات متتالية، وبقي منهم القليل، ولكن بقيت معهم الحكايات والمتاجر، والمعابد والشوارع، والحديث ما بين فترة وأخرى عن محاولات استعادة أصول كانت مملوكة لهم في القاهرة وخارجها، وأيضاً جدوى إعادة ترميم معابدهم، والقلق من تبعات إقبال يهود العالم على زيارة تلك المعابد، وعملية تجديد 12 معبداً ما بين القاهرة والإسكندرية بكلفة نحو خمسين مليون جنيه، فتحت الباب من جديد هذه الأيام للحديث عن اليهود المصريين، هذه القضية، وإلى جانبها قصص قصيرة قديمة وحديثة عن يهود مصر... اقتربت منها «الراي» في هذا الملف الخاص.
3500 دعوى قضائية في الخارج يحركها اللوبي الصهيوني في أميركا... و«التعويضات» قدرت بنحو 33 مليار دولار
ممتلكات اليهود... «مسمار» في رأس الحكومة المصرية
القاهرة - من نهى الملواني ووليد طوغان
انها ممتلكاتنا «معابد ومدارس ومتاجر ومصانع وعمارات» هكذا يتحدث عدد من يهود مصر، الذين بقوا على أرضها، يساندهم لوبي صهيوني في أميركا وأوروبا. حركوا دعاوى قضائية خارجية وداخلية طالبوا فيها «إما استعادة هذه الأملاك... وإما دفع التعويضات عنها».
ممتلكات اليهود المصريين بقيت قضية دائمة التجدد، ما بين محاولات داخلية وإملاءات خارجية...
واستمراراً لمسلسل الاستفزازات اليهودية للمصريين قامت رئيسة الجالية اليهودية في القاهرة كارمن ونشتين بإعداد ملف خاص بأملاك اليهود المزعومة في مصر استعداداً لخوض معارك قانونية أمام القضاء المصري، تسعى من خلالها لاسترداد حقوقهم التي استولت عليها الثورة، على حد زعمها.
حيث قررت ونشتين دخولها ساحة القضاء عقب رفض المحاكم الدولية النظر في دعاوى التعويضات التي طالب بها اليهود الذين سبق لهم العيش داخل مصر، خاصة في قضية أملاك «بيجو» التي رفضتها المحكمة العليا الأميركية.
زيارة مشبوهة
هذا، وقد زارت ونشتين الولايات المتحدة الأميركية العام الماضي، وحاولت الحصول على دعم بعض أعضاء الكونغرس، وإثارة هذا الأمر على مائدة المفاوضات مستغلة علاقتها باللوبي الصهيوني في أميركا وطرح قضية التعويضات لكن محاولتها باءت بالفشل.
وكان عدد القضايا المرفوعة ضد مصر في الخارج قد وصل لنحو 3500 دعوى قضائية، تصل قيمة التعويضات فيها لخمسة مليارات دولار، أشهرها قضايا عمارة حارة اليهود التي يزعم بعض اليهود المهاجرين استمرار ملكيتهم لها منذ مغادرتهم البلاد العام 1967.
وعليه تطالب رئيسة الجالية اليهودية في مصر باسترداد هذه الأملاك وتعيينها وصية عليها في خطوة يتوقع أن تفجر أزمة مع وزارة الأوقاف المصرية المعنية بالوصاية على تلك الأملاك منذ قيام ثورة يوليو، طبقاً للقوانين المنظمة لأملاك الطوائف والجاليات الأجنبية في مصر.
وعليه، أصدرت وزارة الأوقاف بياناً صرحت فيه بأن الأوقاف ليست طرفاً في هذا النزاع القضائي الذي سيتم الاحتكام فيه إلى المحكمة، وبمجرد صدور الحكم، أياً كان، فإن الوزارة لن تتورع عن تنفيذه.
تعامل وازدواجية
وأشار البيان إلى أن ونشتين تتعامل مع هذا الملف بازدواجية، فهي من ناحية ترفض إطلاع أي من الجمعيات اليهودية الدولية على الملفات التي تحتفظ بها داخل مقر الجالية في العباسية «بالقرب من وسط القاهرة» ومن ناحية أخرى فهي على اتصال دائم بحاخامات اليهود الموجودين في إسرائيل ليدعموها.
كما بيَّن بيان الأوقاف أن ونشتين تواجهها العديد من الأزمات على صعيد طلب التعويض من المحاكم المصرية، أبرزها قدرتها على السيطرة على أوقاف الجالية بالإسكندرية «220 كيلو مترا شمال غرب العاصمة المصرية» لوجود خلافات مستمرة بين الجاليتين اليهوديتين منذ الستينيات، حيث تسيطر «جمعية النبي دانيال» على شؤون الجالية.
ولا تذكر قيادة الجالية في الإسكندرية علاقتها الوثيقة بجميع الجمعيات اليهودية في العالم، خاصة الجمعية التاريخية لليهود بأميركا والمعروفة بصلاتها بالكونغرس الأميركي، التي تتصارع مع ونشتين في الحديث باسم اليهود الذين لهم العيش في مصر.
الوصاية الداخلية
وفي شهر يونيو العام 2006 فتحت السلطات المصرية معبد «مائير عمانيم» اليهودي في ضاحية المعادي «جنوب القاهرة» أمام الجالية اليهودية، وسمحت بإقامة الصلاة فيه للأجانب واليهود المقيمين في مصر. وبعد فتح المعبد بما لا يزيد على شهر بعثت كارمن ونشتين بخطاب رسمي إلى السلطات المصرية تطلب فيه رفع الوصاية المصرية المتمثلة في وزارة الشؤون الاجتماعية «وزارة التضامن الاجتماعي حالياً» عن أملاك اليهود في مصر.
حسب خطاب كارمن فإن أملاك اليهود في مصر تزيد على 33 معبداً ومدرسة، إضافة إلى الكثير من العقارات المشهورة بأسماء يهود في شوارع وسط المدينة بالقاهرة والإسكندرية ومدن الصعيد «جنوب مصر». إضافة إلى قائمة عرضها مؤتمر «الكونغرس العالمي» «إحدى المنظمات اليهودية مقرها تل أبيب» تضمنت مديونيات لليهود الذين خرجوا في مصر قيمتها 33 مليار دولار.
