يوم الأربعاء 10 مارس أعلن خبر وفاة شيخ الأزهر الشريف محمد سيد طنطاوي عن عمر يناهز 82 عاماً، فهو من مواليد عام 1928، وهو عام ولد فيه كثير من الشخصيات المهمة المؤثرة.
والشيخ طنطاوي لم يكن معروفاً حتى تولى منصب المفتي العام 86، وأثار الجدل بشأن فتواه بتحليل فوائد البنوك، وقد عارضه جمع كبير من علماء المسلمين على رأسهم شيخ الأزهر وقتها جاد الحق. وقد تولى طنطاوي مشيخة الأزهر العام 1996، وهو الشيخ رقم 43 في قائمة من تولوا هذا المنصب العالي، والذي يعد رمزاً للعالم الإسلامي، فتاريخ الأزهر هو تاريخ طويل وكبير من نشر العلم، والدعوة، والجهاد.
وعقب وفاة شيخ الأزهر جمعني لقاء بعدد من الأصدقاء وقد أثارت وفاته حالة من الجدل الشديد بينهم حول مواقف شيخ الأزهر طنطاوي رحمه الله، فمنهم الناصري الذي أخذ يصيح بصوت عال مذكراً بمقابلة طنطاوي لبيريز رئيس العدو الصهيوني ومصافحته له. والصديق السلفي الذي قال: ومن ينسى موقف الشيخ طنطاوي من الحجاب في فرنسا ومقابلته لساركوزي في الأزهر، وفتحه الباب لحظر الحجاب، وأخيراً موقفه من النقاب مع طالبة في المعهد الأزهري الذي فتح الباب لكل أعداء العفاف والنقاب في الحديث والتهجم على النقاب. أما صديقي الداعم للمقاومة فقال: ومن ينسى إقالته لرئيس «لجنة الفتوى» عندما أفتى بوجوب مقاومة العدوان الأميركي على العراق، وأخيراً فتواه ببناء الجدار العازل على الحدود مع غزة لتشديد الحصار على الفلسطينيين.
أما صديقنا الأزهري فقال: يا جماعة ارحموا الرجل فهو عالم كبير له مؤلفاته العظيمة، ومن ينسى كتابه العظيم «التفسير الوسيط في القرآن الكريم» في 15 مجلداً، ومن ينسى مؤلفه العظيم «بنو إسرائيل في القرآن والسنة»، بخلاف عشرين مؤلفاً آخر، وهذا غير جهده في المجال الدعوي.
واحتدم الجدل بين الأصدقاء ونظروا لي كي أتكلم فقلت لهم: أولاً اذكروا محاسن موتاكم، فالرجل بلاشك له مؤلفات قيمة وعظيمة ولها فائدتها الجليلة التي ستظل في ميزان حسناته وأدعو الله أن تكون سبباً لمغفرة الله له ورحمته، ولكن شيخ الأزهر كشخصية عامة وله منصبه العالي الديني والسياسي فهو على درجة رئيس وزراء في البروتوكول، ولكل من له علم بحق أن يقول رأيه، والرجل وقع في أخطاء بسبب خطابه التوفيقي الناعم، وعدم إدراكه لخبث السياسة، وكان أولى له ألا يقحم نفسه ومنصبه في مواقف كثيرة انزلق فيها، وهو كان يردد بوضوح أنه موظف في الدولة ينبغي عليه تحقيق سياستها لا مخالفتها.
ولاشك أنه جاء في فترة تعرض الأزهر كمؤسسة كبيرة للكثير من عوامل الهدم والقهر والإضعاف والحصار السلطوي عبر عقود سابقة فتسلم تركة ضعيفة وصعب مقارنته بشيوخ الأزهر السابقين، لذلك فالمشكلة لا تكمن في الشخص فقط رحمه الله، ولكن في المناخ العام والحالة العامة في الكثير من الدول العربية والإسلامية التي أضعفت من مكانة وشخصية الشيوخ والفقهاء والدعاة وجعلت بعضهم أسرى الوظيفة والمنصب والراتب. وشخصياً أرى بالنسبة لمنصب شيخ الأزهر ضرورة العودة لاختياره من مجلس كبار العلماء والا يتم تعيينه من الدولة، فهذا التعيين من أهم أسباب ضعف وأخطاء من يتسلم المنصب.
وما كدت أنتهي من كلامي حتى ثار صديقي الحبيب السلفي وقال: وأين أمانة العلم والعلماء وأين كلمة الحق عند ورثة الأنبياء، وصاح صديقي الناصري لقد أفسدوا الشعوب بالتطبيع. فقلت لهم: ياجماعة لقد كتبت في حياة الرجل الكثير في نقد مواقفه، ولكن أرجو الآن أن نمتثل لقوله تعالى: «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى»، فادعوا له بالرحمة فكفى بالموت واعظاً، ونسأل الله حسن الخاتمة.

ممدوح إسماعيل
محام وكاتب
Elsharia5@hotmail.com