تخيل أنك في بحر لجي والأمواج تتلاطم من حولك وتكاد تزهق روحك، هل تتوقع حينها النجاة، تخيل أنك في عمق صحراء قاحلة لا نبت فيها ولا كلأ... الشمس محرقة والأرض ملتهبة، هل تتوقع حضور من يسعفك؟
كثيرون سيجيبون بنعم. ومن سيفقد الأمل ويجيب بلا سنسأله: لماذا إذاً حينها تلجأ إلى الله، هل هناك شعور داخلي سيملأ جوانحك بحتمية النجاة، لماذا تتطلع يمنة ويسرة بحثاً عن مغيث يرسله الله لك؟
أقول تخيل... ولنعد إلى الواقع قليلاً.
كل ما فات هو من قبيل الجدل الذي يحفز الذهن للوصول إلى حقيقة أن الإنسان بحاجة الى الأمل. الأمل بغد مشرق هو المحرك الداخلي والموقد للشحنات الوجدانية لنظام العمل والبقاء. الأمل في النجاة من تلاطم أمواج الفساد من حولنا والتي تحطم كل جميل في حياتنا هو الذي يجعلنا نتوقع التطور والتحسين. الأمل في التغيير والتحسين والإصلاح على أيدي المخلصين من أبناء هذا البلد هو الذي يصبرنا على تردي الأوضاع وتفشي الرشاوى في مؤسسات الدولة. الأمل في إخلاص بعض العاملين في مؤسسات الدولة هو الذي يمنحنا شيئاً من الاطمئنان أن الكويت لا تزال بخير. الأمل في تدخل المخلصين من أبناء الأسرة المباركة، والفاعلين في الحكومة، والمخلصين من وجهاء البلاد في الحفاظ على حوزة الكويت وحصنها قبل فوات الأوان، هو الذي يهدئ من روعنا ويجعلنا ننام ملء أجفاننا.
هناك سؤال لا يزال يقدح زناده مفاده إذا كان الأمل قد اتفقنا على وجوده؛ كيف إذاً نصنع الأمل في نفوس أبناء الوطن والأمة، وهل الأمل من قيم السنن الكونية ونواميسها، أم أنه من نتاج صنعنا كبشر ومرتبط بواقعنا يؤثر ويتأثر به؟
لا تظن عزيزي القارئ أن ذلك من قبيل السفسطة والفلسفة التي لا تفيد. كلا انها تتعلق بالتصور الذي يسبق العمل... فمعرفة الشيء فرع عن تصوره كما يقول المناطقة، وكل ما كان في ذهنك يتحول إلى سلوك بناء على وضوح ما تتبناه من مفاهيم ومعتقدات... هذه هي الحقيقة التي يغفل عنها كثير من الناس.
إن كان الأمل من السنن الكونية فوجوده حتمي للإنسان كوجود الليل والنهار مثلاً... والإنسان يشعر وجود الأمل دون تكلف... هذه كينونة التفرد الإنساني فسبحان الله!
أما إن كان الأمل ناتجاً عن معطيات الواقع ومبشراته، وثقتنا بالقائمين عليه وقدرتهم على الإنجاز وبالوقائع المشهودة والمعلومة في الدولة مثلاً... فإننا نحتاج إلى عمل لدفع عجلة التنمية ولتغيير الواقع إلى الأفضل وتطوير مؤسسات الدولة حتى نقترب من طوق النجاة.
لسنا قدريين، ولن نرمي بأخطائنا وتأخرنا على القدر... ونجعله شماعة نعلق عليه بلاوينا. لكننا مع ذلك نحتاج إلى الأملين... نحتاج إلى الأمل بأن الله قادر على تغيير واقعنا بفضل من عنده دون تدخل منا، أنا أؤمن بذلك حق اليقين، وهناك شواهد كثيرة على مستوى الأفراد والدول.
ألم تسمع عن ذلك الشخص الذي أجمعت التقارير الطبية كافة على وفاته واستحالة بقائه مدة قليلة من الزمن ثم هو ذا يعيش عقوداً بعد ذلك معافى قد برئ، لقد كان لديه أمل بالبقاء رغم كل التقارير التي قتلته!
كما نحتاج أيضاً إلى وجود الأمل في نفوس الناس والواقع... وهو إرادة الإنسان في الإصلاح والتغيير.
علينا إذاً أن ننطلق بالأمل للإصلاح وتغيير الكويت إلى الأفضل.
اليوم لدينا خطط للتنمية، وفوائض مالية، ودراسات ومشاريع خصخصة (مع التحفظ)، ولدينا مراكز قوى وبنوك وغير ذلك كثير... والسؤال هنا: هل كل ما لدينا يستحق أن يبعث الأمل فينا، هل نور الأمل بالدرجة التي يبدد ظلام التخلف والخوف من النكوص إلى الوراء تجاه التأخر والتخلف ومزيد من الأزمات؟
ما أستطيع أن أجيب عنه هو أنني وكثير من الكويتيين لدينا أمل بأن من يتوسط البحر وتحيط به الأمواج المتلاطمة سيتوقع تدخل القدرة الإلهية لانتشاله وإنقاذ روحه... لأننا باختصار لدينا أمل.
عزيزي القارئ ليس لنا سوى الأمل، شئنا أم أبينا، وما دام الأمر كذلك فلنزكيه وننميه ونجعله قوة دافعة للعمل والنشاط... بدلاً من أن نقول فقدنا الأمل، وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.


د. مبارك عبد الله الذروة
أكاديمي وكاتب كويتي