يواجه لبنان تحدياتٍ قاسيةً في ملاقاة «الفرصة النادرة» وربما اليتيمة للخروج من أزماته الشاملة بعد الحرب المدمّرة بين إسرائيل و«حزب الله» والانهيار المالي - الاقتصادي وشلل أدوات النظام التشغيلي للحُكْم بسبب سياساتِ التعطيل وتَوَرُّم مَظاهر الفساد والخروج المتمادي على الشرعيتيْن العربية والدولية.

ولم يكن انكسارُ الطوق حول عنق لبنان على وهج التحولات الجيو - سياسية في المنطقة عبر مجيء قيادةٍ جديدة، بدعم عربي ودولي، سوى خطوة أولى في مسيرةٍ شائكةٍ تشكّل اختباراً لا يُستهان به أمام الحُكْم الجديد للوفاء بالتزاماته تجاه الداخل والخارج على نحو سواء.

وثمة مَخاوف تتصاعد في بيروت وفي العواصم ذات الصلة بورشةِ نهوضِ لبنان من تَباطؤٍ في مماشاةِ التحولاتِ الكبرى في المنطقة، الأمر الذي من شأنه أن يطيل إقامةَ «بلاد الأرز» على رصيف الانتظار،خصوصاً في ضوء سرعة استعادة سوريا لمكانتها الإقليمية.

ويسود الترقب في هذا السياق لخطوات الحُكْم الجديد في لبنان (الرئاسة والحكومة) حيال العبور بالبلاد إلى مصاف «الدول الطبيعية» من بوابتيْ الإصلاح والسيادة، من دون التقليل من وطأة المصاعب التي تواجه المحاولات الجارية لإعادة الاعتبار لآلة الدولة وتصحيح الموقع الإقليمي للبنان.

وإذ كان بعض المسؤولين اللبنانيين المعنيين يميل إلى القول إن المهمةَ أقرب ما تكون إلى «بناء الدولة من الصفر»، فإن الأنظارَ تتجه إلى الحوار المفترَض بين رئيس الجمهورية جوزف عون و«حزب الله» في شأن حصْر السلاح بيد الدولة، وهو «الاسم الحَرَكي» لتسليم الحزب سلاحه في ضوء تفاهماتِ اتفاق وقف الأعمال العدائية.

"حزب الله"

وثمة مَن يعتقد أنه رغم الحرص الذي يُبْديه عون على المقاربة الهادئة لملف السلاح، فإن الحوارَ بين الطرفين ينطلق من مكانين متباعدين في ظل قول رئيس الجمهورية إن القرار اتُخذ وسيُنفذ، ومعاندةِ الحزب في المقابل تسليم سلاحه وربْط الحوار في شأنه بسلّةٍ شروط تجعل منه مجرد حوار وبلا طائل.

ولم يكن عادياً إعلانُ الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم ليل الأحد، «ليكن واضحاً عند الجميع، لا تطلبوا منا شيئاً بعد الآن، فلتنسحب إسرائيل وتوقِف عدوانها وتُفْرِج عن الأسرى وتنتهي من كل الالتزامات الموجودة في الاتفاق (وقف النار) وبعد ذلك لكل حادث حديث».

ودعا الدولة «إلى التحرك بفعالية أكثر (...) نحن قلنا ونكرر إذا فشلتْ الدولة في أدائها، فالخيارات الأخرى موجودة. لا تسألوني عن الخيارات الأخرى ما هي، لكن بإمكانكم أن تعرفوا أن المقاومة لن تسكت على ضيم والمقاومة لن تستسلم. نحن نعطي بعض الوقت لكن يجب التحرك».

وبهذا المعنى بدا «حزب الله» وكأنه يعطي الدولة فرصة، وتالياً فهو ليس في وارد تسليم سلاحه لا اليوم ولا غداً، الأمر الذي يجعل الحُكْمَ الجديد أمام محك حقيقي، وهو الذي يستند في مقاربة هذا الملف الشائك إلى ما ورد في اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي فاوَضَ عليه رئيسُ البرلمان نبيه بري، وإلى البيان الوزاري الذي مَنَحَ على أساسه «حزبُ الله» الثقةَ للحكومة.

والأكثر إثارة على هذا الصعيد أن إسرائيل التي نفّذت سلسلة غارات أمس على مرتفعات بريتال شرق لبنان وألقت مسيَّراتها قنابلَ على دراجات نارية في مجدل زون وبيت ليف، وحلّق طيرانُها التجسسي فوق الضاحية الجنوبية لبيروت، تشترط لوقف عدوانها والانسحابِ من المناطق التي تحتلّها نَزْعَ سلاح «حزب الله».

ويَحظى الشرطُ الإسرائيلي بمؤازرةٍ أميركية، وهو ما قد يسمعه لبنان خلال الزيارة المقرَّرة للموفدة مورغان أورتاغوس لبيروت الشهر المقبل وعنوانها أن الوقت بدأ ينفذ أمام الفرصة الممنوحة لتسليم «حزب الله» سلاحه كأقصر الطرق لمساعدة لبنان على الخروج من أزماته.

حصرية السلاح

وكان لافتاً أمس، إعلان الرئيس جوزاف عون أمام وفد من الكونغرس الأميركي، أن «لبنان ملتزم تطبيق القرار 1701، وأن الجيش اللبناني انتشر في جنوب نهر الليطاني ويقوم بدوره كاملاً في تطبيق ما اتُفق عليه في نوفمبر الماضي، في وقتِ مازالت إسرائيل تواصل أعمالها العدائية».

