التعليم في العالم العربي هو خليط بين الأنباء الجيدة والسيئة. فمن ناحية، يواصل التعلّم التقدم على امتداد الإقليم مع تقدم بعض البلدان بأكثر من البعض الآخر. ومن ناحية أخرى، فإن العالم العربي مازال متاخراً عن معظم بلدان العالم، وهو يخرّج مواطنين غير مؤهلين للمشاركة في السوق العالمية التي تتطور سراعاً. قطاع التعليم العالي ينمو في معظم الـ22 بلداً عربياً. هذا التوسع يبدو نتيجة لتجمع من المبادرات الخاصة والعامة الموجهة تجاه تعليم الأعداد المتعاظمة من الشبّان في كل بلد من تلك البلدان. ومع ذلك، وباستثناء حالات قليلة معزولة فإن الغالبية العظمى من تلك المؤسسات تفتقر إلى الجودة الضرورية في التعليم والقيادة المستقلة والمناهج التقدمية التي من شأنها تدريب الطلبة على مواءمة حاجات أرباب العمل المتوقعين. ففي دراسة قامت بها مجموعة تصنيف الخبراء الدولية ومؤسسة سياسات التعليم العالي في واشنطن نالت جامعة عربية واحدة فقط موقعاً على قائمة تتألف من 3000 جامعة على امتداد العالم، وقد جاء ترتيبها في آخر تلك القائمة. الخريجون العرب يجدون أنفسهم في مواضع غير ملائمة بشكل متزايد عندما يسعون إلى الدخول في أسواق العمل في بلدانهم، إذ لا تتطابق مهاراتهم في كثير من الحالات مع احتياجات السوق. على سبيل المثال، في المملكة العربية السعودية، نحو 5.5 مليون عامل أجنبي يلعبون دوراً أساسياً في الاقتصاد السعودي، وخصوصاً في قطاعي الخدمات والبترول. ومع ذلك، ورغم سياسة الحكومة الداعمة بقوة لتعيين موظفين من حملة الجنسية السعودية، فإن البطالة المستمرة وفق الإحصاءات الرسمية تُشير إلى أنها تبلغ 13 في المئة بين السعوديين الذكور، ويعتقد الكثيرون من الخبراء المستقلين بأن هذه النسبة قد تكون عالية بما يصل إلى 25 في المئة.الاستثمارات الكبيرة على امتداد أعوام عدة التي قامت بها الحكومة السعودية لم تحقق نتائج مرضية. والنتائج السعودية هي مماثلة للنتائج التي تم تحقيقها في بلدان الخليج الغنية. فالإحصائيات تشير إلى أن الخريجين في كثير من الحالات غير قادرين على الاندماج بشكل ناجح في الاقتصادات الوطنية. يعتمد تحسين التعليم العالي في العالم العربي على إصلاح المناهج ورفع توقعات الأساتذة من طلبتهم ليس فقط على مستوى الجامعات، ولكن أيضاً على مستويات التعليم الابتدائي والثانوي. وكما تظهر التجارب العالمية، فإن علامات الطلبة العرب في المدارس الابتدائية والثانوية هي بين العشرينات الأدنى في مادتي الرياضيات والعلوم. نتائج المدارس الابتدائية العامة هي الأسوأ بما لا يقارن. إن حظ تلميذ يتخرج من مدرسة حكومية في القاهرة أو دمشق أو الخرطوم بأن يصبح رئيساً لشركة كبرى أو أن يصبح طبيباً متخصصاً هو ضعيف إلى أقصى الحدود. وإذا أخذنا في الاعتبار الكميات الكبيرة التي تنفقها تلك الحكومات على التعليم، فإن هذه النتائج المزرية والمؤشرات المرتبطة بها هي مفزعة بكل بساطة وتتطلب معالجة فورية.ليس فقط أنه يتوجب إعادة تصميم المناهج بحيث تُعطى أولوية للرياضيات والعلوم، بل يتوجب على الأساتذة أيضاً أن يعتبروا مسؤولين عن أداء طلبتهم. أحد التفسيرات للعلامات الضعيفة التي حققها الطلبة العرب ناتجة عن أن توقعات الأساتذة هي منخفضة أكثر مما يجب. وفي الوقت الذي يواصل فيه القادة العرب السعي إلى إيجاد الطرق الكفيلة بتحسين التعليم، فإن التدقيق في سوية الأساتذة يصبح أمراً حيوياً. هل الغالبية العظمى من الأساتذة مؤهلة بأن يركن إليها تعليم الأجيال القادمة؟ ربما لا. إن استقطاب وتدريب كادرٍ جديد من الأساتذة من الدرجة الأولى، والذين يعوضون تعويضاً جيداً، يتطلب بحثاً معمّقاً. لقد شهد العالم العربي في الأعوام الأخيرة نمواً دراماتيكياً في عدد الجامعات الخاصة. لدى الأردن، على سبيل المثال، ما لا يقل عن 12 جامعة خاصة. هذه الجامعات التي أنشئت أخيراً سوف تسمح للبلدان من ذوي الدخل المتوسط بالاعتماد أكثر على المصادر الخاصة للإنفاق على التعليم العالي. ومع ذلك، فإن التخاصية وحدها ليست الجواب الشافي، وعلى غرار الجامعات الحكومية، فإن تلك المؤسسات الخاصة يجب أن تعتبر مسؤولة نحو تخريج طلبة يحققون الحاجات الوطنية المطلوبة. الحكومات، ربما على مستوى إقليمي، سوف تحتاج إلى إيجاد مستويات أداء تسمح للجامعات التعليمية، سواء كانت خاصة أو عامة، بأن تحقق حداً أدنى من المستويات.محو الأمية كان يشكل رسالة مهمة في العالم العربي ما بعد الفترة الاستعمارية. لقد حقق العرب إنجازاً كبيراً على هذه الجبهة. ورغم أن نحو 70 مليون عربي مازالوا أميين، فإن هذا العدد يتناقص بسرعة. ومع ذلك، فهناك فرق بين أن تُعلّم لتحقيق القراءة والكتابة وبين تقديم تعليم من سوية عالية. وعموماً، فإن العالم العربي لم يطور بعد أنظمته التعليمية من التركيز على محو الأمية من جهة إلى نظام يخلق مؤسسات ضرورية قادرة على دمج الفئات الشبابية في أسواق عملها وأن تدفع ببلدانها إلى ميدان التنافس العالمي.وفي الوقت الذي يواصل فيه واضعو السياسة العربية معالجة مخططات التنمية المستقبلية، يتوجب عليهم التركيز على إصلاح وتحسين مؤسساتهم التعليمية. إن الفشل في تحقيق ذلك سوف يؤدي من دون شك إلى زيادة الملايين من العاطلين عن العمل، وربما يهددون استقرار المنطقة. إن معالجة الإصلاح التعليمي يجب أن يُعطى الأولوية اليوم.
جيمس روث
نائب رئيس مجموعة هورون الاستشارية للصحة والتعليمشيكاغو، الولايات المتحدة، ويقدم روث خدمات استشارية لمؤسسات تعليميةفي أميركا والشرق الأوسط وآسيا، وهذا المقالبرعاية «مصباح الحرية» www.misbahalhurriyya.org