عبّرتْ أوساطٌ واسعة الاطلاع في بيروت عن مَخاوف كبيرة من التظهير النافر للبنان مجدداً على أنه أشبه بعربةٍ يجرّها حصانان في اتجاهيْن متعاكسيْن، وذلك في ذروةِ المَخاطر التي تتربّص به وتَضَعه على كفِّ حربٍ يبذل لإبعاد شبحها جهوداً ديبلوماسيةً هائلة ويقوم بخطواتٍ احتوائية متعددة البُعد.

ولم يكن عابراً أن يتولّى الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم وبخطابِ «لا تطلبوا منا شيئاً بعد الآن» أي بعد مرحلة سَحْبِ سلاح حزبه جنوب الليطاني، إفراغَ الورقة التي حاول رئيسُ الحكومة نواف سلام تسليفَها للرئيس دونالد ترامب قبل لقائه اليوم، بنيامين نتنياهو من أي ثِقْل و«حَرْقها» على طريقة معادلات «بلّوها واشربوا ماءها».

وتمثّلتْ هذه الورقة في إعطاء إشارةٍ إلى أن لبنان الرسمي يتّجه بعد 31 الجاري، الموعد المحدَّد لإنهاء الجيش سَحْب سلاح«حزب الله» من جنوب الليطاني، لإعلان إنجاز هذه المهمة والانتقال شمالاً الى مرحلة «ما بين النهرين»، أي الليطاني والأوّلي، في إطارِ «تذخير» الضغط الأميركي على نتنياهو لإرجاءٍ جديدٍ للتصعيد الكبير الذي كان يعتزم إطلاقه أوائل ديسمبر.

وفي خلفيةِ إبداء الجاهزية لإكمال «سِباق البَدَل» بين مراحل خطة الجيش اللبناني التنفيذية (5 سبتمبر) لقرار الحكومة بحصْر السلاح بيد الدولة (5 أغسطس)، توسيع الهوامش أمام بيروت مداراةً للرياح العاتية الكامنة في الأجواء، ومنْح ترامب «عُدَّة» إقناعٍ ملموسة لحضّ نتناهو على ترْك النافذة مفتوحة لبيروت وقتاً إضافياً لرصْد جدية التزامها بإكمال تفكيك ترسانة الحزب وبدء التحرك شمال الليطاني، بالتوازي مع إعطاء فرصة إضافية لاختبارِ آلية التحقّق من خلو منطقة جنوب النهر من الوجود العسكري لحزب الله والتي تمّ إرساؤها ويشكل محورُها الجيش اللبناني بعد إزالةِ الحواجز النفسية والواقعية التي كانت تحول دون تفتيشه أملاكاً خاصة.

وفي الوقت الذي كانت المعطياتُ تشير إلى أن «حزب الله» سيعلن مع نهاية الشهر وفي بيانٍ أنه نفّذ ما عليه من اتفاقِ وقف النار (27 نوفمبر 2024) بتفسيره مَحْصوراً بجنوب الليطاني فقط، تارِكاً أي خطوةٍ لاحقة لِما بعد تنفيذ إسرائيل الجانب المتعلّق بها من الاتفاق، اختار قاسم أن يطلّ لمناسبة الذكرى الثانية لوفاة القيادي البارز فيه محمد ياغي معلناً الموقف مما سيكون بعد 31 ديسمبر ومرسّماً الحلّ، وما بدا خطاً أحمر حول شمال الليطاني، وبلغة «لبنان في قلب العاصفة» و«نحن أمام مرحلة مفصلية» و«هناك مركب واحد في لبنان» على طريقة «نغرق معاً أو ننجو معاً».

وقد اعتبرتْ مصادر لبنانية مناهِضة لـ «حزب الله» أن كلمة قاسم جاءت أقرب إلى «إسناد» نتنياهو في «القضية» التي يَحْملها ضد لبنان وتعزيز سرديّته حيال عدم قدرة بيروت على تنفيذ نزع السلاح ولا رغبتها في ذلك تحت عنوان خشيتها من صِدام داخلي، مبدية الخشية من وقْع هذه المواقف على قمة فلوريدا، ومتسائلة حتى إذا كان ثمة مفاضَلة بدأت تَحصل داخل «محور الممانعة» بين أيّهما أولاً يُرمى في «حلقة النار» الإسرائيلية، الحزب أم إيران نفسها بعدما أرست تل أبيب أمراً واقعاً يضعهما على «خط الخطر» نفسه.