كارت مفاوضة
البعض يرى أن ملف أملاك اليهود ظل خامداً، أو يدار فقط من تحت الطاولات في خطوات محفوفة بالحذر من جانب اليهود، وبالترتيب من جانب الحكومة المصرية حتى وصول «حركة حماس»، بعدها بدا أن أملاك اليهود في مصر «كارت» تلعب به الحكومة الإسرائيلية للضغط على السياسة المصرية الراغبة في استقرار الوضع الفلسطيني. أملاك اليهود المصريين هي في الغالب «كارت مفاوضة»، وربما للآن لا يعرف لأملاك اليهود المصريين رقم محدد سواء في القاهرة، أو في بقية المدن والقرى المصرية.
بعد ثورة يوليو أممت الحكومة المصرية المتاجر الكبرى والمؤسسات المملوكة لليهود المصريين، تماماً مثلما أممت مؤسسات ومتاجر كبرى يملكها مصريون، أما الأملاك الصغيرة فكما ظلت في أيدي المصريين ظلت أملاك اليهود في أيديهم، والدليل صدور القرار رقم 66 لسنة 1956 «المعروف بقانون الجاليات الأجنبية» الذي ترك إدارة أملاك كل طائفة دينية، أو جالية أجنبية للجالية والطائفة نفسها. وظلت إدارة أملاك اليهود بأيديهم حتى وصول إستر وينشتين «والدة رئيسة المالية في الجالية» لرئاسة الطائفة. وينشتين هي التي انفصلت بطائفة القاهرة عن طائفة الإسكندرية بعدها بدا أن أول مهام إستر هو دق مسمار جحا المعروف «بملف أملاك اليهود المصريين»، الأمر الذي تتابعه ابنتها كارمن بدأب شديد بعد توليها مقاليد الطائفة.
ورغم إعلان رئيسة الطائفة اليهودية بالقاهرة أكثر من مرة أنها لا تجد معنى لتدخل جهات خارجية «إسرائيلية» في ملف أملاك اليهود المصريين، إلا أن الأعوام الخمسة الأخيرة شهدت تحركات من كارمن نفسها للاتصال بمنظمات أهلية يهودية معظمها في تل أبيب للحصول على ما أسمته «دعماً لترميم المعابد اليهودية في القاهرة»، في الصحافة الأجنبية تناثرت تصريحات لكارمن وينشتين تحذر من «إمكانية ضياع التراث اليهودي القديم في المدن المصرية بعد إهمال أحوالها وعدم ترميمها منذ أعوام».
الطريف، أن المعابد اليهودية في القاهرة أو الإسكندرية تخضع لإشراف وزارة الثقافة المصرية وهيئة الآثار التي تدفع ميزانيات الترميم من دون طلبات يهودية، فقانون الآثار المصري رقم 187 اعتبر المباني المصرية أو الأجنبية المقامة على الأراضي المصرية وبمرور مئة عام على إنشائها تدخل نطاق «الآثار» التي لا يجوز هدمها أو التصرف فيها بالبيع، في حين يتولى أصحابها إدارتها فقط، بينما تتولى هيئة الآثار المصرية ترميمها حسبما تقتضي الأحوال.
لليهود المصريين ستة معابد قديمة في منطقة وسط المدينة وحارة اليهود والعباسية والمعادي، كلها مفتوحة لليهود، والبعض يرى أن ما تحصل عليه كارمن وينشتين من أموال خارجية يدخل تحت «الدعم الطائفي» بصرف النظر عن ترميم المعابد، أو العقارات اليهودية في القاهرة.
السلطات المصرية إلى الآن لم تبت في طلب كارمن ونشتين بعدم الاعتداد بالقانون 66 «قانون المجمعات الأهلية» في إدارة الطائفة، وفيما اعتمدت كارمن على إحصاء منظمة «إيروان» الأهلية الإسرائيلية التي حصرت أملاك اليهود المصريين، إلا أن السلطات المصرية وجدت أنه من غير المنطقي الاعتداد بتقرير لمنظمات يرأسها يهود غربيون يعتبرون أملاك اليهود المزعومة في القاهرة «كارت سياسي» وليس «حقوق ملكية».
تقديرات مختلفة
أملاك اليهود المصريين، حسب تقرير إيروان، تتعدى قيمتها 207 مليارات جنيه مصري، فيما ذكر إحصاء وزارة العدل الإسرائيلية العام 88 أن عدد الأملاك التي تم تسجيلها لليهود قبل خروجهم من مصر العام 52 تزيد قيمته على 780 مليون دولار، عبارة عن أرصدة في البنوك، وعقارات، وسندات ديون على الغير، وممتلكات عامة مثل أسهم في مؤسسات حكومية ومزارع وبعض العقارات المشهورة التي تبلغ قيمتها حالياً الملايين بشوارع وسط المدينة.
«معبد بن عزرا» بكامل أرضه، الموجود بشارع عدلي وسط القاهرة، قدرت «منظمة إيروان» قيمته بما يفوق 900 مليون دولار كمبان، بخلاف التحف ومقتنياته الأثرية.
وحسب تقرير «إيروان» يملك اليهود معبد ابن ميمون بحارة اليهود، وهو معبد أثري قدرته وزارة العدل الإسرائيلية بما يزيد على 560 مليون دولار بأرضه ومقتنياته، فيما يدعي اليهود ملكيتهم لعمارة اللواء، وعمارة ليبون في الزمالك «تسكنها فاتن حمامة، ولبنى عبدالعزيز، وسكنها قبلاً أنور وجدي، وأم كلثوم، واستيفان روستي، وآخرون».
من أملاك اليهود أيضاً، حسب تقارير الجمعيات، العمارات التي كانت مملوكة للخواجة يعقوب يعقوبيان «اليهودي الأرمني»، وهي التي دارت فيها قصة «عمارة يعقوبيان» للروائي علاء الأسواني.
