سؤال يتردد بقوة هذه الأيام: هل من الممكن أن يُهدم الأقصى حقاً؟ خصوصا مع حالة الاستسلام والضعف التي يعاني منها النظام العربي، والسؤال لم أجد له إجابة شافية عند الكثير من المهتمين وأهل العلم من الشيوخ، ولكني بالبحث وجدت إجابة مهمة جداً صعبة ومحزنة ومقلقة أحببت أن أنقلها للقراء كما هي.
وكما وجدت في كتاب «حمى عام 2000»، الذي صدر منذ أكثر من عشرة أعوام، وقد وفق الله كاتبه الدكتور عبدالعزيز كامل للرد على التساؤل قبل أن نصل إلى عامنا هذا. قال الدكتور عبدالعزيز كامل حفظه الله «ليس بين أيدينا نص معصوم يدل على أن هدم المسجد الأقصى ممتنع قدراً، وليس شرطاً أن ترد أحاديث الفتن بكل ما يقع، فكثير من الحوادث الجسام وقعت دون أن تذكر آية أو ترد في حديث، وبعضها أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه».
إن الكعبة نفسها قد هدمت من قبل في زمن الحجاج دون أن يكون لذلك ذكر في محكم آية أو نص حديث، والحجر الأسود قد نزع من الكعبة في زمن القرامطة، ونقل إلى البحرين ليظل هناك أعواماً عددا قبل أن يعاد، ولم تأت الإشارة إلى ذلك في كتاب ولا سنة، إذناً فليس لأحد أن يحتج بعدم الورود على عدم الوقوع، لأن الأمر قد يسطر في القدر، ولا يذكر في الكتب.
والذي يحكم الأمور عند ذلك هو قانون الأسباب والمسببات الذي يجري به قدر الله بما يشاء وقوعه.
وعلى حسب مجريات الأمور المشاهدة، فإنها شاهدة بدأب اليهود والنصارى وأخذهم بكل الأسباب المادية، في الوقت الذي يريد المسلمون فيه أن يعطلوا قانون الأسباب، وفي ظل ذلك لا نظن أن سنن الله تعالى ستحابي أحداً، فماذا يفعل المسلمون في العالم كله وهم يبلغون عددياً ملياراً وربع المليار، ماذا فعلوا عبر ما يزيد على ثلاثين عاما لكي يستنقذوا مقدساتهم من عصابة الملايين الأربعة التي زرعت بينهم ثم فرضت وجودها عليهم؟
إن قدر الأسباب لن يحابينا ونحن نجافيه، إلا ان أراد الله أمراً، فقدر بسببه شأناً إلهياً محضاً ينقذ المسجد ويعطل أسباب الكيد ضده، كما رد الله كيد أصحاب الفيل لهدم الكعبة قبل الإسلام... ولكن المشكلة أن هذا أيضاً أمر لم يأت به خبر معصوم فيتكئ عليه المتكئون.
... ماذا لو هُدم الأقصى؟
أتصور أن فئة ما من الناس ستفتن لو وقع الحدث، وستقول: كيف هذا والمسجد الأقصى قد نزل بشأنه القرآن، وتواترت بفضله الأحاديث، كيف يُهدم، وكيف يتحول إلى معبد يهودي؟ وينبغي أن يُقال لهؤلاء إن المسجد الأقصى قد مرت عليه الأعوام في مرحلة من التاريخ وصلبان النصارى مرفوعة فوق مآذنه، أيام كان الاحتلال الصليبي، وقد كان مسجداً إذ ذاك، ولم تنتف عنه صفته الشرعية، ولا خصوصياته المسجدية، والذي أصابه لم يتعد التلوث بأوضار التثليث، ثم عاد لأهل التوحيد عزيزاً مطهراً، لما عادوا إلى نصرة التوحيد.
فلابد أن يعلم أن أرض المسجد مقدسة، ولها أحكامها الشرعية من حيث مضاعفة أجور الصلوات فيها، واستحباب شد الرحال إليها، سواء أكان البناء موجوداً أو غير موجود.
