قبل أسبوعين من لحظة كتابة هذا المقال، وتحديداً يوم الجمعة، وبعد تناول الغداء مع الأهل، يممت مع الوالد حفظه الله شطر محمية الشيخ صباح الأحمد، إذ سمعت عنها الكثير، وما ان امتطيت طريق الصبية حتى تفاجأت بإنجاز طريقها السريع، وانبهرت بالجسور والتوسعة التي أذهلتني، واكتشفت أنني لم أطأ تلك المنطقة منذ فترة، وقد سرني منظر نباتات الصحراء في المحمية، حمى الله صاحبها من كل مكروه، وسدد على الخير خطاه.
ولما تجاوزت سور المحمية أخذني ذلك الجسر حيث الجهة الشرقية منها، عندها ترجلت باتجاهها، وقضيت حيناً من الدهر أتأمل تلك الصحراء التي تمت حمايتها من أهلها، فأنبتت ما يسر الخاطر والناظر، وتمنيت وقتها لو كانت الكويت كلها محمية.
ودارت في خاطري أفكار، وكان ثمّة حوار، فقلت لنفسي: تلك الأرض عندما تمت حمايتها من عجلات السيارات والبقيات وجحافل رعاة الغنم والإبل أينعت بإذن ربها، فالماء من السماء، وما فعله كله المشرفون عليها أنهم كانوا جادين في حمايتها من المتطفلين المخربين.
قلبت شفتي متأملاً أكثر، وتابعت الحوار مع ذاتي: وهل نستطيع أن نبني سوراً حول الكويت كي نحميها أيضاً من أبنائها، الذين مزقوا جسدها الشريف تطاحناً وفتنة، وعاثوا في الأرض فساداً، تارة باسم المذهبية، وتارة باسم الحزبية، وأخرى من باب القضايا الشعبية، وهات يا شعب يا مسكين، لا عليك سوى أن تندب حظك، وتحمد ربك على نعمة الحرية، وتحمده مرة أخرى أن وفق الشيخ أحمد الفهد لإنجاز خطة التنمية.
قفز داخلي سؤال، وألح عليّ أن أتناوله بالبحث والدراسة، وأقسم إلا أن أكتبه هنا، وهل تعتقد بأن الحكومة جادة في تنفيذ تلك الخطة، هذا إذا سلمنا أنها خطة بالمعنى الصحيح للخطة؟ فكان جوابي: ربما، بشرط أن نسرع منذ هذه اللحظة لبناء محمية بطول الكويت وعرضها، لصيانتها من المفسدين في المجالات كلها، ممن امتهنوا تعكير الأجواء وإثارة الغبار ولخبطة الأولويات، فلا نكاد نخرج من أزمة حتى تسلمنا لأختها، وهلم جرا.
هذه المحمية ليست سوراً نبنيه، ولكنها قانون نطبقه على الكبير قبل الصغير، فلا يتجرأ بعده الموتورون وأرباب السوابق وردُّ السجون أن يعلمونا معاني البذل والعطاء، ولا يتطفل الأغراب وحديثو العهد على تدريبنا تهجئة وإنشاد ملحمة السلام الوطني، حينها ستثمر الأرض مشاريع عملاقة، وتتجه الأنظار للتنمية، وسنستبدل وقتها حوار الطرشان بعمارة الأوطان.
لقد كان حوارا رائعاً مع الذات، لم أستفق إلا والأفق يحتضن قرص الشمس برفق وحنان، قررت حينها أن أركب سيارتي وأعود أدراجي من حيث أتيت.


د. عبداللطيف الصريخ
مستشار في التنمية البشرية
alsuraikh@yahoo.com