شهر مايو العام 2006 عقد «مؤتمر الكونغرس العالمي» ليهود مصر بمقر المنظمة في تل أبيب، وذلك تحت رعاية جامعة حيفا، وبالتحديد كلية الدراسات الشرقية هناك، وكان الأول من نوعه لليهود المصريين في المهجر. لم تذهب كارمن وينشتين إلى هناك، رغم أن ماريكا سموحة ليفي «قائدة جناح المعارضة لرئيسة الطائفة في القاهرة» كانت قد أكدت وقتها أن وينشتين تلقت بعض ما أسمته توصيات من منظمي المؤتمر، بما يجب أن تقوم به الطائفة اليهودية في القاهرة حيال أملاك اليهود.
المؤتمر حضره معظم النازحين ذوي الأصول المصرية، كذلك حضرته شخصيات من إسرائيل والعالم، وشخصيات بارزة من «منظمة يهود مصر» في فرنسا والولايات المتحدة، ورئيس «منظمة يهود مصر» في كندا.
الهدف الأساسي المعلن طبقاً للرواية الإسرائيلية هو محاولة وضع آليات تسمح بالحفاظ على التراث الخاص باليهود المصريين، أما ما لم يعلنه المجتمعون فهو بحث محاولات تمرير قرار بالموافقة للجنة آثارية يهودية بالإشراف على ممتلكات اليهود التي طلبت رئيسة الطائفة اليهودية وينشتين بعدم الاعتداد بخضوعها لوزارة التضامن الاجتماعي المصرية.
الغريب، أن «مؤتمر الكونغرس اليهودي» وزع ما يزيد على 4.5 مليون استمارة على عائلات يهودية في مختلف بقاع الأرض طالب فيها الجميع بكتابة مكان الميلاد والإقامة بالتحديد في مصر «قبل النزوح»، والمدرسة التي تلقى فيها تعليمه وكذلك الجامعة، وتاريخ ترك مصر مع ذكر عدد الأولاد، وأعمارهم وقت مغادرة القاهرة. طلبت الاستمارات أيضاً ذكر تاريخ ومكان ميلاد الآباء وعملهم ومكانه، إضافة لمعلومات عن علاقات الآباء وصداقاتهم، أو ما يعرفه الأبناء عن تلك الصداقات.
ورغم أن نتائج «مؤتمر الكونغرس العالمي ليهود مصر» غير واضحة للآن إلا أنه من الواضح أن ملف أملاك اليهود في القاهرة والإسكندرية سوف يأخذ خلال الفترة المقبلة بُعداً آخر، خلاف كونه مجرد صراع عقارات كان يملكها يهود، أو ديون للغير تركتها العائلات اليهودية بعد خروجهم من مصر في خمسينيات القرن الماضي.
الواضح أيضاً أن رئيسي الطائفة اليهودية «في مصر والإسكندرية» ليسا بعيدين عن حركة دولية نشطة يمكن أن نسميها «جحا... يبحث عن مسماره».
اتفاقية «مونييريه» نقطة فاصلة في علاقتهم مع المحروسة
حارة اليهود من دون يهود
... نجمة داود وحدها باقية
القاهرة - من أغاريد مصطفى
إذا قادتك الظروف إلى «حارة اليهود»، بالقرب من وسط القاهرة وفي مدخل حي الأزهر مباشرة، فإن أول ما يتبادر إلى ذهنك هو أنها اسم بلا مسمى، ذلك أنها أضحت بلا يهوداً، لقد رحلوا عنها إلى غير رجعة. ولم يعد شيء يدل على «حارة اليهود» التي تتوسط القاهرة الفاطمية سوى نجمة «داود» السداسية المشغولة بالحديد، والتي تعلو أبواب بعض المنازل القديمة، التي رحل عنها أصحابها بين عامي «1948» و«1967»، حيث كان الحرفيون من يهود الحارة يعملون في صناعة الذهب والفضة وصناعة الأحذية، ومواقد السولار وترميم الأثاث، أما تجارهم فتركز نشاطهم في الأقمشة، والورق والأدوات الكهربائية، أما اليهوديات فكُنَّ يصنعن الحلوى والمربى، ويعملن في الحياكة وتقطير الزهر.
الآن... أضحت الحارة مركزاً تجارياً، فزائرها سوف يجد ما يريده من أقمشة، وملابس، وأحذية، وشنط، واكسسوارات، ولعب أطفال، وأدوات ماكياج، ومصانع للتحف، وأخرى للحلوى.
وما يزال في الحارة ثلاثة معابد أشهرها: معبد «ابن عزرا»، ومعبد «ابن ميمون»، غير أن أحداً لا يزورهما، فهما مهجوران، ولا يكشف هويتهما سوى النجمة السداسية التي تعلو أبوابهما، والكلمات العبرية التي تتناثر على جدرانهما، ويتردد عليهما بين الحين والآخر من يقوم بتنظيفهما، وزيارتهما ليست متاحة دائماً أمام السائحين.
باعوا وغادروا
الحاج جلال شعراوي أحد تجار الحارة قال لـ «الراي»: كل الورش الموجودة في الحارة كانت ملكاً لليهود قبل رحيلهم عن مصر، وعندما غادروها باعوها لمن كانوا يرتبطون معهم بعلاقات ودية.
الحاج شعراوي يرجع بذاكرته إلى الوراء كثيراً، ويؤكد أن الحارة كانت تزخر بعشر معابد يهودية لم يعد متبقياً منها سوى ثلاثة معابد مهجورة لا تقام فيها شعائر أو صلوات، ولا يتردد عليها أحد، لقد أصبحت مرفوعة من الخدمة، لافتاً إلى أن أحد المعابد تحول إلى ورشة لإنتاج البلاستيك كان يمتلكها الخواجة يوسف القدسي قبل وفاته منذ أعوام قليلة دون أن يترك ورثة، والمصنع يدار حالياً بالوكالة.
ومن المؤكد أن زائر حارة اليهود لن تخطئ عيناه بيتاً صغيراً، يبقى أحد معالمها، وهو البيت الكائن في زقاق خميس عدس، والذي أقام فيه الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر في فترة شبابه.
