لم يحظَ الاجتماع الأخير بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ بما يستحقه من تحليل معمق في الإعلام العربي والخليجي، رغم أنه يمثل نقطة انعطاف في الصراع الدولي على التكنولوجيا والهيمنة. فالقمة التي استمرت ساعة ونصف الساعة فقط جاءت وسط تصاعد التوتر التجاري بين البلدين، وفي لحظة تتسارع فيها المنافسة على قيادة قطاعات التكنولوجيا الدقيقة.

خلال العقد الأخير، حققت الصين تقدماً كبيراً في مجالات حيوية مثل شبكات 5G التي تقودها شركة هواوي، والذكاء الاصطناعي العسكري والمدني، والصواريخ الفرط صوتية، والرقائق الإلكترونية والموصلات، والروبوتات، وحوكمة البيانات، والتكنولوجيا المالية المرتبطة باليوان الرقمي، إضافة إلى السيطرة على جزء واسع من المعادن النادرة الأساسية للصناعات الإلكترونية الحديثة.

وتشير تقارير ودراسات أميركية إلى أن الصين تتجه ما بين 2030–2035 نحو التفوق الكامل في هذه القطاعات، وربما قيادة عصر 6G المقبل، مع إمكانية التحكم بما يقارب 70 % من سلاسل الإمداد التكنولوجية العالمية.

في هذا السياق، طرح الرئيس ترامب فكرة تشكيل «مجموعة الإثنين» G2 بين الولايات المتحدة والصين. وعلى الرغم من أن الصيغة تبدو دبلوماسية، إلا أن المقصود منها -وفق القراءة الإستراتيجية- ليس إقامة شراكة حقيقية، بل محاولة لتقييد النمو التكنولوجي الصيني وإعادة هندسة مسار تفوقه، إلى جانب ضمان وصول الولايات المتحدة إلى المعادن النادرة والرقائق التي تعد العمود الفقري للتفوق الصناعي.

ومجرد طرح واشنطن لهذا المقترح يعد اعترافاً غير مباشر بأن النظام الدولي لم يعد قائماً على الهيمنة الأميركية المنفردة American Hegemony كما كان منذ نهاية الحرب الباردة، بل يتحول تدريجياً نحو ثنائية وربما تعددية القوة. ويشبه هذا التحول في عمقه الانعطافات الكبرى في تاريخ العلاقات الدولية مثل اتفاقيات سولت بين واشنطن وموسكو حين أجبرت القوتان العظميان على اتباع سياسة الوفاق بدلاً من الصدام.

أما الصين كعادتها قد استقبلت المقترح بعبارات دبلوماسية ترحيبية، مع إدراك كامل أن المبادرة قد تكون وسيلة لإبطاء صعودها ومنع توسع نفوذها التكنولوجي، خصوصاً تجاه دول تعتبرها واشنطن خصوماً مثل روسيا وإيران.

وهنا يبرز السؤال الأهم بالنسبة للعالم العربي والخليجي:

كيف تتعامل هذه الدول مع التحول الأكبر في القرن الحادي والعشرين؟ تحتاج الدول العربية، وخاصة الخليجية ذات القدرات المالية الكبيرة، إلى تبني إستراتيجية توازن بين التكنولوجيا الصينية والأميركية، وبناء بنية تحتية رقمية تسمح بتعدد البدائل، وتعزيز منظومات الأمن السيبراني والحوكمة الرقمية. كما يصبح من الضروري تنسيق الجهود الأمنية والمعلوماتية بين الدول العربية لمواجهة الاختراقات الاستخباراتية وبناء خطوط دفاع تكنولوجية مشتركة. وإلى جانب ذلك يجب الاستثمار في مختبرات الذكاء الاصطناعي وفرق تحليل البيانات الضخمة لدعم اتخاذ القرار وبناء سيناريوهات مستقبلية دقيقة.

ورغم أن الباب مازال مفتوحاً أمام دول المنطقة لوضع إستراتيجية رقمية شاملة ومتعددة الأبعاد، فإن نافذة الوقت تضيق بسرعة في عصر تتسارع فيه التكنولوجيا بوتيرة تفوق قدرة الكثير من الدول على التكيف.