كنت قد تطرقت في المقال السابق لقصة الشاعر الحطيئة مع الزبرقان بن بدر، وكيف أن الحطيئة استثمر قدراته الشعرية في ابتزاز الآخرين، من خلال احتراف الهجاء، حتى إن الخليفة عمر بن الخطاب ساومه أن يسكت لقاء مال مدفوع مقدماً، وبذلك يتقي شر لسانه.
وقد قال الله سبحانه في الشعراء آيات تتلى إلى يوم القيامة: «والشُّعراءُ يَتَّبِعُهُمُ الغَاوُونَ، ألَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ، وأَنَّهُمْ يَقولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، إِلّا الذِينَ آَمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ وذَكَرُوا اللهَ كَثِيرًا وانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وسَيَعْلَمُ الذِين ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبونَ» (الشعراء: 224-226).
أسوق هذه الآيات ليس للحط من قدر الشعر والشعراء، ولكن لأقول إن الموضوع ينسحب كذلك على (بعض) الصحافة، وبعض الصحافيين، وإن شئت قل ولا ضير، بعض كتاب الصحف، وشوية مواقع إنترنت إخبارية، إضافة إلى بعض خدمات الرسائل الإخبارية، ولا ننسى طبعاً غول الإعلام، وأعني الفضائيات التي أصبحت خط الدفاع الأول عن أي قضية، والمحرك الأساس لها.
فالكتاب، وليسوا كلهم بالطبع، يتبعهم الغاوون أيضاً، ولذا فلا نستغرب أن يقوم بعض الناس بترديد ما قرأوه في الصفحة من كلام ذلك الكاتب، أو ذاك المحرر، دون تأكد من الحقيقة، وخصوصاً إذا كان الكاتب من المشهورين، أو كان الخبر في الصحفة الأولى.
الصحافة والعمل الصحافي يحتاج إلى المهنية، ابتداءً من رئيس التحرير إلى أصغر موظاف في الصحيفة، والأمر نفسه ينسحب على القنوات والوسائط الإعلامية الأخرى، وهي ثقافة تنتشر داخل بيئة العمل انعكاساً لقناعات رئيس التحرير، أو نائبه، أو مدير التحرير، ولذا نجد الكثير من الصحف تنتشر فيها الأخطاء الإملائية بالجملة، دون حسيب ولا رقيب، وهي أولى مستويات المهنية المطلوبة في الصحافة.
ولكن هل يتحمل القارئ المسؤولية عما يُكتَبُ في الصحافة؟ الجواب نعم وبكل تأكيد، فإن طبل الغاوون لأولئك الكتاب، وشجعوهم، وصفقوا لهم، ووقفوا لأجلهم احتراماً، فالصالحون المصلحون مطالبون كذلك بتشجيع الكتاب المخلصين، والشد من أزرهم، ومدهم بالآراء والأفكار لمواضيع المقالات، كما أن التقييم والتعليق على مقالاتهم ضروري جداً لاستمرار مسيرة الكاتب، هكذا يكون دورنا إيجابياً كقراء.

د.عبداللطيف الصريخ
مستشار في التنمية البشرية
alsuraikh@yahoo.com