يُنسب قول «الهندي الطيب هو الهندي الميت»، إلى الجنرال الأميركي فيليب شيريدان، (1831 - 1881)، الذي قاد بدعم من الحكومة الفيديرالية حملات وحشية ضد قبائل لاكوتا، وشايان، وكرمانشاه، وكابوا، وغيرها من القبائل التي كان معظمها مسالماً.

عُرف شيريدان، بأعماله الشنيعة ضد الهنود الحمر، حيث تبنّى سياسة الأرض المحروقة التي كانت تقوم على حرق القرى، وتدمير المحاصيل الزراعية، وقتل الماشية، أي اتباع سياسة الترويع والتجويع.

وقد وثقت شهادته أمام الكونغرس حين قال «إن قتل الجاموس هو الطريقة الأسرع لإنهاء مشكلة الهنود»، على أساس أن الجاموس الأميركي (البافالو) هو المورد الحيوي لقبائل الهنود الحمر في كل مناحي الحياة، من مأكل ومسكن وملبس.

رغم كل المذابح والمجازر التي ارتكبها، اعتبرته الحكومة الأميركية بطلاً قوميّاً ساهم في توحيد البلاد وتوسيع جغرافيتها وصنع قوتها. أما بالنسبة للهنود الحمر، وهم السكان الأصليون، فقد كانوا رمزاً للمجرمين الذين أقاموا المجازر وارتكبوا الإبادة الجماعية.

بعد سنوات من النزاعات وتغير الثقافة العنصرية للغرب المتوحش (Wild West)، وعمليات إعادة التقييم التاريخي لتراثه المأسوي، تمت إزالة تماثيله وأسمائه من العديد من الأماكن، لكن هناك أكثر من 20 مدينة في عدد من الولايات الأميركية لا تزال تحتفظ باسمه في مقاطعات أو نصب تذكارية أو شوارع تحمل اسمه.

الغريب أن أربعاً من أصل خمس ولايات لا تزال تحتفظ بأماكن تحمل اسمه، وهي ولايات تحمل أسماءً مشتقة من لغات السكان الأصليين: تكساس، وايومنغ، كنساس، ونبراسكا!

اليوم، يحاول نتنياهو وزمرته الصهيونية إعادة التاريخ نفسه، بتصفية الفلسطينيين، وهم السكان الأصليون، على طريقة شيريدان. إذ اتبع أسلوب القتل الجماعي والتجويع والتشريد، ويرى أن الفلسطيني «الطيب» هو الذي يرضى بالموت الرحيم!

يتشابه شيريدان ونتنياهو في عقيدة القتل الجماعي، والعنصرية ضد الآخر، والتفوق العرقي، وكلاهما متهم بارتكاب إبادة جماعية. كما تتقاطع شخصيتيهما في الميل للنرجسية، والخطاب الأيديولوجي البغيض الذي لا يراعي أي مبدأ أو قانون دولي. وأكثر ما يجمع بينهما هو اعتقادهما بأن «الهندي الطيب» و«الفلسطيني الطيب» هم الأموات، والميت هنا ليس الهندي الأحمر أو الفلسطيني الميت جسدياً فقط، بل ميت الضمير والإحساس، والولاء لأرضه وشعبه وأمته، وهو من باع دينه بدنيا غيره.

ربما تمت إعادة تقييم إرث شيريدان، وأزيل اسمه وتماثيله من بعض المدن في ولايات مثل بنسلفانيا ومينيسوتا، لكنه لا يزال محتفى به في أماكن أخرى. وأعتقد أن اسم نتنياهو سيظل كذلك في الأراضي الفلسطينية لأن البعض لا يزال يعتبره بطلاً، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، حينها سيكون مكانه في محل آخر في التاريخ.