جلسات مجلس الأمة حوت مجريات تعتبر شوائب سلوكيات النواب من أهم مخرجاتها، ومن غير المنطقي أن نعتقد أن تشكيل لجنة برلمانية لتقييم أداء النواب بعد ظهور تلك الشوائب في جلسات مجلس الأمة هو المخرج للحيلولة دون ظهورها للعلن على شكل مقاطع ساخنة صورت في قالب استفزازي بين النواب أنفسهم.
والنائب أو حتى القيادي أياً كان منصبه ممن يظن أنه فاهم في كل شيء هو في الواقع غير ملم بشيء Master of everything is Master of Nothing كما يقولون، ولذلك طالبنا من قبل بتشكيل لجنة للقيم البرلمانية لوقف بعض الممارسات غير المسؤولة، ولكننا نظن أن «السجال» هو «بهارات» الجلسات ومن البهارات ما هو مفيد للطبخة البرلمانية ومنها ما هو مضر غير مفيد وتداعياتها تترك أثراً بليغاً في أنفس متابعيها.
ومطالبتنا بتوفير تلك القيم البرلمانية يجب أن يكون مدعوماً بإطار للتعامل بين النواب أنفسهم وبين النواب والوزراء من الجهة الأخرى، وهذا الإطار مرتبط بأساس تكون فيه خطة العمل الحكومية وطريقة إعدادها للمشاريع بقوانين القاعدة التي تصب فيها بقية العوامل، فإن كانت الخطة مصاغة بعناية فائقة وقابلة للتطبيق والطريقة المعدة منسجمة مع الإجراءات الدستورية، والتي من بينها اعتماد الشفافية ومتماشية مع ديوان المحاسبة ولجنة المناقصات والفتوى والتشريع، وقبل هذا وذاك يجب أن تعمل الحكومة في مراجعة فعالية القيادة في الجهاز التنفيذي، فمن غير قيادة فعالة لن نستطيع صياغة القوانين على النحو المطلوب، ولن تتوافق الرؤى لأن القيادي غير الفعال يعيش حياة البيروقراطية، وآفة «الأنا» حيث ينظر لحالة من مرآة «السيد» الذي لا ترد له كلمة.
مشكلة إن كنا نظن بحسن نية أن الخطط ستنفذ بمعزل من الفكر الاستراتيجي الذي أشرنا إليه في مقالات عدة، فكيف تستطيع الجهة التنفيذية تنفيذ خطة عمل مشاريعها من دون أهداف مقترنة بجدول زمني للتنفيذ خصوصاً وأن الجهات المنوط بها تنفيذ المشاريع تعمل بنهج الفريق الانفرادي بلا نهج جماعي في العمل، وهي ثقافة مؤسسات الدولة التي عاشت على تأصيلها قيادات في حاجة إلى تقييم... فتقييم الأداء البرلماني قد يحجب بعض السلوكيات، ولكن التراخي في تقييم قيادات أجهزة الدولة أثره ينعكس على الدولة بشكل عام وعدم ملاءته والمرحلة الحاضرة والمستقبلية يدفع للعلاقة بين الجهتين نحو الاحتقان.
فأي خصخصة نبحث عنها في ظل وجود مؤشرات على فشلها في الكويتية على سبيل المثال لا الحصر، وأي تأمين صحي نتوقعه وفوق هذا يبحثون في تطبيق الضريبة... أمنحونا خدمات متميزة في بادئ الأمر وبعدين «لكل حادث حديث»!
راجعوا التكتيكات التي تسبق كل استجواب وطرح ثقة، انظروا إلى الرؤى المختلفة وعن الأنفس التي تقودها حينئذ نستطيع الحكم على أي أداء يحتاج إلى تقييم قبل أن نرسم الأحلام في جو «مكهرب» فيه الكيمياء الشخصية غير منسجمة بين جميع الأطراف والتي لكل واحدة منها أجندة خاصة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال توحيد الأجندات في واحدة ما دام الفكر الاستراتيجي علماً يدرس في المجتمعات وينفذ بعيدا عن الأهواء والرغبات الفردية من خلال نظام مؤسسي لا يعرف للعراقيل طريقا وكل شيء يخرج بقرار تصحيحي ينفذ في يوم واحد.
ولكي تتعرفوا على واقع الحال انظروا للأعوام التي أمضيناها في البحث بمشاريع مثل جامعة الشدادية، وزحمة المرور، وتوسعة المطار، والخدمات الصحية، والتعليم... إنها نتاج للأنفس والبيروقراطية المستخدمة في التنفيذ و«الطمع» يساندها... والله المستعان!

تركي العازمي
كاتب ومهندس كويتي
terki_alazmi@hotmail.com