صحيح أن الذي يتميَّزُ وينجح بين أقرانه هو محلُّ تقديرهم وربما يصبح قِبْلَةً لأنظارهم وقُدوةً لهم، هذا إن كانت البيئة التي تميَّز فيها صاحبنا بيئةً طبيعية سليمة من الغيرة والحسد! أما إن تمّيَز أحدٌ أو أبدع في بيئة مليئة بالحسد والكِبْر والأمراض النفسية المختلفة ربما يتَّحِدُ الجميعُ على إفشاله حتى لا ينكشف تقصيرهم أمام تألُّقه وحُسن أدائه! ما ينطبق على الأفراد ينطبق أيضاً على الدول وسياساتها؛ لسنا بصدد التحدث في الدور الثقافي المميز الذي تلعبه الدوحة اليوم وما تتجه إليه بوصفها عاصمة هذا العام للثقافة العربية، ولكن أريد أن أُسلِّط الضوء على جانب ديبلوماسي امتازت به السياسة القطرية على أصعدة عدة، قطر دولة لم يصل عدد سكانها إلى المليونيْ نسمة ولكن تجاوزت بأعمالها الدبلوماسية في ميادين الوفاق بين الفرقاء العرب كثيراً من الأعمال التي تقوم بها دولٌ عربية تجاوز تعداد سكانها إلى الملايين! وصدق (كُثَيِّرْ عَزَّة) بقوله:
وَقـدْ عَظُمَ البعيرُ بِغَيْرِ لُبٍّ
فلَمْ يَـسْتَغْنِ بِاْلعِظَمِ البعيرُ
فلم تكن الكثرة يوماً سبباً في التميز، إنما تُقاس الأمور بالكيف وليس بالكم، قطر اليوم أعطت مثالاً يُحتذى به في ميادين التواصل السياسي مع أشقائها العرب، ولفتت انتباه الجميع إلى إمكانية الوصول إلى التفاهم بين الأطراف المختلفة أو التي بينها شحناء سواء في داخل البلد الواحد أو على صعيد العلاقات الثنائية بين الدول؛ فقد كشفتْ قطرُ الستارَ عن الكثير من الأساليب والطرق المتمدِّنة فكرياً لتقريب وجهات النظر، وأعطت عملياً أمثلة حية عدَّة في التعاطي المنفتح على الآخر، فلم يعد مناسباً اليوم أن يتعامل الأشقاء أو الفرقاء العرب بين بعضهم بأسلوب فرض الآراء أو إملاء السياسات، الدور الإيجابي الذي قامت به قطر تجاه قضية دارفور ودورها في الساحة السودانية، والدور اللامع الذي لعبته السياسة القطرية في تقريب وجهات النظر بين اللبنانيين، وغير ذلك من أداء سياسي مميز تواصلت من خلاله مع الجميع دون الاستسلام للتثبيط، كان لهذا الدور ولتلك العزيمة أثر يُحسَبُ لقطر ويُسجَّلُ في رصيدها السياسي، ناهيك عن أن هذا النشاط السياسي الذي يُبشر بمزيد من الوفاق بين العرب ترك رصيداً أخويّاً يملؤه العرفان يحمله كلُّ عربي للقطريين جميعاً، الآن وحين أخذت قطر دورها الجديد في السياسة العربية يمكننا أن نقول أن النتائج لا تأتي قبل المقدمات أبداً، فلم يكن بمقدور قطر أن تقوم بهذا الدور الحقيقي لولا جهود للسياسة القطرية منذ فترة ليست بالقليلة ساندَ ذلك أداء إعلامي بصورته المهنيَّة ونشاط ثقافي مشهود وتواصل أخوي محايد أثمر بعد ذلك دوْراً متكاملاً ملأ الدنيا وشغل الناس، إن التميز الواضح للأداء القطري ليدفعنا جميعاً لإعادة النظر في الطريقة التي نعتمدها في التواصل بيننا، ولكي نحرر حركتنا من سطوة الغضب للذات، واضعين نُصبَ أعيُنِنا السعي لتواصل عربي مشترك مهما كان الخلاف قائماً.
علي سويدان
كاتب وأكاديمي سوري
Swaidan8@hotmail.com
وَقـدْ عَظُمَ البعيرُ بِغَيْرِ لُبٍّ
فلَمْ يَـسْتَغْنِ بِاْلعِظَمِ البعيرُ
فلم تكن الكثرة يوماً سبباً في التميز، إنما تُقاس الأمور بالكيف وليس بالكم، قطر اليوم أعطت مثالاً يُحتذى به في ميادين التواصل السياسي مع أشقائها العرب، ولفتت انتباه الجميع إلى إمكانية الوصول إلى التفاهم بين الأطراف المختلفة أو التي بينها شحناء سواء في داخل البلد الواحد أو على صعيد العلاقات الثنائية بين الدول؛ فقد كشفتْ قطرُ الستارَ عن الكثير من الأساليب والطرق المتمدِّنة فكرياً لتقريب وجهات النظر، وأعطت عملياً أمثلة حية عدَّة في التعاطي المنفتح على الآخر، فلم يعد مناسباً اليوم أن يتعامل الأشقاء أو الفرقاء العرب بين بعضهم بأسلوب فرض الآراء أو إملاء السياسات، الدور الإيجابي الذي قامت به قطر تجاه قضية دارفور ودورها في الساحة السودانية، والدور اللامع الذي لعبته السياسة القطرية في تقريب وجهات النظر بين اللبنانيين، وغير ذلك من أداء سياسي مميز تواصلت من خلاله مع الجميع دون الاستسلام للتثبيط، كان لهذا الدور ولتلك العزيمة أثر يُحسَبُ لقطر ويُسجَّلُ في رصيدها السياسي، ناهيك عن أن هذا النشاط السياسي الذي يُبشر بمزيد من الوفاق بين العرب ترك رصيداً أخويّاً يملؤه العرفان يحمله كلُّ عربي للقطريين جميعاً، الآن وحين أخذت قطر دورها الجديد في السياسة العربية يمكننا أن نقول أن النتائج لا تأتي قبل المقدمات أبداً، فلم يكن بمقدور قطر أن تقوم بهذا الدور الحقيقي لولا جهود للسياسة القطرية منذ فترة ليست بالقليلة ساندَ ذلك أداء إعلامي بصورته المهنيَّة ونشاط ثقافي مشهود وتواصل أخوي محايد أثمر بعد ذلك دوْراً متكاملاً ملأ الدنيا وشغل الناس، إن التميز الواضح للأداء القطري ليدفعنا جميعاً لإعادة النظر في الطريقة التي نعتمدها في التواصل بيننا، ولكي نحرر حركتنا من سطوة الغضب للذات، واضعين نُصبَ أعيُنِنا السعي لتواصل عربي مشترك مهما كان الخلاف قائماً.
علي سويدان
كاتب وأكاديمي سوري
Swaidan8@hotmail.com