ماريكا... والفنجان
عبدالرحمن عبدالفتاح أقدم سكان الحارة، جاء إليها قبل 38 عاماً، ويمتلك الآن مصنعاً للبلاستيك، يقول: جميع سكان الحارة قديماً كانوا يهوداً، وكانت الحارة هادئة لا يعرف الضجيج طريقا إليها، أما الآن فقد تغير كل شيء... منازل كثيرة هُدمت وأعيد بناؤها.
ويتابع: آخر يهودية كانت تقطن بالحارة هي ماريكا وكانت بارعة في قراءة الفنجان، وكانت تتحدث اللغة العربية بطلاقة، ولكنها اضطرت إلى مغادرة الحارة بسبب مضايقات بعض الصبية لها، وربما تكون قد اتجهت نحو محافظة الإسكندرية.
عبدالفتاح يشير إلى أن أغلب مباني الحارة أصبحت متاجر ومكاتب إدارية، وعدد سكانها محدودون جداً، والتجار يفوقونهم عدداً.
عادل كامل تاجر خردوات قال إنه يقطن في حارة اليهود منذ ربع قرن، ولكنها أصبحت اسماً من دون مسمى، ويتفق معه مسعد راشد إبراهيم أحد السكان مضيفاً أن اليهود الذين كانوا يقيمون في الحارة كان عددهم قليل ومن كبار السن، ونشاطهم انحصر في تجارة الأقمشة، وكانوا حريصين على التردد على المعابد.
حارس معبد «موسى بن ميمون» قال أنه لا يعرف اسم المعبد الذي يحرسه مشيراً إلى أن هناك من يأتي لتنظيفه كل ثلاثة أشهر، ولا يتردد السائحون عليه.
كتب عن اليهود
وفي رحلتنا للتعرف على حارة اليهود عرفنا أن هناك إصدارات تناولت هذه الحارة، كما تناولت تاريخ ومواقف ومحطات في حياة «يهود مصر». ففي كتابه القيم «يهود مصر من الازدهار إلى الشتات» ذكر الكاتب والطبيب المصري المعروف الدكتور محمد أبوالغار أن حارة اليهود لم تكن حارة بالمعنى الدارج، ولكنها كانت حياً كاملاً، يحوي شوارع وحارات متشابكة، تتوسط القاهرة الإسلامية والخديوية، وكما كان يقطنها يهود، كان يسكنها أيضاً مسلمون وأقباط.
وتابع: كان قاطنوها من اليهود، إما من محدودي الدخل، أو حرفيين حريصين على الإقامة بالقرب من مصادر رزقهم في منطقة الصاغة، أما من تحسنت أحوالهم المادية، فكانوا يتركون الحارة إلى مناطق أكثر رُقيا مثل: عابدين، وباب الشعرية، وباب اللوق، أما من يستقل منهم قطار الثراء الفاحش، فإنه يتجه به نحو أماكن أفضل، على غرار: العباسية، ومصر الجديدة.
ويركز أبو الغار على أن «حارة اليهود» لم تكن مسكناً إجبارياً أو ملزماً لهم في أي فترة من الفترات، بل تنقلوا بين القاهرة والإسكندرية دون قيد أو شرط. ففي أحياء محافظة الإسكندرية «شمال غرب مصر» عاش اليهود، قبل أن يبدأوا في الرحيل عن مصر في أربعينيات القرن المنقضي، بعد احتلال فلسطين.
ومن بين الأبحاث التي أجريت عن الموضوع نفسه ما أعده الباحث المصري عرفة عبده عن تلك الحارة، وأكد فيه أنها كانت تضم 11 معبداً زال منها ثمانية ولم يتبق سوى ثلاثة معابد، وملجأ للمسنين اسمه «راز داهمين إسحق ليشع الخيري»، وأهم المعابد معبد «ابن ميمون»، الذي يحتل «600» متر مربع، وينسب إلى الفيلسوف والطبيب اليهودي الشهير ابن ميمون والذي كان مقرباً من صلاح الدين الأيوبي وتوفي في العام «1204» ميلادية.
وصف الباحث المعبد من الداخل، فيقول: إن به سرداباً يدخله الزائرون حفاة متجهين نحو الغرفة المقدسة التي رقد فيها جثمان صاحب المعبد، قبل نقله إلى طبرية في فلسطين، والغريب أن مسلمين وأقباطاً يترددون على الغرفة المقدسة، طلباً للبركة، أو بحثاً عن الشفاء. ونوه إلى أن الملك المصري الأسبق فؤاد الأول رقد عارياً من جميع ملابسه في تلك الغرفة من غروب الشمس إلى مطلع الفجر، أملاً في الشفاء من مرض عُضال، كان قد ألمَّ به.
أما المعبد الثاني بالحارة فهو معبد «أبوحايم كابوس» و«درب نصير» و«كابوس» وهذا الأخير ينسب إلى شخص بالاسم نفسه كان بارعاً في أعمال السحر، وعندما مات في العام 1631 ميلادية دفن بضريحه بمقابر اليهود بمنطقة «البساتين»، وكان اليهود يحرصون على التردد على معبده تبركاً به.
أما المعبد الثالث، وبحسب الباحث، فهو معبد «باريوحاي»، ويقع في شارع «الصقالية»، وشيدته عائلة موصيري وكان مدرسة للتعاليم التلمودية وتعليم اللغة العبرية لأبناء الطائفة اليهودية وغيرهم.
ليسوا مجرد «مجموعة»، أو فقط وكما يطلق عليهم البعض «طائفة» كانت هنا وولّت أيامها. ولا هم قوم مروا على هذا البلد، وسرعان ما رحلوا، من دون أن يتركوا علامات وآثاراً، ولا هم مجرد بقايا أثرية في حارة، أو شوارع عدة، أو مقابر على أطراف العاصمة المصرية.
هم كانوا جزءا من نسيج «المحروسة»، مصريي المولد والنشأة، تأثروا بها، وكانوا فصيلاً مؤثراً، عاشوا بين المصريين، ومصريتهم بداخلهم.
إنهم «يهود مصر» عاشوا في كثير من محافظاتها، عُرِفوا تجاراً، وأصحاب بيزنس، واشتهروا بالتعامل الربوي. وبينهم من أثرى الحياة التجارية، وترك علامات تجارية شهيرة «عمر أفندي صيدناوي شيكوريل» على سبيل المثال.
