كنت وما زلت أحب القاهرة كونها عاصمة ثقافية عريقة تتعدد بها المواهب والمدارس الفنية، وكلما اعتقدت أنك قمت بمعرفة كل شيء ثقافي عنها تكتشف أنك تجهل الكثير من عناصر الثقافة ورموزها خاصة أن هناك حركة تشكيلية نشطة في القاهرة.
وخلال زيارتي الأخيرة إلى القاهرة قمت بالتشرف بزيارة الفنان التشكيلي جلال جمعة، في مرسمه بمنطقة عابدين، والذي كان بمثابة صالوناً فنياً حيث تعرفت عليه عن قرب وتحدثنا معاً في أمور فنية وكأننا نعرف بعضنا البعض منذ عقود من الزمن علما بأنه يماثلني عمراً.
ويعتبر جلال جمعة، من أبرز الفنانين التشكيليين المصريين خاصة في النحت، حيث إنه درس في كلية الفنون التطبيقية قسم الأثاث والتصميم الداخلي، كما درس الفن التشكيلي في ايطاليا، وشارك في معارض فنية كثيرة داخل مصر، كما أن بعض أعماله عرضت في الخارج ومنها في الكويت.
ويمتاز الفنان جلال جمعة، أنه يقدم النحت بالسلك وهو نوع نادر جداً من الفنون التشكيلية قلما تجد من يقدم مثل تلك الأعمال عربياً، ولا أعلم إن كان هناك من يقدم مثل تلك الأعمال عالمياً.
وخلال وجودي في محترفه بالقاهرة اطلعت على الكثير من أعماله التشكيلية التي تعكس ثقته بنفسه والتكنيك الفني العالي الذي يتبعه، كما انه لا يقلد أو يتأثر بأي فنان سبقه في هذا المجال، ناهيك عن الحوارات الفنية التي دارت بيننا والتي عكست عمق ثقافته ورؤيته تجاه دور الفن التشكيلي في المجتمع والحياة بشكل عام.
ولم أنس إصراره على الاستمرار بالعمل الفني الذي أفنى عمره فيه، فهو ما ان ينتهي من مشروع فني إلا ويبدأ بالتفكير بمشروع فني آخر، حيث الهمة والشغف، الأمر الذي يعكس معايشته للدور الذي يجب أن يقوم به الفنان تجاه المجتمع.
ولم نكن وحدنا بتلك الجلسة، فقد كان هناك بعض الأصدقاء الذين أعرفهم منذ سنوات مثل الصحافي عماد جمعة، الذي يعمل في الكويت، وكذلك الصحافي فيصل العلي، الذي جاء من كندا، كما تعرفت على بقية الحضور فمنهم من هو فنان تشكيلي ومنهم من هو رسام مثل الفنان عزت حامد، والفنان سمير عبدالغني أو من تقوم بالتطريز. إضافة إلى حضور مميز للفنان حسين عبدالغني، الذي أبهرني بعزفه على آلة العود وغنائه للعديد من الأغاني العربية الكلاسيكية.
ولم يبتعد جلال جمعة عن بيئته المصرية العميقة المتعددة لكنه قدمها بصورة مغايرة لأنه لا يريد أن يكون نسخة ممن سبقه، علماً بأنه يتبع أسلوباً فنياً غير مسبوق، الأمر الذي يجعله رائداً في هذا المجال.
ومهما تحدثت عن الفنان التشكيلي جلال جمعة فلن أوفيه حقه، حيث إن خلال مسيرته الفنية توجد محطات فنية وكل محطة بحاجة إلى وقفة نقدية عميقة، الأمر الذي يجعلني أتساءل إن كان هناك من يقوم بتأليف كتاب عن مسيرته الفنية.
همسة:
جلال جمعة امتداد لإبداعات فنانين سبقوه وقدوة لمن عاصروه.