التظاهرات المتكررة التي ينظمها الناشطون في العالم بمناسبة الذكرى السنوية السادسة لإقامة معتقل غوانتانامو الأميركي بكوبا لم تأت من فراغ، بل أتت بعد أن يئس المعارضون في جميع الدول من الطريقة التي تتعامل بها الإدارة الأميركية تجاه معتقل غوانتانامو، وسيتكرر سيناريو هذه الذكرى مرات ومرات كما حدث في واشنطن ولندن وعواصم أخرى فقد جسد هؤلاء المتظاهرون ما يعانيه المعتقلون في عروض إيمائية لتمثل صورة واضحة على الحالة اليائسة التي يعيشونها هناك وهم بعيدون عن أوطانهم، نعم انها دعوة من منظمة العفو الدولية للعالم أجمع، ومن المنظمات الأخرى، لتنظيم المزيد من التظاهرات التي تطالب بوقف التعذيب المستمر لهؤلاء البؤساء، والتي ليس لها سند قانوني، وأيضاً المطالبة، بالدرجة الأولى، بإغلاق هذا المعتقل المشبوه الذي أقيم، في القاعدة البحرية الأميركية في كوبا، تحت مسمى «الحرب على الإرهاب»! والتي تطربنا به الادارة الأميركية الحالية بين حين وآخر، والسؤال هنا: هل تستطيع المحكمة العليا الأميركية أن تحد من صلاحيات السلطة التنفيذية بشأن معتقلي غوانتانامو؟ علينا ألا نلوم هؤلاء المتظاهرين الذين تظاهروا قهرا باللباس البرتقالي الخاص لمعتقلي غوانتانامو وانتهكوا حرم المحكمة العليا الأميركية عن طريق القوة للضغط على مجموعة من القضاة من أجل إنهاء معاناة السجناء، إيمانا منهم بحرية وحقوق الإنسان، والذين أصبح عدد ضئيل منهم يعتبر «الأكثر خطورة»، وهذا يعني ان غالبية معتقلي هذا السجن «متعاونون»، رغم الظروف الصحية التي اعتقلوا فيها. فماذا ينتظر المشرفون أو المسؤولون عن هذا المعتقل؟ ألا يرون ما يجري في واشنطن ولندن وسيدني ومدريد وروما وأثينا وبقية دول العالم من مظاهرات تتزايد في كل عام، ويزداد معها الضغط دوليا على سفارات الولايات المتحدة في العالم دون الحصول على أي استسلام. ان كانت الولايات المتحدة ترغب في مد جسور التسامح والمحبة بين الشعوب الخليجية، وتحرص على تقوية العلاقات فلماذا لا تسارع باطلاق جميع المعتقلين الخليجيين في سجن غوانتانامو، طالما انه لم توجه لهم أي تهمة تدينهم، فضلا عن بقاء معظمهم أكثر من خمسة أعوام من دون حتى أن يحالوا إلى المحكمة القضائية، ألا يجب احترام المساطر القانونية الخاصة بحماية الحقوق الحياتية والسلامة البدنية وتوفير الأمان الشخصي؟مصادر في وزارة الخارجية الكويتية تؤكد بأنها تلقت الوعود من الرئيس الأميركي جورج بوش للافراج عن كويتيي غوانتانامو في القريب العاجل، بينما لا توجد أي تطمينات لأهالي المعتقلين الذين أصابهم الشعور بالاحباط الشديد جراء ما سمعوا من ردود من الرئيس الأميركي جورج بوش حول مصيرهم، ففي الواقع لم نجد الاستجابة المتوقعة لمطالب الكويت، سواء على المستوى القيادي أو الشعبي للافراج عن المعتقلين الكويتيين الأربعة.