عاش بعضهم في حارة ما تزال تحمل اسمهم حتى الساعة «حارة اليهود»... القريبة من حي الأزهر الشهير في قلب العاصمة المصرية. لهم معابدهم، وما تزال موجودة شاهدة على وجودهم يوماً، وما زالت هذه المعابد تشهد صلوات واحتفالات، كما شهدت في أزمان سابقة. وهناك أيضاً بنايات قديمة، يعمل عدد من أحفادهم من وقت إلى آخر على استعادتها، من خلال قضايا عديدة تنظر أمام القضاء المصري. خرج من بين «يهود مصر» نجوم في كثير من المجالات، ولعل أشهرهم في نجوم الفن... كاميليا، ليلى مراد، عمر الشريف، وغيرهم.
اليهود المصريون... عاشوا عصور ازدهار، ولكن جاءت عليهم فترات الانحسار، وغادروا في هجرات متتالية، وبقي منهم القليل، ولكن بقيت معهم الحكايات والمتاجر، والمعابد والشوارع، والحديث ما بين فترة وأخرى عن محاولات استعادة أصول كانت مملوكة لهم في القاهرة وخارجها، وأيضاً جدوى إعادة ترميم معابدهم، والقلق من تبعات إقبال يهود العالم على زيارة تلك المعابد، وعملية تجديد 12 معبداً ما بين القاهرة والإسكندرية بكلفة نحو خمسين مليون جنيه، فتحت الباب من جديد هذه الأيام للحديث عن اليهود المصريين، هذه القضية، وإلى جانبها قصص قصيرة قديمة وحديثة عن يهود مصر... اقتربت منها «الراي» في هذا الملف الخاص.
3500 دعوى قضائية في الخارج يحركها اللوبي الصهيوني في أميركا... و«التعويضات» قدرت بنحو 33 مليار دولار
ممتلكات اليهود... «مسمار» في رأس الحكومة المصرية
القاهرة - من نهى الملواني ووليد طوغان
انها ممتلكاتنا «معابد ومدارس ومتاجر ومصانع وعمارات» هكذا يتحدث عدد من يهود مصر، الذين بقوا على أرضها، يساندهم لوبي صهيوني في أميركا وأوروبا. حركوا دعاوى قضائية خارجية وداخلية طالبوا فيها «إما استعادة هذه الأملاك... وإما دفع التعويضات عنها».
ممتلكات اليهود المصريين بقيت قضية دائمة التجدد، ما بين محاولات داخلية وإملاءات خارجية...
واستمراراً لمسلسل الاستفزازات اليهودية للمصريين قامت رئيسة الجالية اليهودية في القاهرة كارمن ونشتين بإعداد ملف خاص بأملاك اليهود المزعومة في مصر استعداداً لخوض معارك قانونية أمام القضاء المصري، تسعى من خلالها لاسترداد حقوقهم التي استولت عليها الثورة، على حد زعمها.
حيث قررت ونشتين دخولها ساحة القضاء عقب رفض المحاكم الدولية النظر في دعاوى التعويضات التي طالب بها اليهود الذين سبق لهم العيش داخل مصر، خاصة في قضية أملاك «بيجو» التي رفضتها المحكمة العليا الأميركية.
زيارة مشبوهة
هذا، وقد زارت ونشتين الولايات المتحدة الأميركية العام الماضي، وحاولت الحصول على دعم بعض أعضاء الكونغرس، وإثارة هذا الأمر على مائدة المفاوضات مستغلة علاقتها باللوبي الصهيوني في أميركا وطرح قضية التعويضات لكن محاولتها باءت بالفشل.
وكان عدد القضايا المرفوعة ضد مصر في الخارج قد وصل لنحو 3500 دعوى قضائية، تصل قيمة التعويضات فيها لخمسة مليارات دولار، أشهرها قضايا عمارة حارة اليهود التي يزعم بعض اليهود المهاجرين استمرار ملكيتهم لها منذ مغادرتهم البلاد العام 1967.
وعليه تطالب رئيسة الجالية اليهودية في مصر باسترداد هذه الأملاك وتعيينها وصية عليها في خطوة يتوقع أن تفجر أزمة مع وزارة الأوقاف المصرية المعنية بالوصاية على تلك الأملاك منذ قيام ثورة يوليو، طبقاً للقوانين المنظمة لأملاك الطوائف والجاليات الأجنبية في مصر.
وعليه، أصدرت وزارة الأوقاف بياناً صرحت فيه بأن الأوقاف ليست طرفاً في هذا النزاع القضائي الذي سيتم الاحتكام فيه إلى المحكمة، وبمجرد صدور الحكم، أياً كان، فإن الوزارة لن تتورع عن تنفيذه.
تعامل وازدواجية
وأشار البيان إلى أن ونشتين تتعامل مع هذا الملف بازدواجية، فهي من ناحية ترفض إطلاع أي من الجمعيات اليهودية الدولية على الملفات التي تحتفظ بها داخل مقر الجالية في العباسية «بالقرب من وسط القاهرة» ومن ناحية أخرى فهي على اتصال دائم بحاخامات اليهود الموجودين في إسرائيل ليدعموها.
كما بيَّن بيان الأوقاف أن ونشتين تواجهها العديد من الأزمات على صعيد طلب التعويض من المحاكم المصرية، أبرزها قدرتها على السيطرة على أوقاف الجالية بالإسكندرية «220 كيلو مترا شمال غرب العاصمة المصرية» لوجود خلافات مستمرة بين الجاليتين اليهوديتين منذ الستينيات، حيث تسيطر «جمعية النبي دانيال» على شؤون الجالية.
ولا تذكر قيادة الجالية في الإسكندرية علاقتها الوثيقة بجميع الجمعيات اليهودية في العالم، خاصة الجمعية التاريخية لليهود بأميركا والمعروفة بصلاتها بالكونغرس الأميركي، التي تتصارع مع ونشتين في الحديث باسم اليهود الذين لهم العيش في مصر.
