عندما تنتاب أحدنا أوقات مؤلمة ومربكة فإنه يستطيع عبر نافذة ذاكرته أن يهرب من آلامه وأحزانه إلى عالم آخر اختزله في رأسه، يلتقط فيه أنفاسه ويُهدئ فيه روعه ويُطمئن فيه روحه، أي أنه يستبدل لحظاته المؤلمة تلك بلحظات أُخرى سعيدة مازالت ذاكرته متشبثة بها، وهذا الهروب رغم أنه مجرّد هروب ذهني إلا أنه يمنح المرء شيئاً من الخَدر الروحي وتناسي الأحزان الموجعة.
لكن ماذا لو كانت (الذاكرة) هي النافذة التي تهُب منها الآلام والأحزان على روح وقلب المرء! فنافذة الذاكرة لا شيء يستطيع أن يحول بينها وبين أن تُفتح، فهي لا تعترف بالأزمنة والأمكنة والأمزجة والأعمار والثقافات والثراء والفقر، فلعل كلمة واحدة أو مشهدا قصيرا يجعل شُرفتيها تنفتحان بكامل نطاقهما لتهب منها رياح الذكريات، سواء كانت هذه الرياح رياحا سعيدة أو رياح حزينة.
أحيانا تحاصرني ذكريات مزعجة بعثتها إليّ نافذة الذاكرة، فأحتار كثيراً كيف أهرب من قسوة تلك النافذة، فلا أجد حلاً بين يديّ سوى أني أهمس في داخلي: «لا عليك، إنها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، هذا الشعور قد زارني من قبل ورحل».
لا أُحب أن أُحكِم الإصغاء إلى الهاجس الداخلي الذي يبعث القلق والضيق، أُحب أن أتعامل مع ما حدث لي في السابق بأي شكل من الأشكال الممكنة، الأهم ألا يكون هناك تعذيب للروح.
لا يوجد لذاكرتنا زر خاص بها نقوم بالضغط عليه فيتم مسح ما نريده من ذكريات مؤلمة، لذا علينا أن نُدرك أهمية هذا الأمر، ان الجانب القاسي المختزل في ذاكرتنا هو باق في رؤوسنا يأكل ويشرب وينام ويذهب معنا أين ما اتجهنا، وإن تدريب أنفسنا على ترويض تلك الذكريات المؤلمة شيء لابد منه، كي تكون لحظة هبوبها من نافذة الذاكرة أمراً غير مربك ولا محزن، وترويضها يكون بالإيمان بانتهاء زمنها وظروفها وسلبياتها وانكساراتها. يقول هرمان: «لا تجعل من أحزانك نشيداً تردده دائماً».
* * *
تحية شُكر وعرفان لعميد كلية
الشريعة بجامعة جرش في المملكة الأردنية الدكتور محمد عقلة، على إنسانيته الكبيرة وروحه الرفيعة في تعاونه الجميل مع عموم الطلبة هناك.


حسين الراوي
كاتب كويتي
alrawie1@hotmail.com