في زمنٍ تتسابق فيه الشاشات على عرض الوجوه اللامعة، اختفت أسماء أبطالنا الحقيقيين من الواجهة. أصبحنا ننسى من علّموا الناس، ونشروا العدل، وأناروا العقول، وتركوا أثراً مباركاً في نهضة الأمة.

تاريخنا الإسلامي، الذي كان يوماً ما نوراً تهتدي به الأمم، انسحب بهدوء من حياتنا المعرفية والتعليمية، فخرج تدريجياً، واختبأ في كتب لا يفتحها كثير من الناس. لم تعد السيرة النبوية، وتاريخ الصحابة والخلفاء، تُدرَّس كقيم حيّة، بل تحوّلت إلى صفحات سريعة في كُتب التربية الإسلامية، بلا شرح عميق أو ربط بحياتنا اليومية.

وكبار العلماء، صاروا مجرد أسماء نحفظها، دون أن نعرف ما قدّموا أو كيف خدموا البشرية بعلمهم، حتى في الجامعات، قد يعرف الطالب أسماء فلاسفة أوروبا، لكنه لا يفرّق بين الأئمة.

الخطأ لا يقع على المناهج وحدها. فإنه يقع أيضاً على مُعلّم لا يعرف قيمة هذا التاريخ فلا يستطيع توصيلها إلى طلبته. والأسرة التي لا تتحدث عن العلماء والقادة لن تزرع الانتماء في نفوس أبنائها. كذلك الإعلام الذي لا يسلّط الضوء على سير الأبطال الحقيقيين يساهم في نسيانهم.

نحن لا نريد أن نعيش في الماضي، ولا أن نبكي عليه، بل نريده مصدر إلهام نستمد منه القيم، ونبني به مستقبلاً أوضح، يقول ابن خلدون في مقدمته: (من غفل عن التاريخ، جهل أحوال الناس، وفقد حكمة التجارب، وضلّ عن نهج السداد في الرأي والعمل).

واجب علينا اليوم أن نُعيد التاريخ الإسلامي إلى مكانه الطبيعي في التعليم والإعلام والتثقيف.

نريده نافعاً ذا تأثيرٍ واضح، ولا يكون جامداً محفوظاً في سطور، نريده أن يربط بين الماضي والحاضر، فيبين القيم التي نحتاجها، والنماذج التي نبحث عنها.

وفي الختام حين ننسى أبطالنا، نلجأ إلى أبطال غير حقيقيين، وحين نترك تاريخنا في الظل، سيكتبنا التاريخ في الهامش؛ فلنقرأ تاريخنا من جديد، لا لنحفظ أحداثه، بل لنتعلّم منه ونفهمه.

aaalsenan@