يبحث كثير من الناس عن السلام الداخلي كمهرب من صعوبات الحياة اليومية. قد يظن البعض أنّ مفتاح هذا السلام هو كسب رضا الجميع والحصول على محبتهم، لكن الواقع يكشف أن هذا الهدف قد يكون مستحيلاً أو معقداً بشكل يفوق توقعاتنا.

محاولة إرضاء الناس بشكل كامل ومطلق قد تكون طريقاً بلا نهاية، يستنزف الجهد والروح من دون ضمان الوصول إلى الطمأنينة.

لتوضيح هذه الحقيقة، نذكر قصة الحِكمة التي رواها الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- عندما سأل الحكيمَ حاتم الأصم: «كيف السبيل إلى السلامة من الناس»؟ فأجابه حاتم، «أن تعطيهم من مالك ولا تأخذ من مالهم، يؤذونك ولا تؤذيهم، وتقضي مصالحهم ولا تكلّفهم بقضاء مصالحك».

استغرب الإمام أحمد، لصعوبة هذا الأمر، فاختصر حاتم التجربة بكلمات صادقة «وليتك تسلم منهم»!

هذه القصة تبيّن أن السلامة الكاملة من أذى الناس أمر شبه مستحيل، حتى لمن يتحلّى بأسمى درجات العطاء والصبر.

الحكمة التي نقلها حاتم الأصم، تعلّمنا أن النوايا الطيبة والجهد الصادق أهم من توقع رضا الجميع، وأن السلام الداخلي يُبنى على القناعة وضبط النفس والنية الصادقة، لا على رضا الناس المتقلّب.

القناعة تعني الرضا بما قسم الله، وعدم التعلق بما في أيدي الآخرين، والابتعاد عن الغضب والسخط على ما فات. أما ضبط النفس فيشمل كظم الغيظ والتسامح والارتقاء فوق صغائر الأمور التي قد تزعج القلب.

فالناس بطبيعتهم متقلبون، ولا يمكن التنبؤ بردود أفعالهم أو ضبط رغباتهم. لذلك، السلام الحقيقي لا يأتي من الخارج، ولا يرتبط بمدى رضا الآخرين، بل ينبع من الداخل، من سلامة الضمير وقناعة النفس، ومن الإخلاص لله تعالى الذي وحده يحقق الطمأنينة الحقيقية.

إنّ الهدف الأسمى هو رضا الله، لأن رضا الناس غاية نادرة وغالباً ما تكون مستحيلة التحقيق. لذلك، ينبغي ألا نبذل طاقة لا طائل منها في محاولة إرضاء من قد لا يرضى، بل أن نعيش بنية صافية، ونسعى للخير بإخلاص، ونصون سلامنا الداخلي بالبعد عن المُؤذين.

aaalsenan @