المتابع لما يحدث داخل الملف الفلسطيني لن يجد صعوبة في التوصل إلى عنوان مقالنا، إذ بات واضحا لكل من له أدنى معرفة بالملف الفلسطيني أن الحركتين أصبحتا رقمين صعبين متضادين في الجوهر، وإن تظاهرا بالاتفاق في الشكليات رغم انتمائهما الواحد إلى الأرض الفلسطينية وارتفاع صوتهما باسم فلسطين.إلا أن الفرق بينهما شاسع سواء في الأجندات أو في الأهداف وقد حاولت حركة «فتح» في التسعينيات بعد أوسلو وتشكيل السلطة الوطنية اجتثاث «حماس» منذ بداياتها بالقبض والاعتقال والتضييق، ولكنها لم تفلح رغم قوة «فتح» السياسية والسلطوية والأمنية والمالية والتاريخية على الأرض الفلسطينية.ولكن الفشل كان هو العنوان لذلك لجأ الداهية عرفات إلى محاولة احتواء «حماس» وجعلها رقماً بجانبه، وليس رقماً مناوئاً له وقد نجح في هذا، وهو ما فشل فيه أبو مازن، الذي بذل كل جهده لإعادة التجربة الأولى في بدايات أوسلو إلى استئصال «حماس» بطرق مختلفة؛ ففشل.فكان خياره الوحيد هو الاقتتال الذي حدث في غزة، ولكن «حماس» قويت جذورها ولم تعد تلك الحركة اليافعة في التسعينات من القرن الماضي فقد امتدت جذورها في أعماق الأرض الفلسطينية والشخصية والهوية الفلسطينية فصعب اقتلاعها وخسرت «فتح» غزة بحماقة دحلان الذي أراد أن يمارس مهمات ضابط الأمن المستقوي في غزة فوجد نفسه يولي هارباً هو ومن معه في مأزق لا يحسد عليه.ومع الانقسام بين الضفة وغزة وتشكل سلطتين تديران وتحكمان الفلسطينيين «فتح» تشكل السلطة في الضفة، وهي مؤيدة أميركياً و«حماس» في غزة مؤيدة شعبياً وإسلامياً، وقد تعمق الخلاف ولم تفلح في إصلاحه على مدار الشهور الماضية محاولات المصلحين والأطباء كلها سواء بالعلاج المعروف والأدوية المعروفة لمثل هذه الخلافات السياسية الفلسطينية ـ العربية، أو بالطب البديل عن طريق أطراف خارجية عربية، أو بالأعشاب المحلية عن طريق أطراف فلسطينية.وأخيرا خرجت علينا وسائل الإعلام بمحاولات صلح فقد أعلن نبيل شعث ممثل الرئيس الفلسطيني محمود عباس بمصر في 5-1-2008 أن أبو مازن سيبحث في السعودية إمكانية توسطها لاستئناف الحوار مع «حماس».وقد نشر أن عباس حمل في أجندته ستة شروط للمصالحة، وهي:1 ـ إعادة المقار الأمنية2 ـ إعادة المستندات والوثائق من «حماس» للرئاسة الفلسطينية. 3 ـ اعتذار «حماس» للشعب الفلسطيني عما وصفه عباس بالانقلاب.4 ـ الاعتراف بحكومة سلام فياض.5 ـ الموافقة على المراسيم كلها التي أقرها عباس وحكومة فياض خلال الأشهر الماضية.6 ـ الالتزام بالاتفاقيات كلها التي وقعتها السلطة الوطنية الفلسطينية. وقد علق محمد نزال عضو المكتب السياسي بحركة المقاومة الإسلامية «حماس» في دمشق لصحيفة «الشرق الأوسط»: «انها شروط تعجيزية، وان هذه الشروط حكمت بفشل مفاوضات المصالحة الوطنية قبل أن تبدأ».وأضاف: «إذا وافقت (حماس) على هذه الشروط كلها، فما هو الداعي للحوار؟ عباس يعرف أن (حماس) لا يمكن أن توافق على هذه الشروط. فهل هذه الشروط مقصود منها التعجيز أم إلقاء تبعة الفشل على الطرف الآخر؟». وتابع: «ان المقترحات التي قدمها خالد مشعل للقيادة السعودية تتكون من ست نقاط أساسية، لحل الخلافات بين (حماس) و(فتح) لم ترد عليها (فتح) حتى الآن، وهي: - المحافظة على وحدة الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة، وعدم تقسيم الضفة وغزة. - إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وأن يكون اختيارها على أسس وطنية مهنية وليس على أسس فصائلية - احترام الشرعيات الفلسطينية المنتخبة - استقالة حكومة سلام فياض وتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية - احترام الاتفاقيات التي وقعت ومن بينها إعلان القاهرة 2005 ووثيقة الوفاق الوطني 2006واتفاق مكة 2007 - وقف الحملات الدعائية بين الطرفين».وإذ اعتبر نزال أن الحوار لا يزال متعثراً بين «حماس» و«فتح»، فإن مصدراً فلسطينياً آخر بارزاً في حركة «الجهاد» الفلسطيني في دمشق أشار إلى أن مفاوضات المصالحة بين «حماس» و«فتح» تسير ببطء ولم تتحرك فعلياً للأمام، رغم الزيارة التي قام بها مشعل إلى السعودية أخيراً الحقيقة أن كل ما يبذل ويقال عن محاولات وجهود ولقاءات لحل الخلاف بين «حماس» و«فتح» أشبه بطواحين الهواء.فكلتا الحركتين مختلفتان تماماً من ناحية الهوية الفكرية، وهي الأهم فحركة «فتح» علمانية، و«حماس» عقدية إسلامية ويتبلور هذا الخلاف في الأجندات المنهجية في العمل الحركي والسياسي والتنظيمي لحل القضية الفلسطينية، وهو ما يظهر على السطح في طريق كل حركة في سبيل حل القضية الفلسطينية. فبينما ترى «فتح» الرضوخ لما تراه واقعياً من وجهة نظرها بالتنازل عن الحقوق الفلسطينية والاعتراف بالعدو الصهيوني وتنفيذ كل ما تفرضه الإدارة الأميركية مما تراه حلاً من أشكال وخطط مختلفة.عكس ذلك تماماً «حماس» ترفض التنازل عن الحقوق الفلسطينية وترفض الاعتراف بالعدو الصهيوني وترفض الضغوط الأميركية وماتفرضه العنجهية الأميركية من خطط المراد منها تضييع حقوق الفلسطينيين وإعطاء العدو المحتل شرعية دولية وقانونية لما اغتصبه واحتله.ويزداد الأمر تعقيداً أن دماء سالت بين الطرفين، وقويت عقيدة لدى كل طرف أن الآخر يتآمر عليه فـ «حماس» تعلن أن «فتح» تتفق مع العدو الصهيوني والإدارة الأميركية وأتباعهم في المجتمع الدولي ضد «حماس»، وذلك واضح من الأموال الأجنبية التي تتدفق على سلطة رام الله في ظل الحصار على غزة وإقالة حكومة «حماس» الشرعية القانونية من دون مسوغ وطريق قانوني، وأن «فتح» بسلطة الضفة تحارب المنتمين لـ «حماس» والمقاومة بالسبل كلها.فقد أسقطت حكومة فياض غير الشرعية خيار المقاومة من أجندتها تماما و«فتح» تعلن أن «حماس» تحارب المنتمين لـ «فتح» وتعتقلهم وأنها خارجة عن شرعية السلطة.لكن رغم ذلك كله، فكل طرف يخرج للإعلام والمجتمع العربي والدولي بأنه يسعى إلى الإصلاح وحل الخلاف، وهما واثقان من صعوبة حل الخلاف. ولكن يبقى أنه من الممكن الالتفاف على الخلافات بينهما بتغليب مصلحة فلسطين وفقط، وهو صعب في ظل الأجندات الخاصة لذلك تبقى محاولة تسطيح الخلافات شكلية والتظاهر بالتصالح أو السعي إليه أمام الإعلام.ولكنه حل لن يصمد طويلاً، كما لم يصمد «اتفاق القاهرة» ولا «اتفاق مكة»، وأخيراً الواقع الفلسطيني معقد جداً وحل قضية فلسطين بات بين طريقين لا ثالث لهما، إما الاستسلام للعدو الصهيوني والإدارة الأميركية وتحمل تبعات ذلك الاستسلام من كل جانب من تضييع للحقوق والمقدسات، وإما المقاومة وتحمل تبعاتها من كل جانب في ظل غطرسة وإرهاب أميركي يرى مقاومة المحتل والدفاع عن الأرض والمقدسات إرهاباً.
ممدوح إسماعيل
محام وكاتب مصريelsharia5@hotmail.com