مثلما لم ينسَ العالم أحداث الحادي عشر من سبتمبر (2001)، فإنه لن ينسى أحداث السابع من أكتوبر (2023)، حيث حقّقت المقاومة الفلسطينية، قفزة نوعية للجهاد والنضال عبر عملية «طوفان الأقصى» المجيدة، التي ستدرّس عبر الأجيال، ليس في فلسطين والوطن العربي فقط، بل سيمتد ذلك الى بقية دول العالم.
ورغم ردة الفعل المؤلمة من قبل الكيان الصهيوني، إلا أنها تضحية كبيرة، وهي امتداد لسلسلة طويلة من التضحيات التي قدمها الإنسان الفلسطيني الذي ضرب مثلاً رائعاً بالتمسك بالارض رغم كل الظروف غير الإنسانية، بتواطؤ عالمي، سراً وعلناً.
عندما نقرأ التاريخ الإنساني، فإن المقاومة حق مشروع، ولنا في مقاومة الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي مثلاً يعرفه العالم. وكذلك المقاومة الفيتنامية ضد الاستعمار الفرنسي ثم ضد الغزو الاميركي، فكانت التضحيات كبيرة... إلا أن النضال الفلسطيني مر بمراحل مؤلمة منذ نشأة منظمة التحرير التي كانت تضم تيارات وايديولوجيات عدة... لتصبح ذات لون واحد.
واذا أمعنا النظر في «طوفان الأقصى» فإن مهندسها الأول الشهيد يحيى السنوار، وفريق عمله المحدود جداً، إنما كان عبقرياً بصورة أدهشت العالم بأسره، حيث إن القضية الفلسطينية كادت أن تتلاشى، لكنها أحدثت زلزالاً لم يصدقه العالم بأسره، خصوصاً مجرم بحجم نتنياهو، الذي انفرد عمَنْ سبقه بعدم الاكتراث لقيمة الإنسان الإسرائيلي، سواء كان عسكرياً او مدنياً بسبب وضعه السياسي، كون منصبه يحميه، وإلا فإن المحاكمة بانتظاره بسبب قضايا فساد هو وزوجته سارة التي تغسل ملابسها المتسخة في غسالات البيت الأبيض، الأمر الذي كان مدعاة سخرية في الإعلام الأميركي لفترة من الزمن.
لقد انتفض العالم الحر بأسره من أجل الحق الفلسطيني، ليس من العرب والمسلمين فقط، بل امتد الأمر الى المسيحيين واليهود وبقية دول العالم، وبات الشارع الغربي يندّد بجرائم الإبادة الجماعية التي يقوم بها الجيش الصهيوني بحق المدنيين والأبرياء من رجال ونساء وأطفال وإعلاميين، فانتفض الكثير من الإعلاميين والفنانين والسياسيين والأكاديميين بوجه الكيان الصهيوني من دون الخوف من المحاكمة بتهمة معاداة السامية، التي كان الشارع الغربي، يخشاها.
مَنْ كان يصدق أن السردية الإسرائيلية لم تعد صالحة لتسويقها عالمياً كما كان الأمر منذ نشأة الكيان الصهيوني، مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية، التي لعبت دوراً كبيراً في فضح سلوكيات الكيان.
وكم هو غريب أن يدعي الشعب اليهودي بأنه تعرّض لمحرقة «الهولوكوست»، ثم يمارس ما هو أبشع منها بمراحل، بل إن تاريخ أميركا يروي كفاح الشعب الاميركي ضد الاستعمار البريطاني، بسبب ضرائب الشاي، ثم يرفض كفاح الشعب الفلسطيني ويقف مع المحتل الصهيوني.
وتأتي مسألة الاعتراف بدولة فلسطين، لتشكل صفعة قوية في وجه نتنياهو وفريق عمله ومؤيديه، أضيف إليها الصفعة الدولية في مبنى الأمم المتحدة، حيث ما إن جاء موعد إلقاء نتنياهو كلمته، حتى انسحبت معظم الوفود!
باتت إسرائيل تعيش في عزلة كبيرة ومعها نتنياهو الذي بات يتأكد عندما يسافر بأنه يسير في مسار لا يتم إيقافه قانونياً، حتى ان الارجنتين وهي مؤيدة له، قامت بإلغاء زيارته اليها.
ولم يكن غريباً أن يتوقع الصحافي البريطاني ديفيد هيرست، قبل رحيله، زوال إسرائيل، وهو الخبير بشؤون الشرق الأوسط بشكل عام وفلسطين بشكل خاص، وله كتاب شهير يحمل اسم «البندقية وغصن الزيتون، جذور العنف في الشرق الأوسط»، كما كتب عن الربيع العربي.
وقد اختلف الكثير من المحللين العالميين بشكل عام والعرب منهم بشكل خاص، بين مؤيد ورافض، من محللين سياسيين وأكاديميين وبعض العسكريين السابقين، الذين يذكروني بحرب تحرير الكويت وهم «ضباط النكسات العسكرية» الذين توقع البعض منهم فوز جيش الطاغية صدام حسين وهزيمة قوات التحالف، إلا أن بعض المحللين العسكريين المعاصرين برزوا بصورة كبيرة.
وليس غريباً على الكويت ان تتفاعل مع تفاصيل القضية الفلسطينية وتقدم الدعم المادي والمعنوي من دون منّة على مدى أكثر من نصف قرن، لأن هذه القضية تعيش في قلب كل كويتي، مثل أي إنسان عربي ومسلم.
ولا ننسى دور قطر في الوساطة لوقف الحرب، وقد دفعت ثمناً باهظاً. كما تناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية، اعتذار نتنياهو لدولة قطر بأنه خطوة عكست مكانتها الدولية في مسار المفاوضات.
إضافة إلى دور مصر في إيصال المساعدات الى قطاع غزة، ومازلنا ننتظر المزيد من خيمة العرب الكبرى، قاهرة المعز.
ورغم أن المبادرة الأميركية لوقف الحرب، إنما هي مسودة إسرائيلية صاغها البيت الأبيض وسط مخاوف نتنياهو من تعرّضه للمساءلة وللسجن بتهم فساد سابقة، فإن دونالد ترامب يطمح بإيقاف حرب غزة ليقترب من جائزة نوبل للسلام.
همسة:
كشفت عملية «طوفان الأقصى» الكثير من الأقنعة... ومازلنا بانتظار المزيد.