فالساحة نفسها سميت مسجداً وقت تنزل القرآن بآيات الإسراء، ولم يكن ثمة مسجد مقام. إن المكان أخذ حكم المسجد قبل أن يبنى مسجد في الإسلام، وصلى فيه إمام الأنبياء صلى الله عليه وسلم بأولي العزم من الأنبياء في أرض فضاء.
فحقائق التاريخ وقصص الأنبياء تدل على أن المسجد الأقصى لم يبن مرة أخرى بعد هدمه الثاني بعيد زمان عيسى عليه السلام حتى جاء محمد عليه الصلاة والسلام، ولما تم الفتح، جاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ومعه كعب الأحبار رضي الله عنهما ليدله على موضع مصلى داود عليه السلام، ثم بنى هناك مسجداً متواضعاً من خشب. فلما جاء عهد الخليفة الوليد بن عبدالملك أعاد بناءه على الهيئة التي هو عليها الآن، وقد حافظ المسلمون على مر العصور على هذه الأمانة، حتى جاء عصر تضييع الأمانة الذي نعيشه، فوقع المسجد في الأسر، وها هو يتهدد بالهدم.
وهنا أمر تنبغي الإشارة إليه، وهو ما ورد في الحديث الصحيح بشأن منع الدجال من دخول مساجد أربعة، منها المسجد الأقصى، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «وعلامته: يمكث في الأرض أربعين صباحاً، يبلغ سلطانه كل منهل، لا يأتي أربعة مساجد: الكعبة، ومسجد الرسول، والمسجد الأقصى، والطور».
وهذا يحتمل أن يظل المسجد كما هو، بحفظ الله وحده، أو أنه سيعاد كما كان إذا أصابه مكروه، لا قدر الله، أو أن المراد بالمسجد أرض المسجد كما في آية الإسراء.
الحقيقة أن إجابة الشيخ اجتهاد ولكنه مبني على رؤية حقيقية للشرع وللواقع، وأيضاً هي إجابة مهمة تضع نقاطاً كثيرة على حروف ضاعت وتحير الكثير في فهمها، وهي إجابة تزيد من الهم بمستقبل المسجد الأقصى، وتزيد من الحزن على ما وصل إليه حال المسلمين. أسأل الله أن يصلح حال المسلمين ولا يمكن أعداءهم من النيل من الأقصى.
ممدوح إسماعيل
محامٍ وكاتب
Elsharia5@hotmail.com
وكما وجدت في كتاب «حمى عام 2000»، الذي صدر منذ أكثر من عشرة أعوام، وقد وفق الله كاتبه الدكتور عبدالعزيز كامل للرد على التساؤل قبل أن نصل إلى عامنا هذا. قال الدكتور عبدالعزيز كامل حفظه الله «ليس بين أيدينا نص معصوم يدل على أن هدم المسجد الأقصى ممتنع قدراً، وليس شرطاً أن ترد أحاديث الفتن بكل ما يقع، فكثير من الحوادث الجسام وقعت دون أن تذكر آية أو ترد في حديث، وبعضها أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه».
إن الكعبة نفسها قد هدمت من قبل في زمن الحجاج دون أن يكون لذلك ذكر في محكم آية أو نص حديث، والحجر الأسود قد نزع من الكعبة في زمن القرامطة، ونقل إلى البحرين ليظل هناك أعواماً عددا قبل أن يعاد، ولم تأت الإشارة إلى ذلك في كتاب ولا سنة، إذناً فليس لأحد أن يحتج بعدم الورود على عدم الوقوع، لأن الأمر قد يسطر في القدر، ولا يذكر في الكتب.
والذي يحكم الأمور عند ذلك هو قانون الأسباب والمسببات الذي يجري به قدر الله بما يشاء وقوعه.
