يشهد عام 2025 تقاطعاً حاسماً في مسار أسواق الطاقة العالمية، حيث تتفاعل قوى جيوسياسية متغيرة مع ضغوط متزايدة نحو الاستدامة والانتقال إلى مصادر طاقة أنظف، وبينما لا يزال النفط يلعب دوراً محورياً، تتشكل ملامح مستقبل الطاقة بتأثيرات متعددة الأوجه، بدءاً من التطورات التكنولوجية وصولاً إلى السياسات الحكومية الطموحة.

في أحدث تقاريرها، قامت وكالة الطاقة الدولية بتحديث توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط في عام 2025 بخفض كبير، عقب يوم واحد من خطوة مماثلة اتخذتها منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).

ويُعد هذا التخفيض من جانب الوكالة، التي تقدم استشاراتها للدول الصناعية، أحدث دليل على تراجع الآمال في شأن نمو الطلب على النفط.

ويُعزى هذا التراجع بشكل كبير إلى الرسوم الجمركية التي فرضتها الإدارة الأميركية، والتي كان لها بالفعل تأثير ملحوظ على أسعار النفط في أبريل الماضي.

انخفاض حاد

وفي تقريرها الشهري، ذكرت الوكالة أن الطلب العالمي على النفط سيرتفع هذا العام بمقدار 730 ألف برميل يومياً، وهو انخفاض حاد مقارنة بتوقعات مارس الماضي التي بلغت 1.03 مليون برميل يومياً.

وأوضحت الوكالة أن «التدهور في النظرة المستقبلية للاقتصاد العالمي، في ظل التصاعد الحاد والمفاجئ في التوترات التجارية في أوائل أبريل، دفعنا إلى خفض توقعاتنا لنمو الطلب على النفط هذا العام»، مشيرة إلى أن «الولايات المتحدة والصين تتحملان نصف هذا الخفض، بينما تتحمل الاقتصادات الآسيوية ذات التوجه التجاري الجزء الأكبر المتبقي».

وتتوقع الوكالة أن «يتباطأ النمو بشكل أكبر 2026 ليصل 690 ألف برميل يومياً، حيث إن انخفاض أسعار النفط لم يعوض سوى جزء من تأثير ضعف البيئة الاقتصادية».

توقعات الطلب

وقد خفضت «أوبك» توقعاتها للطلب على النفط للعام الجاري إلى 1.3 مليون برميل يومياً وللعام المقبل إلى 1.28 مليون، بانخفاض 150 ألف برميل يومياً لكل عام عن أرقام شهر مارس.

وتشير توقعات «أوبك» للطلب على النفط إلى الحد الأقصى لتوقعات القطاع، حيث تتوقع استمرار زيادة استخدام النفط لسنوات مقبلة. ويختلف هذا التوجه مع وكالة الطاقة الدولية، التي تتوقع أن يبلغ الطلب ذروته خلال هذا العقد مع تحول العالم نحو أنواع وقود أنظف.

وقد شكلت الرسوم الجمركية التي أعلنت، إضافة إلى خطة مجموعة «أوبك+» التي تضم دول «أوبك» وحلفاء من بينهم روسيا لزيادة الإنتاج، ضغوطاً على أسعار النفط خلال شهر أبريل وأثارت مخاوف في شأن النمو الاقتصادي.

تقلبات الأسعار

في المقابل، يركز صندوق النقد الدولي في تحليلاته على الجانب الاقتصادي لأسواق الطاقة، خصوصاً تأثير تقلبات أسعار النفط على الاقتصادات العالمية، بما في ذلك دول الخليج المصدرة للنفط. ويشير الصندوق إلى أن أسعار النفط لا تزال عرضة لتقلبات كبيرة ناتجة عن عوامل جيوسياسية، ومخاطر الإمدادات، وقرارات الإنتاج من قبل الدول الأعضاء في «أوبك+».

ورغم أن التوقعات تشير إلى استقرار نسبي في أسعار النفط حول نطاق 70-85 دولاراً للبرميل في 2025 وفقاً لبعض التحليلات، إلا أن هناك سيناريوهات أخرى قد تدفع الأسعار نحو الهبوط. يمكن أن يؤدي تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، أو زيادة المعروض من خارج أوبك+، أو تحقيق تقدم أسرع في تبني الطاقة المتجددة، إلى الضغط على أسعار النفط.

ويمثل هبوط أسعار النفط تحدياً كبيراً لدول الخليج التي تعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على عائدات النفط. ووفقاً لوكالة التصنيف الائتماني العالمية «فيتش» فإن فرض إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للرسوم الجمركية لن يكون له تأثير مباشر على التصنيف الائتماني لدول مجلس التعاون الخليجي، مفيدة أن الصادرات من دول الخليج إلى الولايات المتحدة منخفضة وتميل بشدة نحو المنتجات المرتبطة بالطاقة، وهي معفاة من الرسوم الجمركية.

تأثير محتمل

وأوضحت «فيتش» أن الآثار غير المباشرة للتأثير المحتمل لزيادة الرسوم الجمركية قد تحمل أثراً أكبر على المنطقة. إذ قد يؤدي ضعف الطلب، على وجه الخصوص، إلى ضغط سلبي على أسعار الطاقة، التي تمثل معظم الإيرادات الحكومية في دول الخليج.

وحسب تقديرات الوكالة، فإن انخفاض سعر البرميل بمقدار 10 دولارات مقارنةً بتوقعاتها الأساسية البالغة 70 دولاراً للبرميل في 2025، سيؤدي إلى خسارة في الإيرادات المالية تتراوح بين 1.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الإماراتي، و4.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الكويتي. وتتفاوت درجة تأثر دول الخليج بصدمات أسعار النفط، حيث تُعتبر البحرين الأكثر تأثراً.

وبدأت بالفعل العديد من دول الخليج في تنفيذ برامج طموحة للتنويع الاقتصادي بهدف تقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات. وتشمل هذه البرامج استثمارات ضخمة في قطاعات السياحة، والصناعة، والتكنولوجيا، والطاقة المتجددة. وتسعى هذه الدول إلى استغلال مواردها الطبيعية الأخرى وموقعها الإستراتيجي لبناء اقتصادات أكثر مرونة واستدامة على المدى الطويل.

أسواق الطاقة 2025 ديناميكية عالية بين التحديات والفرص

يمكن القول إن أسواق الطاقة في عام 2025 تتسم بديناميكية عالية وتواجه تحديات وفرصاً متداخلة.

فبينما يشهد الطلب على النفط تباطؤاً تدريجياً، تبرز أهمية الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي كبدائل. وتواجه دول الخليج المصدرة للنفط ضرورة تسريع وتيرة التنويع الاقتصادي والتكيف مع التحولات في أسواق الطاقة لضمان استدامة النمو والازدهار في المستقبل.