الشعور بالعجز ليس مجرد إحساس ثقيل يزورنا في لحظات الضعف، بل هو حالة نفسية موثقة في علم النفس، لها جذور وأسباب يمكن فهمها ومعالجتها.

في سبعينات القرن الماضي، أجرى عالم النفس مارتن سيليغمان تجربة شهيرة على الكلاب، اكتشف خلالها أن الكائن إذا تعرّض مراراً لمواقف مؤلمة لا يستطيع التحكم فيها، يتوقف عن المحاولة حتى عندما يصبح الخلاص ممكناً.

أطلق على هذه الحالة اسم العجز المتعلَّم، وهي تفسر كيف يمكن للتجارب السلبية المتكررة أن تغلق أبواب الفعل أمام الإنسان، حتى لو كانت الأبواب في الحقيقة مفتوحة.

هذا ما نراه في حياتنا اليومية. موظف فقد عمله أكثر من مرة، وأرسل عشرات الطلبات التي قوبلت بالرفض، فيقرر في النهاية التوقف عن المحاولة لأنه «يعرف» أن النتيجة ستكون سلبية. أو طالبة حاولت النجاح في مادة معينة وفشلت، فتركت الدراسة تماماً.

هنا، المشكلة ليست في القدرات الحقيقية، بل في الرسالة التي كررها العقل حتى آمن بها: «لا أستطيع».

لكن علم النفس لا يتركنا في هذه الدائرة المغلقة، فقد أثبت ألبرت باندورا، رائد نظرية الكفاءة الذاتية، أن إيمان الشخص بقدرته على مواجهة التحديات هو العنصر الحاسم في تجاوزه للعجز. الأشخاص الذين يمتلكون مستوى عالياً من الكفاءة الذاتية يتعاملون مع العقبات كتجارب يتعلمون منها، بينما الآخرون يرون فيها نهاية الطريق.

والجميل أن إعادة بناء هذا الإيمان لا تحتاج إلى قفزات كبيرة، بل تبدأ بخطوات صغيرة جداً. دراسة في جامعة هارفارد أظهرت أن الأشخاص الذين حققوا نجاحات جزئية ومتدرجة شعروا بارتفاع ملحوظ في دافعهم الذاتي، حتى لو كانت هذه النجاحات بسيطة مثل ممارسة المشي عشر دقائق يومياً أو إرسال طلب وظيفة واحد بعد فترة توقف. هذه الخطوات الصغيرة تعمل كمضاد حيوي نفسي، تعيد برمجة الدماغ وتكسر صوت العجز الذي يردد «لن تستطيع».

العجز إذاً ليس حكماً نهائياً تصدره الحياة، بل حالة ذهنية يمكن تغييرها. هو فصل من قصة حياتك، لكنه لا يحدد النهاية... النهاية يكتبها قرارك بأن تخط أول سطر جديد، مهما كان صغيراً، ومهما كان صوت الشك مرتفعاً... تحياتي.