اعتبر تقرير بنك الكويت الوطني أن تواصل تحسّن البيئة الاقتصادية في الكويت، انعكس نمواً قوياً للائتمان، وأدى لارتفاع النشاط العقاري، وزيادة ترسية المشروعات، إضافة إلى قراءات أعلى من المعدل لمؤشر مديري المشتريات (PMI).
وتوقع البنك في تقريره أن يدفع الزخم نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي إلى أعلى مستوى له في 5 سنوات عند 3.3 في المئة في 2026. كما تشير التوقعات إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الكلي سيبلغ 4.5 في المئة في 2026، مدفوعاً بارتفاع إنتاج النفط الخام تماشياً مع تحركات سياسة منظمة «أوبك» رغم تأكيدات وقف زيادة الإنتاج في الربع الأول 2026.
وأشار التقرير إلى أن من المنتظر اتساع عجز المالية العامة إلى 4.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام بسبب انخفاض أسعار النفط، قبل أن ينخفض قليلاً في السنة المالية 2026 - 2027 مع ارتفاع إنتاج النفط الخام، وزيادة الإيرادات غير النفطية، واستمرار الحكومة في إحكام السيطرة على الإنفاق.
وسجل التقرير تباطؤاً في إصدارات الدين العام خلال الربع الرابع، إلا أن الإصدارات الضخمة بين يونيو وأكتوبر جمعت نحو 5.5 مليار دينار، وهي مستويات تكفي لتمويل أكثر من عامين من العجز وفق توقعات البنك. كما ساهم توسيع خيارات التمويل، والتقدم في إصلاحات المالية العامة، وتسارع النمو الاقتصادي في تحفيز رفع التصنيف الائتماني من قِبل وكالة «ستاندرد آند بورز» في نوفمبر الماضي، ما أعاد الكويت إلى فئة «الدرجة الاستثمارية العالية»، في إشارة إلى تحسّن الثقة في الآفاق الاقتصادية.
أحدث التطورات
وعرض تقرير «الوطني» أحدث التطورات في المشهد الاقتصادي المحلي، كما يلي:
• شهدت أسعار النفط انخفاضاً تدريجياً، إذ تراجعت أخيراً إلى ما دون 60 دولاراً للبرميل. وانخفض خام التصدير الكويتي إلى 59.3 دولار/برميل في ديسمبر، وهو أدنى مستوى منذ 2021، وسط مخاوف مستمرة من فائض المعروض.
وبلغ إنتاج الكويت من الخام 2.55 مليون برميل يومياً في أكتوبر (+37 ألف برميل يومياً على أساس شهري)، وهو في طريقه للارتفاع إلى 2.58 مليون برميل يومياً في ديسمبر.
• شهد الاقتصاد نمواً بوتيرة أسرع في الربع الثاني 2025، إذ تسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.7 في المئة، على أساس سنوي، من 1% في الربع السابق وفق تقديرات رسمية أولية.
وفي غضون ذلك، نما الناتج المحلي الإجمالي للقطاع النفطي بعد 8 فصول متتالية من الانكماش، مع قيام مجموعة الدول الثمانية ضمن منظمة أوبك (أوبك-8)، ومن ضمنها الكويت، بإلغاء تخفيضات الإنتاج بوتيرة أسرع.
• زيادة زخم نشاط القطاع الخاص غير النفطي في نوفمبر، إذ ارتفع مؤشر مديري المشتريات (PMI) إلى أعلى مستوى في 4 أشهر عند 53.4. وتحسّن نمو كلٍّ من الإنتاج والطلبات الجديدة للشهر الثاني على التوالي، ليتمركزا في منتصف الخمسينات. كما تحسّن التوظيف، وإن لم يكن بشكل كبير ومستدام.
• بقيت اتجاهات إنفاق المستهلكين ضعيفة في الربع الثالث، بناءً على المؤشر البديل المتمثل في بيانات معاملات البطاقات الصادرة عن البنوك المحلية.