الوصاية الداخلية
وفي شهر يونيو العام 2006 فتحت السلطات المصرية معبد «مائير عمانيم» اليهودي في ضاحية المعادي «جنوب القاهرة» أمام الجالية اليهودية، وسمحت بإقامة الصلاة فيه للأجانب واليهود المقيمين في مصر. وبعد فتح المعبد بما لا يزيد على شهر بعثت كارمن ونشتين بخطاب رسمي إلى السلطات المصرية تطلب فيه رفع الوصاية المصرية المتمثلة في وزارة الشؤون الاجتماعية «وزارة التضامن الاجتماعي حالياً» عن أملاك اليهود في مصر.
حسب خطاب كارمن فإن أملاك اليهود في مصر تزيد على 33 معبداً ومدرسة، إضافة إلى الكثير من العقارات المشهورة بأسماء يهود في شوارع وسط المدينة بالقاهرة والإسكندرية ومدن الصعيد «جنوب مصر». إضافة إلى قائمة عرضها مؤتمر «الكونغرس العالمي» «إحدى المنظمات اليهودية مقرها تل أبيب» تضمنت مديونيات لليهود الذين خرجوا في مصر قيمتها 33 مليار دولار.
كارت مفاوضة
البعض يرى أن ملف أملاك اليهود ظل خامداً، أو يدار فقط من تحت الطاولات في خطوات محفوفة بالحذر من جانب اليهود، وبالترتيب من جانب الحكومة المصرية حتى وصول «حركة حماس»، بعدها بدا أن أملاك اليهود في مصر «كارت» تلعب به الحكومة الإسرائيلية للضغط على السياسة المصرية الراغبة في استقرار الوضع الفلسطيني. أملاك اليهود المصريين هي في الغالب «كارت مفاوضة»، وربما للآن لا يعرف لأملاك اليهود المصريين رقم محدد سواء في القاهرة، أو في بقية المدن والقرى المصرية.
بعد ثورة يوليو أممت الحكومة المصرية المتاجر الكبرى والمؤسسات المملوكة لليهود المصريين، تماماً مثلما أممت مؤسسات ومتاجر كبرى يملكها مصريون، أما الأملاك الصغيرة فكما ظلت في أيدي المصريين ظلت أملاك اليهود في أيديهم، والدليل صدور القرار رقم 66 لسنة 1956 «المعروف بقانون الجاليات الأجنبية» الذي ترك إدارة أملاك كل طائفة دينية، أو جالية أجنبية للجالية والطائفة نفسها. وظلت إدارة أملاك اليهود بأيديهم حتى وصول إستر وينشتين «والدة رئيسة المالية في الجالية» لرئاسة الطائفة. وينشتين هي التي انفصلت بطائفة القاهرة عن طائفة الإسكندرية بعدها بدا أن أول مهام إستر هو دق مسمار جحا المعروف «بملف أملاك اليهود المصريين»، الأمر الذي تتابعه ابنتها كارمن بدأب شديد بعد توليها مقاليد الطائفة.
ورغم إعلان رئيسة الطائفة اليهودية بالقاهرة أكثر من مرة أنها لا تجد معنى لتدخل جهات خارجية «إسرائيلية» في ملف أملاك اليهود المصريين، إلا أن الأعوام الخمسة الأخيرة شهدت تحركات من كارمن نفسها للاتصال بمنظمات أهلية يهودية معظمها في تل أبيب للحصول على ما أسمته «دعماً لترميم المعابد اليهودية في القاهرة»، في الصحافة الأجنبية تناثرت تصريحات لكارمن وينشتين تحذر من «إمكانية ضياع التراث اليهودي القديم في المدن المصرية بعد إهمال أحوالها وعدم ترميمها منذ أعوام».
الطريف، أن المعابد اليهودية في القاهرة أو الإسكندرية تخضع لإشراف وزارة الثقافة المصرية وهيئة الآثار التي تدفع ميزانيات الترميم من دون طلبات يهودية، فقانون الآثار المصري رقم 187 اعتبر المباني المصرية أو الأجنبية المقامة على الأراضي المصرية وبمرور مئة عام على إنشائها تدخل نطاق «الآثار» التي لا يجوز هدمها أو التصرف فيها بالبيع، في حين يتولى أصحابها إدارتها فقط، بينما تتولى هيئة الآثار المصرية ترميمها حسبما تقتضي الأحوال.
لليهود المصريين ستة معابد قديمة في منطقة وسط المدينة وحارة اليهود والعباسية والمعادي، كلها مفتوحة لليهود، والبعض يرى أن ما تحصل عليه كارمن وينشتين من أموال خارجية يدخل تحت «الدعم الطائفي» بصرف النظر عن ترميم المعابد، أو العقارات اليهودية في القاهرة.
السلطات المصرية إلى الآن لم تبت في طلب كارمن ونشتين بعدم الاعتداد بالقانون 66 «قانون المجمعات الأهلية» في إدارة الطائفة، وفيما اعتمدت كارمن على إحصاء منظمة «إيروان» الأهلية الإسرائيلية التي حصرت أملاك اليهود المصريين، إلا أن السلطات المصرية وجدت أنه من غير المنطقي الاعتداد بتقرير لمنظمات يرأسها يهود غربيون يعتبرون أملاك اليهود المزعومة في القاهرة «كارت سياسي» وليس «حقوق ملكية».
تقديرات مختلفة
أملاك اليهود المصريين، حسب تقرير إيروان، تتعدى قيمتها 207 مليارات جنيه مصري، فيما ذكر إحصاء وزارة العدل الإسرائيلية العام 88 أن عدد الأملاك التي تم تسجيلها لليهود قبل خروجهم من مصر العام 52 تزيد قيمته على 780 مليون دولار، عبارة عن أرصدة في البنوك، وعقارات، وسندات ديون على الغير، وممتلكات عامة مثل أسهم في مؤسسات حكومية ومزارع وبعض العقارات المشهورة التي تبلغ قيمتها حالياً الملايين بشوارع وسط المدينة.
«معبد بن عزرا» بكامل أرضه، الموجود بشارع عدلي وسط القاهرة، قدرت «منظمة إيروان» قيمته بما يفوق 900 مليون دولار كمبان، بخلاف التحف ومقتنياته الأثرية.