وعلى حسب مجريات الأمور المشاهدة، فإنها شاهدة بدأب اليهود والنصارى وأخذهم بكل الأسباب المادية، في الوقت الذي يريد المسلمون فيه أن يعطلوا قانون الأسباب، وفي ظل ذلك لا نظن أن سنن الله تعالى ستحابي أحداً، فماذا يفعل المسلمون في العالم كله وهم يبلغون عددياً ملياراً وربع المليار، ماذا فعلوا عبر ما يزيد على ثلاثين عاما لكي يستنقذوا مقدساتهم من عصابة الملايين الأربعة التي زرعت بينهم ثم فرضت وجودها عليهم؟
إن قدر الأسباب لن يحابينا ونحن نجافيه، إلا ان أراد الله أمراً، فقدر بسببه شأناً إلهياً محضاً ينقذ المسجد ويعطل أسباب الكيد ضده، كما رد الله كيد أصحاب الفيل لهدم الكعبة قبل الإسلام... ولكن المشكلة أن هذا أيضاً أمر لم يأت به خبر معصوم فيتكئ عليه المتكئون.
... ماذا لو هُدم الأقصى؟
أتصور أن فئة ما من الناس ستفتن لو وقع الحدث، وستقول: كيف هذا والمسجد الأقصى قد نزل بشأنه القرآن، وتواترت بفضله الأحاديث، كيف يُهدم، وكيف يتحول إلى معبد يهودي؟ وينبغي أن يُقال لهؤلاء إن المسجد الأقصى قد مرت عليه الأعوام في مرحلة من التاريخ وصلبان النصارى مرفوعة فوق مآذنه، أيام كان الاحتلال الصليبي، وقد كان مسجداً إذ ذاك، ولم تنتف عنه صفته الشرعية، ولا خصوصياته المسجدية، والذي أصابه لم يتعد التلوث بأوضار التثليث، ثم عاد لأهل التوحيد عزيزاً مطهراً، لما عادوا إلى نصرة التوحيد.
فلابد أن يعلم أن أرض المسجد مقدسة، ولها أحكامها الشرعية من حيث مضاعفة أجور الصلوات فيها، واستحباب شد الرحال إليها، سواء أكان البناء موجوداً أو غير موجود.
فالساحة نفسها سميت مسجداً وقت تنزل القرآن بآيات الإسراء، ولم يكن ثمة مسجد مقام. إن المكان أخذ حكم المسجد قبل أن يبنى مسجد في الإسلام، وصلى فيه إمام الأنبياء صلى الله عليه وسلم بأولي العزم من الأنبياء في أرض فضاء.
فحقائق التاريخ وقصص الأنبياء تدل على أن المسجد الأقصى لم يبن مرة أخرى بعد هدمه الثاني بعيد زمان عيسى عليه السلام حتى جاء محمد عليه الصلاة والسلام، ولما تم الفتح، جاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ومعه كعب الأحبار رضي الله عنهما ليدله على موضع مصلى داود عليه السلام، ثم بنى هناك مسجداً متواضعاً من خشب. فلما جاء عهد الخليفة الوليد بن عبدالملك أعاد بناءه على الهيئة التي هو عليها الآن، وقد حافظ المسلمون على مر العصور على هذه الأمانة، حتى جاء عصر تضييع الأمانة الذي نعيشه، فوقع المسجد في الأسر، وها هو يتهدد بالهدم.
وهنا أمر تنبغي الإشارة إليه، وهو ما ورد في الحديث الصحيح بشأن منع الدجال من دخول مساجد أربعة، منها المسجد الأقصى، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «وعلامته: يمكث في الأرض أربعين صباحاً، يبلغ سلطانه كل منهل، لا يأتي أربعة مساجد: الكعبة، ومسجد الرسول، والمسجد الأقصى، والطور».
وهذا يحتمل أن يظل المسجد كما هو، بحفظ الله وحده، أو أنه سيعاد كما كان إذا أصابه مكروه، لا قدر الله، أو أن المراد بالمسجد أرض المسجد كما في آية الإسراء.
الحقيقة أن إجابة الشيخ اجتهاد ولكنه مبني على رؤية حقيقية للشرع وللواقع، وأيضاً هي إجابة مهمة تضع نقاطاً كثيرة على حروف ضاعت وتحير الكثير في فهمها، وهي إجابة تزيد من الهم بمستقبل المسجد الأقصى، وتزيد من الحزن على ما وصل إليه حال المسلمين. أسأل الله أن يصلح حال المسلمين ولا يمكن أعداءهم من النيل من الأقصى.
ممدوح إسماعيل
محامٍ وكاتب
Elsharia5@hotmail.com