«اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي إليك، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنما خرجت أريد الإصلاح في أمة جدّي رسول الله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين»، الإمام الحسين (عليه السلام).في مثل هذا اليوم من كل عام، ومنذ قرابة الأربعة عشر قرناً في عمق الزمان، تجتمع أشلاء تلك الروح المنغمسة في ماديات هذه الدنيا الفانية لتتطهر من خلال ذكرى العز والعطاء، وتلملم تلك النفس المثقلة بالهموم ما تبقّى لديها من كبرياء علّها تحيى باستذكارها لدم الشهيد، وتترقرق دموع العين منهمرة منبهرة أمام شلاّلات التضحية والعطاء التي تزخر بها ملحمة عاشوراء.إن الدروس المستوحاة من ثورة الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) أكبر من أن يحتويها عقل أو يشملها مقال، وحقيقة انتصار الدم على السيف والقتيل على القاتل والمظلوم على الظالم وخلود واقعة كربلاء، ما هي إلاّ نتيجة حتمية لنقاوة العقيدة وصدق النية وسمو الهدف. والأهم من هذا كله، انصهار تلك النفس المحمدية المتمثلة بسبط الرسالة، والتي قال فيها رسولنا الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم):» حسين منّي وأنا من حسين»، وذوبانها في عشق خالقها.وإن تلك الكنوز المتناثرة بين أشلاء ودماء شهداء يوم عاشوراء من شأنها الارتقاء بمستوى الفكر البشري شرقه وغربه، وذلك النهج الحسيني الذي انتهجه أصحاب وأهل بيت الإمام الحسين (عليه السلام) والمليء بالتضحية والبطولة والإباء ونكران الذات لقادر على معالجة تلك الأمراض المنتشرة بين أفراد المجتمع وإنارة الدروب.فهنيئاً لمن اتّخذ الحسين طريقاً وشعاراً ومنهجاً ومساراً، والسلام على حسين الحق والعطاء والتضحية والإباء.

د. علي عبد الله جمال

طبيب وكاتب كويتي dralijamal@yahoo.com