• ارتفاع معدل تضخم مؤشر أسعار المستهلكين في سبتمبر إلى 2.5 في المئة، على أساس سنوي، من نحو 2.4 في المئة في أغسطس، في ظل تسارع الارتفاع في أسعار الأغذية والمشروبات والنقل والخدمات والسلع الأخرى.
• سجّلت مبيعات العقار للشهر السادس توالياً نمواً سنوياً مزدوج الرقم في نوفمبر. فقد بلغت المبيعات 390 مليون دينار، مرتفعة بنسبة 21 في المئة على أساس سنوي، لكنها انخفضت قليلاً عن أكتوبر (-3 في المئة على أساس شهري).
• تجاوز إسناد المشروعات منذ بداية 2025، إجمالي قيمة المشاريع المسندة في 2024، بحسب بيانات «MEED Projects». إذ بلغت القيمة الإجمالية للترسيات حتى الآن 2.9 مليار دينار، متخطية القيم المسجلة في العام الماضي والبالغة 2.7 مليار دينار. وقد تتجاوز ترسية المشاريع 4 مليارات دينار في حال تم توقيع عقد «مبارك الكبير» قبل نهاية العام.
• نجحت الحكومة في إصدار سندات «اليوروبوند» في سبتمبر الماضي، معلنةً عودتها إلى أسواق الدين الدولية بعد انقطاع دام 8 سنوات، مع ثلاث عمليات بيع لسندات مقومة بالدولار (آجال 3 و5 و10 سنوات) بإجمالي 11.25 مليار دولار. ورفعت العملية إجمالي الاقتراض هذا العام من الأسواق المحلية والدولية إلى 5.7 مليار دينار (تم إصدار نحو 0.2 مليار دينار في ديسمبر)، يكفي لتغطية ما لا يقل عن عامين من العجز وفقاً لتوقعاتنا، بما قد يفضي إلى توقف موقت قبل الإصدار التالي. وسيؤدي ذلك إلى ارتفاع الدين العام إلى نحو 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية الحالية (2025- 2026)، وهو مستوى لا يزال منخفضاً وفق المعايير الدولية.
• رفعت وكالة «ستاندرد آند بورز» التصنيف الائتماني للكويت إلى «AA-» مع نظرة مستقبلية مستقرة، وهو أول رفع منذ 2011 وتراجع جزئي لتخفيضات مرتبطة بالجائحة خلال 2020–2021.
• يواصل الائتمان المحلي النمو بوتيرة ثابتة، مرتفعاً 1.4 في المئة، على أساس شهري، في أكتوبر وسط قفزة في الإقراض للبنوك والمؤسسات المالية (+26 في المئة على أساس شهري، +46 في المئة منذ بداية العام).
• خفض بنك الكويت المركزي سعر الخصم الرئيسي بواقع 25 نقطة أساس إلى 3.5 في المئة.
توقعات 2026
رفع تقرير «الوطني» توقعاته لنمو 2026 إلى 4.5 في المئة من 4.1 في المئة، أي ما يقارب ضعف النمو المتوقع 2025 والبالغ 2.3 في المئة.
وحافظ على توقعه بخصوص النفط لمتوسط السعر عند 65 دولاراً 2026، منخفضاً من 69 دولاراً للبرميل المتوقعة 2025، في ظل توقع زيادة المعروض العالمي.
وفي المقابل، توقع نمو القطاع غير النفطي 3.3 في المئة، مقابل نسبة نمو مقدرة عند نحو 2.3 في المئة في 2025.
ضبط مالي
وتوقع التقرير أن يتسع عجز المالية العامة من 2.2 في المئة من الناتج في السنة المالية 2024 - 2025 (1.1 مليار دينار) إلى 4.9 في المئة (2.5 مليار دينار) في السنة المالية 2025 - 2026.
