كلنا يعرف إلى أي مدى تمتلئ أدبياتنا الفقهية والتاريخية بمسائل الخلاف. وكلنا يرى تاريخنا السياسي والاجتماعي يعج بالاختلافات والصراعات، وما نشاهده اليوم هو استكمال مسيرة الموروث بتفاعلاته وانفعالاته الراهنة.
كثيراً ما تستثير قواي العقلية مسائل الراجح والمرجوح، وكثيراً ما كنت أبحث عن القول الراجح فاتعب ثم اسلم بطبيعة الخلاف البشري، وعدم قدرة الباحث على ملامسة الراجح دائماً!
قضية القول الراجح هذه هي جزء من مكونات النزاع البشري الذي نعيشه، والذي يخضع إلى عوامل عدة، لعل أبرزها تباين الأفهام والبيئات ودرجة النظر،
فضلاً عن طرق الاستنباط وقوة الأدلة. ومن لم يتفق معي فهو يؤيد فكرتي... كمحصلة لنتيجة أن لا راجح في أي موضوع!
تعال معي إلى مسألة فوائد الديون فما هو الراجح وما هو المرجوح... هل الراجح إسقاط القانون أم تعديله، هل الراجح في إلغائه أم في تبني البديل وهو صندوق المعسرين، أم أن المشكلة تعود في الأصل إلى تفشي مشكلات اجتماعية متراكمة، كالبطالة، والمرض، والطلاق، وصعوبة الحصول على تعليم جيد... ومواجهتها أمر مرجوح، وهل الخلاف في ذلك دستوري أم قانوني. ثم من يخبرنا ما الراجح في قانون المرئي القديم وتعديلاته اللاحقة، وأين محل النزاع في
سقف الحريات، هل هو في حدود الدستور أم الذوق العام، أو ما جاءت به الشريعة؟
إذا لنتفق أن كثيراً من إشكاليات الفكر والسياسة هي خاضعة لزوايا النظر ولكل واحد منا، ومهما أوتينا من فقه دستوري وقانوني فلن نتمكن من الحصول على القول الراجح. إذا كنا بالفعل نحتاج إلى الراجح فلتكن مصلحة العباد والمجموع هي المرجح في الخلاف مع عدم وجود الضرر. لكننا سنعود مرة أخرى لنتساءل من يحدد مصلحة المجموع أو المصلحة العامة ويمكنه تقديمها على مصالح الأفراد الخاصة. فهل قضية البدون خاصة أم عامة، وهل ملف التجنيس خاص أم عام؟ فإذا كان القول الراجح يعني القول الأقرب إلى الصواب والذي فيه منفعة للوطن والجماعة، فإننا نؤكد أن الأحكام عادة ما تكون للأغلب الأعم، وإن كانت هناك مفاسد فإنها تكون بمثابة الضرورة للصالح العام إذ أن مع العسر يسراً.
المشكلة هي عدم وجود مرجعية واضحة المعالم فيها أصول مذهبنا السياسي، وقواعده. استغفر الله... نسيت الدستور! والسؤال هنا هل الدستور عبد لنا أم نحن عبيده؟ يا جماعة الدستور إلى الآن ما جمعنا، صرنا عبيد الدستور بدل أن يكون خادماً لنا، ولربما كان الدستور بريئاً!
إذا من الجاني؟ قد يكون القانون... فهل ينطق القانون، هل صحيح أن القانون يأخذ ما منحناه الدستور؟ فتكون المعادلة السياسية قائمة على (الحكم بالقانون بدلاً من حكم القانون).
أقول هذا وأنا في طريقي إلى كليتي كل صباح مروراً بتنوع الأفكار والناس والمواسم لإلقاء محاضرتي عن مناهج البحث، وهو شيء مضحك أن يقدم أكاديمي درساً أسبوعياً لأكثر من ست ساعات عن منهج البحث العلمي
وهو حائر في إيجاد منهج واقعي وعقلاني للترجيح في إشكاليات الفكر والسياسة!
أوليس الدستور قد منحنا حقوقاً لكن القوانين عاجزة عن ذلك. الدستور قال سنمنحكم سكناً، والقوانين عاجزة عن ذلك. الدستور قال سنعالج مرضاكم وبالمساواة، والقوانين حابت البعض وجاملت البعض الآخر فبعثت للخارج أناسا وتركت آخرين. الدستور قال التعليم مجاني للجميع، والقانون طرد أبناءنا إلى الخارج ثم طردهم من الخارج إلى الداخل... وكأنهم قطيع من الأغنام ليلزموهم الدخول في جامعات القطاع الخاص وغصب عليهم، وبالطبع على ولي الأمر أن يقترض لرسوم أبنائه... وحلوها. الدستور يسطر لنا قوانين من ذهب، والقانون يجدها خشبية غير قابلة للتطبيق. ما العلاقة بين الدستور وقميص عثمان، وما هي أصول الترجيح
ومعرفة القول الراجح في ملفات التنمية المقبلة؟
باختصار، نحذر من ضبابية القول الراجح، ومسائل الخلاف في الفكر والسياسة، وملفات التنمية المقبلة! والسؤال إذا لم تنفذ الدولة خططها التنموية فمن الملام، الدستور أم القانون أم...!

مبارك الذروة
كاتب كويتي
Maltherwa@yahoo.com