وقال قاسم في كلمته: «لبنان اليوم في قلب العاصفة وعدم الاستقرار، والسبب أميركا الطاغية والعدو الإسرائيلي»، معتبراً أن واشنطن «تعمل على الوصاية، والآن هي تتحكّم بكثير من المفاصل اللبنانية (...) فيما العدو الإسرائيلي لم يتوقف عن عدوانه رغم اتفاق نوفمبر 2024». وأضاف: «نحن اليوم أمام مفصلٍ تاريخي وخيارين: إما أن نُعطي أميركا وإسرائيل ما تريدان، وهما يُريدان الوصاية الأميركية الكاملة على لبنان وبداية تفتيت لبنان وذوبانه من خلال التحكم الإسرائيلي بِأرضه، على الأقل من خلال الجنوب، ومن خلال السيطرة الأمنية الكاملة على لبنان، وإما أن نَنهض وطنياً فنستعيد سيادتنا وأرضنا ونبني دولتنا ووطننا».

واعتبر في هذا الإطار «نزْع السلاح هو مشروع إسرائيلي أميركي، حتى ولو سمّوه (في لبنان) في هذه المرحلة حصرية السلاح»، وقال: «طيّب إذا كنتم تقولون إنه لا، ليس له علاقة، أَجِّلوا موضوع حصرية السلاح حتى ننتهي من الوضع القائم ومن ثم نرى ماذا نعمل في هذا الموضوع. أما أن تطلبوا حصرية السلاح في الوقت الذي تعتدي فيه إسرائيل وتدخل أميركا في الوصاية على لبنان، وتُجرّد لبنان من قوته، فمعنى هذا أنكم لا تعملون لِمصلحة لبنان، وإنما تعملون لِمصلحة ما تُريده إسرائيل».

وأضاف: «نزْع السلاح هو جزءٌ مِن مشروع يصل إلى إنهاء قدرة لبنان العسكرية، وضرب القدرة المالية والاجتماعية لفئة وازنة من اللبنانيين، وإيقاع الخلاف بين حزب الله وحركة أمل، وإيجاد الفتنة بين الجيش اللبناني والمقاومة والناس، وإبقاء الاحتلال للنقاط الخمسة التي أصبحت تسعة وغير ذلك، وأن يبقى هذا الاحتلال يَقتل ويُجرف ويَعتدي في كل لبنان وينتهك الأجواء والبحر والبر من دون حسيب ولا رقيب. ما النتيجة التي يُريدونها من هذا المسار الذي عنوانه الأساس نزع السلاح؟ يُريدون إنهاء المقاومة ومعها ضم جزء من لبنان وتحويل بقية لبنان إلى أداة تُديرها أميركا وإسرائيل».

وتابع: «يُحاولون أن يقولوا لنا:«طيب خلّينا نعمل يا أخي بشكل تدريجي». و«خلّينا نقدّم شيئا للإسرائيليين حتى بس نسكّتهم عنّا».يا أخي كم صرنا مقدّمين للإسرائيلي؟ نفّذ لبنان كل مندرجات الاتفاق، وزادت حكومة لبنان تنازلات مجانية للعدو الإسرائيلي، ولم يعطِ الإسرائيلي شيئاً (...) المقاومة التزمت مع لبنان، ولبنان التزم بمضمون الاتفاق من خلال الدولة والجيش، ومن خلال تعاون المقاومة والشعب، وإسرائيل استمرت بالقتل والغارات والدخول الأمني إلى لبنان بأشكال مختلفة».

وسأل:«تعرفون لماذا يتهمون الجيش أنه لم يُنفّذ بِشكل صحيح في جنوب نهر الليطاني، أو أنه بطيء في جنوب النهر؟ لأنهم يُريدون من الجيش أن يُنفّذ بِمشهد قسوة وفتنة وقتال، حتى يبدو بأنه يد بطّاشة، لأنهم لا يعرفون أن جيشنا اللبناني جيش وطني يُريد أن يُحرر الأرض، يُريد السيادة، ولا يُريد أن يشتغل بمشروع إسرائيل وأميركا. أغاظهم مشهد التعاون من قبل المقاومة، الذي كان تعاونا مثاليا نموذجيا بِتسهيل عمل الجيش في أن ينتشر».