ومع ذلك، فقد تحسّن الوضع الأساسي بفضل إجراءات ضبط مالي متعددة نفذتها الحكومة خلال العام الماضي. مثل إعادة تسعير الرسوم والخدمات الحكومية، وزيادة الغرامات والعقوبات، وإدخال «ضريبة الحد الأدنى الإضافية» بنسبة 15 في المئة على الشركات متعددة الجنسيات بدءاً من يناير 2025، وتبلغ قيمة هذه الإجراءات مجتمعة نحو 0.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. علاوةً على ذلك، بقي الإنفاق في موازنة السنة المالية 2025 - 2026 دون تغيير عن العام السابق عند 24.5 مليار دينار (أي خفضاً حقيقياً بالقيمة المعدّلة للتضخم).
وتعد استدامة المالية العامة حدثاً متعدد السنوات، ما يعني تشديد الإنفاق العام مرة أخرى وإجراءات إضافية لزيادة الإيرادات في السنة المالية 2026 - 2027. وافترض التقرير أن نمو الإنفاق ألا يتجاوز 1 في المئة سنوياً لهذا العام والعام المقبل، بما يتسق مع سعي الحكومة إلى تحقيق الكفاءة والتوفير عبر القطاع العام، وربما بعض التخفيضات في الدعوم.
ومع ذلك، رأى التقرير أن من شأن السياسة المالية المتشددة أن تُثقل كاهل الطلب والإنفاق في الاقتصاد، لكنها، مع زيادة صادرات النفط، ستخفض عجز المالية العامة إلى 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي (2.1 مليار دينار) في السنة المالية 2026 - 2027، على رغم انخفاض أسعار النفط.
«الدّين العام»
ويوفر إقرار قانون الدين العام في أبريل مرونةً أكبر في تمويل أي عجوزات مستقبلية ويخفف الضغط على السحب من الاحتياطيات السائلة في «صندوق الاحتياطي العام»، التي حذّر المسؤولون بشأنها في السنوات الأخيرة. وجرى إصدار نحو 5.7 مليار دينار من الدين بين يونيو وديسمبر، متجاوزاً التوقعات، بما في ذلك سندات اليوروبوند والتي حظيت بطلبات اكتتاب فائضة (11.3 مليار دولار) وهذا أكثر من كافٍ لتمويل كامل العجز المتوقع للعامين المقبلين وفقاً لتوقعاتنا، وقد يؤدي إلى توقف موقت عن الإصدارات الإضافية في الوقت الحالي. وبعد أن ارتفعت نسبة الدين الحكومي إلى الناتج من 2.9 في المئة في 2024 لنحو 14 في المئة حالياً، ومن المرجح أن ترتفع بوتيرة أقل في 2026، وتبقى منخفضة جداً وفق المعايير الدولية.
التضخم والفائدة
توقع التقرير أن يبقى تضخم مؤشر أسعار المستهلكين مستقراً على نطاق واسع عند 2.4 في المئة في 2026 (بالمتوسط)، في ظل ضعف الانفاق استهلاكي ونشاط غير نفطي قريبة من المتوسط العام. وقد تظهر بعض مخاطر ارتفاع الأسعار في 2026 ناتجةً عن احتمالات خفض الدعم، أو زيادة الضرائب غير المباشرة، أو ارتفاع الإيجارات.
وذكر التقرير أن الإصلاحات، إذ تُطلق نمواً اقتصادياً أسرع على المدى الطويل، فإن تحقيق معدلات أسرع ومستدامة لنمو الاقتصاد غير النفطي سيتطلب مجموعة من الإصلاحات الهيكلية (مثل تحسين مناخ الأعمال، وإصلاح سوق العمل، ورفع كفاءة القطاع العام) ومعدلات أعلى من الاستثمار.
وكانت الحكومة المشكلة في مايو 2024 أكثر نشاطاً في القوانين والإصلاحات الاقتصادية (خصوصاً المالية العامة) مقارنةً بسابقاتها، وستسعى إلى البناء على ذلك عبر تنفيذ أسرع لأجندتها المالية والاقتصادية في 2026.