وحسب تقرير «إيروان» يملك اليهود معبد ابن ميمون بحارة اليهود، وهو معبد أثري قدرته وزارة العدل الإسرائيلية بما يزيد على 560 مليون دولار بأرضه ومقتنياته، فيما يدعي اليهود ملكيتهم لعمارة اللواء، وعمارة ليبون في الزمالك «تسكنها فاتن حمامة، ولبنى عبدالعزيز، وسكنها قبلاً أنور وجدي، وأم كلثوم، واستيفان روستي، وآخرون».
من أملاك اليهود أيضاً، حسب تقارير الجمعيات، العمارات التي كانت مملوكة للخواجة يعقوب يعقوبيان «اليهودي الأرمني»، وهي التي دارت فيها قصة «عمارة يعقوبيان» للروائي علاء الأسواني.
شهر مايو العام 2006 عقد «مؤتمر الكونغرس العالمي» ليهود مصر بمقر المنظمة في تل أبيب، وذلك تحت رعاية جامعة حيفا، وبالتحديد كلية الدراسات الشرقية هناك، وكان الأول من نوعه لليهود المصريين في المهجر. لم تذهب كارمن وينشتين إلى هناك، رغم أن ماريكا سموحة ليفي «قائدة جناح المعارضة لرئيسة الطائفة في القاهرة» كانت قد أكدت وقتها أن وينشتين تلقت بعض ما أسمته توصيات من منظمي المؤتمر، بما يجب أن تقوم به الطائفة اليهودية في القاهرة حيال أملاك اليهود.
المؤتمر حضره معظم النازحين ذوي الأصول المصرية، كذلك حضرته شخصيات من إسرائيل والعالم، وشخصيات بارزة من «منظمة يهود مصر» في فرنسا والولايات المتحدة، ورئيس «منظمة يهود مصر» في كندا.
الهدف الأساسي المعلن طبقاً للرواية الإسرائيلية هو محاولة وضع آليات تسمح بالحفاظ على التراث الخاص باليهود المصريين، أما ما لم يعلنه المجتمعون فهو بحث محاولات تمرير قرار بالموافقة للجنة آثارية يهودية بالإشراف على ممتلكات اليهود التي طلبت رئيسة الطائفة اليهودية وينشتين بعدم الاعتداد بخضوعها لوزارة التضامن الاجتماعي المصرية.
الغريب، أن «مؤتمر الكونغرس اليهودي» وزع ما يزيد على 4.5 مليون استمارة على عائلات يهودية في مختلف بقاع الأرض طالب فيها الجميع بكتابة مكان الميلاد والإقامة بالتحديد في مصر «قبل النزوح»، والمدرسة التي تلقى فيها تعليمه وكذلك الجامعة، وتاريخ ترك مصر مع ذكر عدد الأولاد، وأعمارهم وقت مغادرة القاهرة. طلبت الاستمارات أيضاً ذكر تاريخ ومكان ميلاد الآباء وعملهم ومكانه، إضافة لمعلومات عن علاقات الآباء وصداقاتهم، أو ما يعرفه الأبناء عن تلك الصداقات.
ورغم أن نتائج «مؤتمر الكونغرس العالمي ليهود مصر» غير واضحة للآن إلا أنه من الواضح أن ملف أملاك اليهود في القاهرة والإسكندرية سوف يأخذ خلال الفترة المقبلة بُعداً آخر، خلاف كونه مجرد صراع عقارات كان يملكها يهود، أو ديون للغير تركتها العائلات اليهودية بعد خروجهم من مصر في خمسينيات القرن الماضي.
الواضح أيضاً أن رئيسي الطائفة اليهودية «في مصر والإسكندرية» ليسا بعيدين عن حركة دولية نشطة يمكن أن نسميها «جحا... يبحث عن مسماره».
اتفاقية «مونييريه» نقطة فاصلة في علاقتهم مع المحروسة
حارة اليهود من دون يهود
... نجمة داود وحدها باقية
القاهرة - من أغاريد مصطفى
إذا قادتك الظروف إلى «حارة اليهود»، بالقرب من وسط القاهرة وفي مدخل حي الأزهر مباشرة، فإن أول ما يتبادر إلى ذهنك هو أنها اسم بلا مسمى، ذلك أنها أضحت بلا يهوداً، لقد رحلوا عنها إلى غير رجعة. ولم يعد شيء يدل على «حارة اليهود» التي تتوسط القاهرة الفاطمية سوى نجمة «داود» السداسية المشغولة بالحديد، والتي تعلو أبواب بعض المنازل القديمة، التي رحل عنها أصحابها بين عامي «1948» و«1967»، حيث كان الحرفيون من يهود الحارة يعملون في صناعة الذهب والفضة وصناعة الأحذية، ومواقد السولار وترميم الأثاث، أما تجارهم فتركز نشاطهم في الأقمشة، والورق والأدوات الكهربائية، أما اليهوديات فكُنَّ يصنعن الحلوى والمربى، ويعملن في الحياكة وتقطير الزهر.
الآن... أضحت الحارة مركزاً تجارياً، فزائرها سوف يجد ما يريده من أقمشة، وملابس، وأحذية، وشنط، واكسسوارات، ولعب أطفال، وأدوات ماكياج، ومصانع للتحف، وأخرى للحلوى.
وما يزال في الحارة ثلاثة معابد أشهرها: معبد «ابن عزرا»، ومعبد «ابن ميمون»، غير أن أحداً لا يزورهما، فهما مهجوران، ولا يكشف هويتهما سوى النجمة السداسية التي تعلو أبوابهما، والكلمات العبرية التي تتناثر على جدرانهما، ويتردد عليهما بين الحين والآخر من يقوم بتنظيفهما، وزيارتهما ليست متاحة دائماً أمام السائحين.
باعوا وغادروا
الحاج جلال شعراوي أحد تجار الحارة قال لـ «الراي»: كل الورش الموجودة في الحارة كانت ملكاً لليهود قبل رحيلهم عن مصر، وعندما غادروها باعوها لمن كانوا يرتبطون معهم بعلاقات ودية.
