لا أدري كيف تتسلّل إليّ ذكريات الثاني من أغسطس، وتطفو على سطح القلب قبل أن تعبر العقل. إنه يوم محفور بالحزن والذهول، تختلط فيه الصدمة بانسياب أحداث مفجعة، يوم كاد فيه كل كويتي أن يُسلَب أعز ما يملك، بل أن يُجتث من ذاته، لأن الذات هنا لم تكن إلا الوطن.

في الثاني من أغسطس عام 1990، بدأت صفحة سوداء في كتاب التاريخ، كل سطرٍ فيها ينزف دلالةً على معانٍ لم نكن نُدرك عمق أثرها في الروح والوجدان.... غزو، أسر، قتل، تعذيب، نهب، ظلم، ترهيب، تشريد، وغربة.

وفي المقابل، بزغت كلمات أخرى كأنها انفجار نور من قلب العتمة، نابعة من إيمان راسخ، ومن تاريخ ضارب في جذور الكبرياء الوطني... مقاومة، صبر، تلاحم، تكافل، تضحية، حنكة، ووحدة وطنية صادقة.

كانت تلك المفردات تُحاصر وجدان كل كويتي، في الداخل والخارج، تتردد كل ساعة، بل كل دقيقة، من خلف شاشات التلفاز والمذياع. لم تكن مجرد كلمات؛ بل كانت نبضاً حياً وطاقة متجددة، تتغلغل في الأرواح وتمنحها قدرة على الاستمرار.

لا أستطيع أن أصف تلك المشاعر التي انتابتنا حين كنا نخرج في شوارع بعض المدن الأميركية، نرفع صور الأميرين الراحلين الشيخ جابر الأحمد، والشيخ سعد العبدالله - طيّب الله ثراهما - وباليد الأخرى نلوّح بعلم وطنٍ نقاتل عنه بكل حب ووفاء.

تلقائيةٌ صادقة كانت تجمعنا، مشاعر جيّاشة توحّدنا، رغم أننا لا نعرف أسماء بعضنا البعض. التقينا هناك، بعيداً عن الأرض، لكننا كنا نعيش الكويت في تفاصيل اللقاء، في الملامح، في العيون، في الدعوات والدموع.

في تلك اللحظات، انصهر كل ما كان يُفرّق... الأصل، الفصل، المذهب، الطائفة، الفئة، والعائلة. لم يبقَ سوى الكويت، تلك التي سكنت كل القلوب، وجعلت الأمل يتجدّد فينا، ويقودنا إلى نضال شغوف، دفاعاً عن وطنٍ يسكنه الجميع، ويحتضن الجميع على ترابه وتحت سمائه.

ورغم مأسوية الحدث وقسوته، إلا أنه تحوّل إلى فصل مشرق من تاريخ التضحية، وإلى رواية ملحمة وطنية كتبها شعب آمن بحقه، ووثق بعدالة قضيته، فتوحّد وصبر، ثم بإذن الله انتصر.