يتحدث الإعلام الاميركي اليوم عن نبوءة قد تحققت في العراق بشّر بها الرئيس السابق جورج بوش بقيام عراق ديموقراطي فهل هذا الحديث حقيقة أم خيال؟
لا بد ان نعترف اولا ونفرح ثانيا بأن العراق بالرغم من الجروح الكثيرة التي مني بها والآلام التي اصابته خلال سبع سنوات لكنه نهض بقوة ليؤسس نظاما ديموقراطيا قائما على التعددية السياسية والانتخابات شبه النزيهة، فيشارك في الانتخابات التي تجرى اليوم 6.100 مرشح من كل الطوائف السياسية في البلاد، ومساحة واسعة من الإعلان والترويج لبرامجهم السياسية وفيها نقد واسع للحكومة الحالية.
كذلك فإن الإعلام العراقي هو الاكثر حرية في العالم العربي بسبب قوانين الإعلام - يوجد اكثر من 800 صحيفة ومحطة تلفزيونية وإذاعية والامن بدأ يستتب في غالبية المناطق، والجيش العراقي بدأ بالنمو التدريجي والتدرب على اخذ زمام الامور مع انسحاب الجيش الاميركي من معظم المناطق، وبحلول اغسطس لن يبقى اكثر من 50 الف جندي اميركي في العراق.
اما البرلمان العراقي فقد استطاع اقرار اكثر من 50 مشروع قانون العام الماضي - اضعاف ما اقره مجلس الامة الكويتي - ومع ان لغة الصراخ هي السائدة في مجلسهم لكنها افضل من لغة السلاح كما ان المحاكم العراقية قد اتخذت احكاما قاسية بحق كثير من قيادات البعث السابقة واصبح املهم في الرجوع إلى الحكم كأمل ابليس في دخول الجنة.
لا شك ان فرحنا بنهوض العراق هو فرح لأنفسنا لأن بقاء العراق ممزقا مضطربا يعني جر الكويت ودول المنطقة إلى اتون عالم مضطرب مليء بالشر، لكن هل الصورة العراقية بيضاء ناصعة كما يبدو من الظاهر؟!
الحقيقة ان هنالك مناطق رمادية كثيرة وغيوما سوداء ملبدة، فالديموقراطية العراقية قد قامت على نظام المحاصصة الطائفي العرقي، وفي عالمنا العربي هذا النظام خطر جدا لاستحالة التفاهم بين الاطراف، وليس ادل من تصريح نائب الرئيس العراقي قبل ايام بتخوفه من تمزق العراق وانهيار تجربته الديموقراطية.
كذلك فإن شعور فئة كبيرة من اهل السنة بأن تمثيلهم في الحكومة لا يتناسب واعدادهم، هذا الشعور يعتبر قنبلة موقوتة، ولقد اوضحت مرارا وتكرارا بأن الخطأ يقع على بعض قيادات السنة - امثال الشيخ حارث الضاري - رئيس جبهة علماء السنة الذي افتى سابقا برفض الدخول في الانتخابات في ظل الاحتلال الاميركي، وها هو يحرم قطاعا واسعا من نيل حقوقهم.
اما التدخلات الخارجية ضد العراق فهي كفيلة - ان لم يتصد لها جميع فئات الشعب - بحرق الاخضر واليابس، ونتمنى ان يفعل الجميع كما فعل ابناء الصحوة من التصدي لتنظيم القاعدة وطرده من العراق. كذلك فإن شطب الكثير من ابناء العراق ومن القيادات الحزبية من قائمة الانتخاب بحجة كونهم بعثيين سابقين قد تسبب في اثارة السخط من الجميع.
نتمنى ان ينعم العراق بالهدوء لكي ننعم نحن بالهدوء.


د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com