الحاج شعراوي يرجع بذاكرته إلى الوراء كثيراً، ويؤكد أن الحارة كانت تزخر بعشر معابد يهودية لم يعد متبقياً منها سوى ثلاثة معابد مهجورة لا تقام فيها شعائر أو صلوات، ولا يتردد عليها أحد، لقد أصبحت مرفوعة من الخدمة، لافتاً إلى أن أحد المعابد تحول إلى ورشة لإنتاج البلاستيك كان يمتلكها الخواجة يوسف القدسي قبل وفاته منذ أعوام قليلة دون أن يترك ورثة، والمصنع يدار حالياً بالوكالة.
ومن المؤكد أن زائر حارة اليهود لن تخطئ عيناه بيتاً صغيراً، يبقى أحد معالمها، وهو البيت الكائن في زقاق خميس عدس، والذي أقام فيه الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر في فترة شبابه.
ماريكا... والفنجان
عبدالرحمن عبدالفتاح أقدم سكان الحارة، جاء إليها قبل 38 عاماً، ويمتلك الآن مصنعاً للبلاستيك، يقول: جميع سكان الحارة قديماً كانوا يهوداً، وكانت الحارة هادئة لا يعرف الضجيج طريقا إليها، أما الآن فقد تغير كل شيء... منازل كثيرة هُدمت وأعيد بناؤها.
ويتابع: آخر يهودية كانت تقطن بالحارة هي ماريكا وكانت بارعة في قراءة الفنجان، وكانت تتحدث اللغة العربية بطلاقة، ولكنها اضطرت إلى مغادرة الحارة بسبب مضايقات بعض الصبية لها، وربما تكون قد اتجهت نحو محافظة الإسكندرية.
عبدالفتاح يشير إلى أن أغلب مباني الحارة أصبحت متاجر ومكاتب إدارية، وعدد سكانها محدودون جداً، والتجار يفوقونهم عدداً.
عادل كامل تاجر خردوات قال إنه يقطن في حارة اليهود منذ ربع قرن، ولكنها أصبحت اسماً من دون مسمى، ويتفق معه مسعد راشد إبراهيم أحد السكان مضيفاً أن اليهود الذين كانوا يقيمون في الحارة كان عددهم قليل ومن كبار السن، ونشاطهم انحصر في تجارة الأقمشة، وكانوا حريصين على التردد على المعابد.
حارس معبد «موسى بن ميمون» قال أنه لا يعرف اسم المعبد الذي يحرسه مشيراً إلى أن هناك من يأتي لتنظيفه كل ثلاثة أشهر، ولا يتردد السائحون عليه.
كتب عن اليهود
وفي رحلتنا للتعرف على حارة اليهود عرفنا أن هناك إصدارات تناولت هذه الحارة، كما تناولت تاريخ ومواقف ومحطات في حياة «يهود مصر». ففي كتابه القيم «يهود مصر من الازدهار إلى الشتات» ذكر الكاتب والطبيب المصري المعروف الدكتور محمد أبوالغار أن حارة اليهود لم تكن حارة بالمعنى الدارج، ولكنها كانت حياً كاملاً، يحوي شوارع وحارات متشابكة، تتوسط القاهرة الإسلامية والخديوية، وكما كان يقطنها يهود، كان يسكنها أيضاً مسلمون وأقباط.
وتابع: كان قاطنوها من اليهود، إما من محدودي الدخل، أو حرفيين حريصين على الإقامة بالقرب من مصادر رزقهم في منطقة الصاغة، أما من تحسنت أحوالهم المادية، فكانوا يتركون الحارة إلى مناطق أكثر رُقيا مثل: عابدين، وباب الشعرية، وباب اللوق، أما من يستقل منهم قطار الثراء الفاحش، فإنه يتجه به نحو أماكن أفضل، على غرار: العباسية، ومصر الجديدة.
ويركز أبو الغار على أن «حارة اليهود» لم تكن مسكناً إجبارياً أو ملزماً لهم في أي فترة من الفترات، بل تنقلوا بين القاهرة والإسكندرية دون قيد أو شرط. ففي أحياء محافظة الإسكندرية «شمال غرب مصر» عاش اليهود، قبل أن يبدأوا في الرحيل عن مصر في أربعينيات القرن المنقضي، بعد احتلال فلسطين.
ومن بين الأبحاث التي أجريت عن الموضوع نفسه ما أعده الباحث المصري عرفة عبده عن تلك الحارة، وأكد فيه أنها كانت تضم 11 معبداً زال منها ثمانية ولم يتبق سوى ثلاثة معابد، وملجأ للمسنين اسمه «راز داهمين إسحق ليشع الخيري»، وأهم المعابد معبد «ابن ميمون»، الذي يحتل «600» متر مربع، وينسب إلى الفيلسوف والطبيب اليهودي الشهير ابن ميمون والذي كان مقرباً من صلاح الدين الأيوبي وتوفي في العام «1204» ميلادية.
وصف الباحث المعبد من الداخل، فيقول: إن به سرداباً يدخله الزائرون حفاة متجهين نحو الغرفة المقدسة التي رقد فيها جثمان صاحب المعبد، قبل نقله إلى طبرية في فلسطين، والغريب أن مسلمين وأقباطاً يترددون على الغرفة المقدسة، طلباً للبركة، أو بحثاً عن الشفاء. ونوه إلى أن الملك المصري الأسبق فؤاد الأول رقد عارياً من جميع ملابسه في تلك الغرفة من غروب الشمس إلى مطلع الفجر، أملاً في الشفاء من مرض عُضال، كان قد ألمَّ به.
أما المعبد الثاني بالحارة فهو معبد «أبوحايم كابوس» و«درب نصير» و«كابوس» وهذا الأخير ينسب إلى شخص بالاسم نفسه كان بارعاً في أعمال السحر، وعندما مات في العام 1631 ميلادية دفن بضريحه بمقابر اليهود بمنطقة «البساتين»، وكان اليهود يحرصون على التردد على معبده تبركاً به.
أما المعبد الثالث، وبحسب الباحث، فهو معبد «باريوحاي»، ويقع في شارع «الصقالية»، وشيدته عائلة موصيري وكان مدرسة للتعاليم التلمودية وتعليم اللغة العبرية لأبناء الطائفة اليهودية وغيرهم.