رغم أن نسبة التغيير في الوجوه بين أعضاء مجلسي أمة 2022 المبطل وأمة 2023 لم تتعد 24 في المئة، إلّا أن نسبة التغيير في المراكز وعدد الأصوات التي حصل عليها بعض النواب الفائزين أو الخاسرين تعبّر بشكل أكثر وضوحاً عن المزاج العام للمواطنين.

ووجّه الناخبون والناخبات رسالة غضب وسخط واضحة إلى الحكومة بعدم الرضا عن الأداء وغياب الإنجاز، ورسالة أخرى إلى نواب تغيّرت مواقفهم وتحالفوا أو اقتربوا أكثر مما يجب من الحكومة فتغيّرت بالتالي مراكزهم وأرقامهم وصولاً إلى خسارة بعضهم لكرسيه الأخضر، حيث بات واضحاً أن الاقتران غير المحسوب وغير المدروس بالحكومة خطر جداً على الطموح السياسي خصوصاً لمن يرغب بالاستمرار في الساحة وثمنه التخلي الشعبي عن صاحبه.

وجاءت أرقام انتخابات أمة 2023 لتؤكد ذلك بوجود أسماء كبيرة من النواب تصدّروا نتائج أمة 2022 بمواقفهم وطروحاتهم المعارضة وذات السقف العالي آنذاك، لتأتي انتخابات أول من أمس معبّرة عن غضب الشارع من اللين النيابي تجاه الحكومة فخسر بعضهم من الأرقام أكثر من نصف الأرقام التي حققها في 2022 وتراجع آخرون من الصدارة إلى مراكز متأخرة فيما خسر آخرون أيضاً مقاعدهم كلياً.

وتؤشر النتائج أيضاً إلى أنه وإن كان التعاون مطلوباً بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، إلا أن التعاون مع الحكومة لا يعني التحالف والإذعان، فالعلاقة بينهما حساسة وتتطلّب استشعاراً سياسياً عالياً من النائب لمختلف الظروف، ومن لا يدرك الفوارق الهلامية هذه، ينقلب بسهولة حاله إلى حال معاكس، وكأن هذا التحالف (يحول الذهب إلى رمال) كما يعتبر البعض.

وفي اتجاه آخر، تظهر الأرقام أن بعض النواب ممن حافظوا على نهجهم، حافظوا أيضاً على مراكزهم في أكثر من دائرة وحققواً تقدماً في بعض الأحيان، فيما انعكس عدم الرضا الشعبي على آخرين، فبدا التحالف مع الحكومة محرقة للنواب الذين تحوّلوا إلى «حكوميين».

وبدا واضحاً انعكاس التوجه الشعبي على سبيل المثال في انخفاض عدد الأصوات التي حصل عليها رئيس مجلس الأمة السابق أحمد السعدون في الدائرة الثالثة بسبب دفاعه الكلي عن الحكومة خلال الفترة الماضية وموقفه من رفع الجلسات في غيابها، وكذلك النائب بدر الملا الذي تراجع مركزه بشكل كبير جداً وخسر آلاف الأصوات على خلفية مشاركته في الحكومة بعدما كان في صف المعارضة، فضلاً عن النائبين محمد المطير وشعيب المويزري اللذين خسرا من أصوات قواعدهما الانتخابية أيضاً، وإضافة إلى النائب السابق ثامر السويط الذي لم ينجح في الحصول على عدد أصوات تمكنه من العودة نائباً.

ويبدو أن المزاج الشعبي - رغم مرور نحو 18 سنة - على إقرار الحقوق السياسية للمرأة، ما زال غير متقبّل لوصول النساء إلى البرلمان، حيث لم تنجح من بين 13 مرشحة سوى النائبة الدكتورة جنان بوشهري التي قدّمت أداء استثنائياً خلال الفترة الماضية نجحت من خلاله أيضاً بزيادة عدد أصواتها في هذه الانتخابات بنحو 17 في المئة عما حققته في 2022، واستطاعت استقطاب أصوات من مختلف فئات المجتمع، بينما أدى اصطفاف عالية الخالد إلى جانب الحكومة في مواقفها بشكل مبالغ فيه إلى خروجها من قائمة الفائزين في الانتخابات.

ويُسجل أيضاً نجاح عدد من النواب العائدين في الحفاظ على قواعدهم الانتخابية وزيادتها أيضاً، مثل النائب سعود العصفور الذي كسر حاجز الـ12 ألف صوت نتيجة ثباته مواقفه ونهجه، والنائب عبدالله المضف الذي حافظ على مركزه الأول في الدائرة الأولى، وذلك نتيجة التركيز على تلبية احتياجات الناخبين والعمل لتحقيق أهدافهم.

ومن مفاجآت النتائج سقوط نواب مؤثرين أمثال مرزوق الخليفة والصيفي الصيفي والدكتور عبيد الوسمي وصالح عاشور وخليل الصالح، فيما كان لافتاً فوز بدر سيار بالمركز الأول في الدائرة الرابعة وتخطيه حاجز الثمانية آلاف صوت.

وكانت نتائج 2023 محبطة لبعض التيارات خصوصاً العدالة والسلام الذي فقد مقعديه، وتقلص عدد النواب الشيعة من 9 في مجلس 2022 إلى 7، بينما احتفظت الحركة الدستورية بمقاعدها الثلاثة الرسمية بفوز أسامة الشاهين وحمد المطر وعبدالعزيز الصقعبي، واحتفظ التآلف الاسلامي بمقعديه بفوز أحمد لاري في الدائرة الأولى وهاني شمس في الدائرة الخامسة، واستعاد التجمع السلفي قوته بفوز ثلاثة من مرشحيه وهم فهد المسعود في الثانية وحمد العبيد في الثالثة ومبارك الطشة في الرابعة، فيما خسرت قبيلة بني غانم مقعديها في الدائرتين الثانية والرابعة.

وفي المحصلة، فإن المعطيات تشي بأن المرحلة القادمة لن تكون «شهر عسل» بين الحكومة والمجلس، فالنواب سيستفيدون من الرسالة التي وجهها الشارع الانتخابي، ولن تكون الممارسات الحكومية السابقة مقبولة نيابياً خصوصاً تعطيل المجلس بعدم حضور الحكومة أو غير ذلك.