وأكد أن «استمرار إسرائيل باحتلالها يعقّد الأمور وينتهك الاتفاق الذي وقّعت عليه. وما يَطلبه لبنان هو انسحابٌ إسرائيلي كامل حتى يتمكن الجيش اللبناني من الانتشار حتى الحدود وحمايتها»، لافتاً إلى «التعاون الكامل بين الجيش اللبناني وقوة اليونيفيل».

وكشف عون أمام وفد الكونغرس أن «المحادثات التي أجراها مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس كانت جيدة وأسفرت عن اتفاقٍ على تطبيق مبدأ حصرية السلاح على المخيمات الفلسطينية أيضاً. وتم تشكيل لجان مشتركة لتنفيذ ما اتُفق عليه، وأن تسليم السلاح سيبدأ منتصف الشهر المقبل في ثلاثة مخيمات فلسطينية في بيروت».

وأشار إلى أن «الرئيس الفلسطيني قدّم كل الدعم للدولة اللبنانية وللجيش. وستتم متابعة مراحل تطبيق الاتفاق مع الفلسطينيين لأن القرار اتُخذ ولا رجوع عنه»، معتبراً أن «القرار الأميركي برفع العقوبات عن سوريا خيار جيد ومن شأنه أن يحسّن الاقتصاد في سوريا ما يجعل إمكانَ عودة النازحين إلى بلادهم أفضل مما هو عليه الآن».

وترافقتْ «التطميناتُ» في قصر بعبدا أمام الوفد الاميركي إزاء نيات الحُكْم الجديد في توجهاته على المستوييْن الإصلاحي والسيادي، مع التزاماتٍ مماثلة أطقلها رئيس الحكومة نواف سلام من السرايا الكبيرة في «منتدى التبادل المعرفي الحكومي» التابع لوزارة شؤون مجلس الوزراء في دولة الإمارات العربية المتحدة وبحضور مساعد وزير شؤون مجلس الوزراء للتنافسية والتبادل المعرفي عبدالله لوتاه مع وفد إماراتي من «صندوق أبوظبي للتنمية».

وأعلن سلام «لقد اتَّخذ لبنان قراراً واضحاً بالعودة إلى حضنه العربي المشترك. وفي صلب هذا المسار تَسعى الحكومةُ إلى استقطابِ الاستثمارات النوعية خصوصاً من الأشقاء العرب الذين طالما وقفوا إلى جانب لبنان»، لافتاً إلى «أننا نرى في صندوق أبوظبي للتنمية شريكاً طبيعياً لتطلعاتنا وأولوياتنا، من إعادة الأعمار بعد الحرب إلى دعم البنى التحتية في قطاعات الطاقة والاتصالات والطرق وشبكة المياه».

«شبعت من الاستقطاب»

وفي حديث إلى «سكاي نيوز عربية»، قال سلام «إن المنطقة شبعت من الاستقطاب الإيراني الأميركي»، معرباً عن أمله في أن العرب سيعودون إلى لبنان كما عاد لبنان إليهم.

وأضاف: «الأشقاء العرب وأصدقاؤنا في العالم كانوا قد فقدوا ثقتهم بلبنان، ونعمل ليل نهار على استعادة ثقة العرب بلبنان».

وإذ لفت إلى أن «اتفاق الطائف طُبّق بشكل انتقائي ما أفسد العملية السياسية، ويجب العودة لاستكمال تطبيق ما لم يُطبق منه»، أكد أن «الحكومة الحالية أنجزت ما لم ينجزه غيرنا بعشر سنوات».

وأعلن رداً على سؤال عن مسألة السلاح في لبنان «لن نسكت عن بقاء أي سلاح خارج سلطة الدولة».

وأشار إلى «التخوين في لبنان أصبح من الأسلحة السياسية، ولم تستفزّني الهتافات التي اتّهمتني بأنني صهيوني»، من مناصرين لـ «حزب الله» خلال إحدى مباريات كرة القدم في مدينة كميل شمعون الرياضية التي حضرها سلام.

وفيما أكد أن «عصر تصدير الثورة الإيرانية انتهى»، عبّر عن ثقته بأن «أكثرية الشعب اللبناني تقف إلى جانبنا، وقوّتي باستعادة ثقة الناس بالدولة ومشروعي إعادة بناء الدولة».

«حزب الله»

في موازاة ذلك، برزت زيارة ذات دلالات قام بها وفد من كتلة نواب «حزب الله» برئاسة محمد رعد للرئيس عون من ضمن جولة للكتلة على كبار المسؤولين وشملت أمس أيضاً بري على أن تُستكمل مع سلام.

وشدد رعد من قصر بعبدا على أنه «في اللقاء مع الرئيس عون تبادلْنا وجهات النظر عن التحديات والأولويات وفي مقدمها حفظ السيادة الوطنية وإنهاء الاحتلال ووقف العدوان»، موضحاً أن «مساحة التفاهم مع الرئيس عون واسعة ويُعوّل عليها ونحن لا نجد أننا ملزَمون بتوقيت ولا بأمكنة ولا بأساليب (للحوار) طالما أن الأمور تسير بعناية من فخامته».

وأكد أن «لا أبواب مغلقة لتبادُل الأحاديث والأفكار مع فخامة رئيس الجمهورية في أي مستوى من المستويات وستستمرّ هذه الأبواب مفتوحة»، رافضاً التعليق على ما قاله سلام عن أن«عصر تصدير الثورة الإيرانية ولن نسكت عن بقاء أي سلاح خارج سلطة الدولة»، ومكتفياً بالقول «اسمحوا لي ألا أعلّق على هذا التصريح حفاظاً على بقية وِدٍّ موجودة».