منذ أن ظهرت «حركة حماس» والحكومة المصرية تتعامل معها بريبة بسبب انتمائها الفكري لـ «جماعة الإخوان»، التي تضيف الحكومة المصرية دائماً لفظ «المحظورة» عند ذكرها، وظلت «حركة حماس» تُعامل بتهميش وريبة حتى كانت انتفاضة الأقصى التي أظهرت قدرات فائقة ومتميزة لـ «حركة حماس» في المقاومة والجهاد جعلتها في مقدمة حركات المقاومة، وتخطت بها «حركة فتح» القديمة. فتغيرت النظرة والطريقة في التعامل، سواء من الحكومة المصرية أو الحكومات العربية أو الغربية، حيث ترسخت أقدام «حماس» في الملف الفلسطيني.
ومع تفوق «حركة حماس» في الانتخابات الفلسطينية التي أعلنت نتائجها في يناير 2006 بفوزها بأغلبية برلمانية مكنتها من تشكيل الحكومة الفلسطينية فازداد قلق الحكومة المصرية وحكومات عربية، وبلا مبالغة قلق الغرب كله من «حركة حماس» وقدرتها على التفوق في المجال السياسي بعد أن تفوقت في المجال العسكري، وكان لافتاً أن الغرب رفض نتائج الديموقراطية التي طالب بها، وزاد من القلق أنها حكومة تشكلها حركة إسلامية علاقتها بـ «جماعة الإخوان المسلمين» قوية، وعلى الحدود المصرية، ونجاحها هو نجاح للإسلاميين في العالم الذين يتعرضون لموجات من التشويه لا تنتهي.
فلم تهنأ حكومة «حماس» باستقرار، وتوالت عليها المؤامرات من الفلسطينيين قبل غيرهم، حتى وصل الأمر إلى انقلاب دحلان المشهور في يونيو 2007، وقد فضحت المؤامرة مجلة «فانيتي فيير» الأميركية في مارس 2008 عندما نشرت تفاصيل المؤامرة بين فريق دحلان والمخابرات الأميركية، وتواطؤ بعض الدول العربية. والشاهد أن «حركة حماس» أحبطت المؤامرة تماماً، وانفردت بحكم غزة، ما زاد من تفوقها ورسوخ أقدامها، فقد أصبحت الرقم واحد في الملف الفلسطيني، فزاد ذلك من الحقد والحنق عليها.
وأصبح المشهد الفلسطيني منقسماً بين حكومة في رام الله مدعومة من الغرب، وحكومة «حمساوية» مستقلة في غزة مدعومة من الشعب الفلسطيني، وترتب على هذا الانقسام إشكاليات كثيرة، ومشاكل لا تنتهي للشعب الفلسطيني، منها الحصار الذي فرض على غزة، ما دعا الكثير من المهتمين بالشأن الفلسطيني إلى الدعوة إلى المصالحة، فانعقدت لقاءت عدة للمصالحة في القاهرة، ثم مكة، ثم صنعاء... كلها انتهت بالفشل.
حتى وقعت الحرب الصهيونية على غزة في نهاية 2008 وبداية 2009 التي استشهد فيها ما يقرب من 500 فلسطيني غير آلاف الجرحى، فازداد الخلاف والانقسام الفلسطيني بسبب التواطؤ المفضوح لحكومة رام الله ومعها أميركا والغرب، بل وبعض الحكومات العربية مع العدوان.
ولكن الحكومة المصرية قدمت بعد ذلك وثيقة مصالحة جديدة وترددت «حركة حماس» في الموافقة عليها، حيث طلبت تعديلات عليها لم يستجب لها، وظلت وثيقة المصالحة مجمدة لرفض «حماس» التوقيع عليها، إلا بعد إدخال التعديلات التي طلبتها، وهو ما أدى إلى غضب الطرف المصري، وظهر الخلاف الشديد بين «حركة حماس» والحكومة المصرية، وازداد الخلاف قوة مع بناء مصر للجدار العازل على طول الحدود مع غزة واتسعت الفجوة في العلاقة.
لكن الأيام الأخيرة شهدت تصاعداً غير مسبوق في حدة الخلاف، حيث انتقدت حكومة «حماس» اعتقال الفلسطينيين في مصر وتعذيبهم، واتهمت الحكومة المصرية بقتل يوسف أبوزهري في السجون المصرية، وهو شقيق سامي أبوزهري المتحدث باسم الحركة، وأعلنت أن التعذيب للحصول على معلومات تتعلق بالحركة ومكان الأسير الصهيوني شاليط. وفي تاريخ 24 مايو أعلنت حكومة «حماس» أنها قبضت على ضابط مصري كان متسللاً إلى غزة لجمع المعلومات وسلمته إلى الحكومة المصرية!
والحقيقة أن بيانات «حماس» تدل على تصاعد الخلاف بشدة، ولكن إلى أين يصل هذا التصاعد؟
لكن من المهم بالنسبة لـ «حركة حماس» وهي تمسك الآن بزمام القضية الفلسطينية أن تعي لحدود الخلاف مع مصر، وأن تمحورها مع ما يسمى دول الممانعة له حدوده أيضاً، من المصلحة التي ينبغي أن تقدر بحكمة شديدة. فمصر رغم علاقتها مع دولة الاحتلال الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية، والانتقادات الشديدة الموجهة لمواقفها من حصار غزة، وتحكمها في معبر رفح، وبناء الجدار الفولاذي إلا أنه من المعلوم استراتيجياً أن أمن غزة هو أمن قومي لمصر، وأن مصر لها مصلحة في التوافق مع من يحكم غزة بغض النظر عن ايديولوجيته، وأنه رغم اتفاقيات السلام إلا أن الموقف العام في مصر يعتبر دولة الاحتلال الصهيوني هي العدو.
لذلك أعتقد أنه ينبغي أن يدخل طرف ثالث عربي بين الطرفين ليس للضغط على «حماس»، ولكن لتهدئة لهجة التصعيد التي ليست في مصلحة أحد إلا العدو الصهيوني، فمصر رغم كل شيء هي الخط الأول في مواجهة العدو الصهيوني ولها دورها المهم والاستراتيجي في القضية الفلسطينية. فينبغي السعي لقبول الحكومة المصرية لمكتسبات «حماس» السياسية على الأرض في غزة، فهي لن تتنازل عنها إلا بمكتسبات جديدة، وليس بتنازلات، حتى لو كانت تحت مسمى المصالحة البراق. فـ «حركة حماس» لم تعد تلك الحركة الناشئة في العام 87 ولكنها الآن حركة تمسك بالسلاح للمقاومة، وتقود حكومة تتحكم في قطاع غزة الحيوي.
وعلى الجميع في العالم حتمية ترتيب أوراقه على ذلك، وعلى «حماس» أيضاً إدراك قدراتها بوعي لا يغرر به الحماس، وبواقعية تدرك أن محور سورية وإيران لا يغني عن مصر مطلقاً في ملف القضية الفلسطينية.

ممدوح اسماعيل
محام وكاتب
Elsharia5@hotmail.com