وعن«الموقف الرسمي لحزب الله بعد انتهاء هذا الشهر»، قال:«ما أنجزه الجيش اللبناني من الانتشار في جنوب نهر الليطاني خلال الفترة الماضية، كان مطلوباَ أن يُنجزه في حال التزمت إسرائيل، بوقف العدوان والانسحاب وإطلاق الأسرى وبداية الإعمار. مع ذلك نحن سهلّنا، والجيش انتشر وعمل ما يقوم به من واجب. أما مع عدم تنفيذ العدو الإسرائيلي لأي خطوة من خطوات الاتفاق، فلم يَعد مطلوباً من لبنان أي إجراء على أي صعيد قبل أن يلتزم الإسرائيلي بما عليه، عليه أن يلتزم بكل ما عليه، بعد ذلك تعالوا احكوا. أمّا التبرع للعدو بإجراءات إضافية، سواء من الدولة اللبنانية أو غير ذلك، أو إبداء الاستعدادات المجانية، فهو تنازل وتبرُّع غير مسؤول، لا بل هو خطير ويتهدد المصالح الوطنية الكبرى. لا تطلبوا منا شيئاً بعد الآن، وليس مطلوباً من الدولة أن تكون شُرْطياً عند إسرائيل، ولا أن تكون بلا سيادة».

وأضاف «يجب أن يتوقف العدوان جواً وبراً وبحراً، بالاعتداء وبوجود الطائرات وبالتجسس وبكل أشكال العدوان. ويجب أن يتم الانسحاب بالكامل وأن يُطلقوا سراح جميع الأسرى وأن نبدأ بالإعمار الواضح ابتداءً من الجنوب، بحيث تعود القرى. هذا هو تطبيق الاتفاق. وبعد ذلك يقدرون أن يقولوا إنه توجد خطوة ثانية أو ثالثة أو رابعة».

وتابع:«اركبوا أقصى خيلكم، وتعاوَنوا مع أسوأ خلق الله، واستخدموا وحشيتكم وإجرامكم، ولكن لن نَتراجع ولن نَستسلم وسندافع. لقد رأيتم بعض بأسنا وصمودنا في معركة أولي البأس».

وأردف «إذا أردتم حلاً، ليُنفذ العدو الإسرائيلي ما عليه من الاتفاق، بأن يَخرج من لبنان وأن يُوقف عدوانه ويُفرج عن كل الأسرى، وألّا يُعيق عملية الإعمار، لا هو ولا أميركا. بعد أن يحصل هذا الأمر، نُناقش إستراتيجية الأمن الوطني بِإيجابية كاملة وبِتعاون كامل لما فيه مصلحة لبنان وقوة لبنان (...) هو مركبٌ واحد في لبنان. مَن يعتقد أنه يُريد رمينا في البحر لِتكون له الغنيمة، أنا أقول له: انظُر أين تضع قدميك. أمّا السباحون فلا يغرقون مهما كان البحر عميقاً، وإذا لم ينجُ السباحون من العاصفة القوية فلن ينجو أحد ولن يبقى شيء».

اجتماع قطري – سعودي في الدوحة والملف اللبناني... ثالثهما

أعلنت وزارة الخارجية القطرية أنّ«وزير الدّولة في وزارة الخارجيّة محمد بن عبدالعزيز بن صالح الخليفي اجتمع مع مستشار وزير الخارجيّة السّعوديّة للشأن اللبناني يزيد بن محمد بن فهد فرحان، الذي يزور البلاد حالياً».

وأوضحت في بيان أنّه «جرى خلال الاجتماع، استعراض علاقات التعاون بين البلدين وسبل دعمها وتعزيزها، وتطوّرات الأوضاع في لبنان، وجهود التنسيق المشترك بين البلدين في شأن الملف اللّبناني»، مشيرةً إلى أنّ «الخليفي جدّد خلال الاجتماع موقف دولة قطر الدّاعم للبنان، ووقوفها باستمرار إلى جانب الشعب اللبناني الشّقيق».