رجعت الى فتوى الشيخ عبد الرحمن البراك التي اُتهم فيها بطلب قتل بعض الكتاب في المملكة (قبل سنتين) فوجدت مناصرة له من مجموعة من كبار علماء المملكة العربية السعودية امثال الشيخ عبد الله بن جبرين - رحمه الله - والشيخ عبد العزيز الراجحي وغيرهما، وكان نص فتواه «ان من يزعم بعدم كفر الخارجين عن الاسلام ممن لم يحاربوه، او يزعم ان شهادة لا إله إلا الله تقتضي الكفر بما يعبد من دون الله والبراءة منه فقد وقع في ناقض من نواقض الاسلام، فيجب ان يُحاكم ليرجع عن ذلك، فإن تاب ورجع وإلا وجب قتله مرتداً عن دين الاسلام».
ثم رجعت الى موقع الشيخ البراك وفتواه بعنوان «تحذير من فتنة الدعوة الى الاختلاط» التي يذكر فيها حرمة الاختلاط، ثم يعقب بقوله: «ومن استحل هذا الاختلاط - وإن أدى الى المحرمات - فهو مستحل لهذه الحرمات، ومن استحلها فهو كافر، فيعرّف وتقام الحجة عليه فإن رجع وإلا وجب قتله بناء على الاصل بأن من انكر شيئا معلوما من الدين بالضرورة فإنه يكفر»، وقد أيده في فتواه تلك كذلك كثير من اهل العلم.
ولي ملاحظات عدة على ذلك الموضوع الخطير:
أولا: ان تناول الاعلام لتلك الفتوى هو الذي ادى الى تلك البلبلة والهرج الذي رأيناه، ذلك ان كثيرا من رجال الاعلام لا يفهمون المسائل الدينية ولا يقرأون فتاوى علماء الدين القراءة الصحيحة، ويسعون للحصول على الاثارة في جميع المواضيع دون النظر لما يترتب عليها من اضرار، فعند قراءتي لما كتبته الاقلام الصحافية عن فتوى البراك شعرت بأنهم يتكلمون عن شاب طائش يتبنى الفكر التكفيري ويطالب بقتل الناس، ثم عرفت بأن البراك هو عالم كبير وهو شيخ لكثير من العلماء وقد بلغ الثمانين من العمر.
ثانيا: تكلم الشيخ البراك بمنطق اهل العلم من ان من يستحل الحرام ويصر عليه رغم معرفته يكفر، وهو لا يقصد غالبية من يرتكبون المحرمات إما جهلا وإما ضعفا وإما طمعا أو شهوة، وهؤلاء الذين يصرون على الدعوة الى الحرام ويروجون له ويستهزئون بمن يحذرهم منه هم اصلا لا يهتمون إن حكم عليهم العلماء بالكفر أم لم يحكموا.
ثالثا: للتدليل على وجوب اقامة الحجة على المكابرين طلب الشيخ البراك بأن يستتابوا ويبين لهم الحق - وهذا لا يتم إلا بموافقة ولي الامر - فإن هم أصروا على ما هم فيه يرى الشيخ وجوب قتلهم، وهو بذلك لم يدع الى الفوضى وإلى قتل الناس مثلما يفعل التكفيريون، وإنما طلب ذلك من ولي الامر، كما ان الشيخ يتكلم عن المجتمع السعودي الذي يطبق احكام الشريعة ويسعى الى تأسيس دولة اسلامية، وتلك الاحكام موجودة في نصوص الشريعة الاسلامية ويعلمها علماء الدين.
رابعا: أتمنى من علماء الدين الكبار أن يركزوا على الحث على نشر الفضيلة وتبصير الناس بدينهم لأن مجتمعاتنا ولله الحمد فيها الخير الكثير الذي يمكن استكماله عن طريق الحكمة والموعظة الحسنة، ولهم ان يناصحوا اولياء الامور بدلا من الانزلاق في متاهات الاعلام الذي لا يفرق بين حق وباطل ويتناقله الجهلاء والعالمون، ويكفي ان ينزعج الانسان من خبر تبثه اذاعة لندن عن شيخ سعودي يدعو الى تكفير الناس وقتلهم!!


د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com