كل ما قيل انه سيعاد النظر في اطلاق اثنين من الأربعة على أن يحاكم الاثنان الآخران، رغم عدم وجود دلائل تدينهم بصفة قانونية. وهذا بالتأكيد حال الكثير من المعتقلين القابعين في غوانتانامو الذين ينتظرون «المصير الغائب»، ويتكرر السؤال مرات ومرات... متى تتم محاكمة المعتقلين في سجن غوانتانامو، وما نوعية التهم التي ستوجه اليهم؟ انه موضوع مثير للجدل ووجود منظمات دولية تتابع أحوالهم الحياتية هناك قد تضع الولايات المتحدة في وضع حرج للغاية، وكذلك الكويت التي تطالب باطلاق سراح أبنائها منذ عام 2002 وإلى الآن لا توجد أي استجابة تذكر سوى مزيد من الانتظار، رغم اعتبار الولايات المتحدة الكويت حليفا استراتيجيا لها. وفي الزيارة الرسمية للرئيس الأميركي جورج بوش للبلاد أكدت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس حول مصير معتقلي غوانتانامو من الكويتيين انهم سيكونون بخير وقالت: «لا تقلقوا... فكل شيء يسير على خير مايرام»، وهي اجابة تحمل شيئاً من الغموض كونها لا تحمل تاريخا أو مدى زمنيا معينا للافراج عنهم. ثم تكررت الحال عندما التقى الرئيس بوش مع الفعاليات النسائية في الكويت إذ انه لم يعط وعدا بشيء. وربما تكون الاستراتيجية الأمنية الأميركية قد تغيرت شيئاً ما، بشأن معتقلي غوانتانامو، بعد الضغوط الدولية فأصبحت ترغب في إعادة أكبر عدد ممكن من معتقلي غوانتانامو إلى أوطانهم الأصلية بغض النظر عن الجنسيات شرط وجود «الضمانات الأمنية» ولكن يبقى السؤال: ماذا لو حصل هؤلاء على أحكام بالبراءة؟ وهو الأمر الذي أكده غالبية القضاة عند تقديمهم للعدالة بأوطانهم، لذلك سيظل النظام القضائي الأميركي في مواجهة مع التحديات عند البدء بمحاكمة البعض من المعتقلين طالما ان هناك «اعتقادات»! وقد أكد الرئيس بوش ذلك خلال اللقاء الإعلامي الأخير مع مجموعة من الإعلاميين العرب في واشنطن عندما ذكر بأن «بعض معتقلي غوانتانامو ستتم محاكمتهم في محاكمنا لجرائم «نعتقد» انهم ارتكبوها»!معتقل غوانتانامو، الذي يطالب العالم بإغلاقه كان قد فُتح تحت اطار الحرب ضد الإرهاب، إلا انه يحتاج إلى قرار جريء بإغلاقه لأنه ستواجهه تعقيدات قانونية كثيرة، ومن المحتمل أن يأخذ ذلك وقتا طويلا، ولكن بقاءه بهذا الشكل بعد تعديات سجن أبوغريب في العراق يعد تشويها كبيرا لصورة الولايات المتحدة التي تدافع عن حقوق الإنسان في العالم، بالتأكيد فالعالم لا يزال يقارن الصورة الإنسانية المرتبطة بالولايات المتحدة، مع الصورة الأخرى التي يمثلها معتقل غوانتانامو، مع انعكاسات هذه السلبية على المدى البعيد.من الغريب فعلاً أن الرئيس الأميركي جورج بوش ووزير دفاعه روبرت غيتس يرفضان بقاء هذا المعتقل بهذه الصورة، وينضم اليهما رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية الأدميرال مايكل مولن الذي أيد اغلاق معتقل غوانتانامو نهائياً بسبب الاساءة التي ألحقها بصورة الولايات المتحدة في العالم، لكن مع هذا الرفض فإنه في المقابل لم يتم اتخاذ أي قرارات في شأنه.«ولكل حادث حديث»

 كاتب وناشط سياسي كويتيalfairouz61_alrai@yahoo.com