في يوم السبت 27 ديسمبر 2008 قام العدو الصهيوني بحرب وحشية على قطاع غزة، فأطلق طائراته وصواريخه ودباباته ليقتل ويدمر كل شيء، فاستشهد وجرح الآلاف ودمرت المنازل على الآمنين، واقتلعت أشجار الزيتون، وقُتل الأطفال الرضع في مشاهد هزت أقسى القلوب في العالم، وقاوم أهل غزة على قدر استطاعتهم.
واندلعت المظاهرات في العالم العربي تندد وتصرخ، وتوقفت الحرب في 18 يناير من العام الجديد (أي العام 2009)، وعاد المتظاهرون العرب إلى بيوتهم، بينما أهل غزة يدفنون شهداءهم ويضمدون جراحهم ويجمعون ما تبقى من أنقاض بيوتهم، حتى يحتموا من برد الشتاء، فلا يجدون لهم مأوى إلا إيمانهم بالله وحقهم المغتصب، وهم صابرون محاصرون.
وكان من اللافت المثير استيقاظ أوروبا إلى همجية ووحشية الصهاينة، وقد تبلور ذلك في مواقف عدة على مدار عام. أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
- أهم مظاهر التحول والاستيقاظ الأوروبي تجاه العدو الصهيوني موقف مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف على العالم بتصديقه مشروع القرار الخاص بتبني تقرير «غولدستون» في شأن الحرب الصهيونية على غزة ووصفه لجرائم اليهود بجرائم حرب توجب محاكمة مرتكبيها وملاحقاتهم، وتمت إحالة المشروع إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
- ظهور نتائج استطلاع للرأي بألمانيا تظهر أن أكثر من نصف الألمان يعتبرون الكيان الصهيوني تهديداً خطيراً للأمن في العالم.
- جامعة «ساسيكس» البريطانية تعلن أن اتحاد طلبة الجامعة قرر مقاطعة المنتجات الصهيونية داخل مرافق الجامعة، وبلغت نسبة التصويت للقرار 65 في المئة.
- تنديد تحالف يضم 90 منظمة وجمعية نمساوية غير حكومية بزيارة وزير حرب العدو الصهيوني إيهود باراك إلى فيينا.
- القضاء البريطاني يصدر قراراً باعتقال وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني التي هربت لتورطها في جرائم حرب تجاه الفلسطينيين، وبتدخل قيادي سياسي «صهيو - أميركي» تهرب ليفني من لندن بجواز سفر مزور.
ولا تفوتنا الإشارة إلى التحول المهم جدا للسياسة التركية في مواقف عدة سطرتها القيادات التركية، وعلى رأسها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في إدانة وحشية الحرب بطرق مختلفة في المحافل الدولية ما أذهل العرب والفلسطينيين أصحاب القضية، ولم تكتف تركيا بذلك، بل ألغت مناورات كان مزمعاً تنفيذها مع الصهاينة.
وأخيراً كان من أبرز المواقف الأوروبية انتقاد صحيفة «الإندبندنت» البريطانية في 12 ديسمبر الماضي لوحشية عدوان الاحتلال الصهيوني على غزة ووصفته بأنه وحشية غير مسبوقة.
ويبقى الموقف الأهم الذي بلوره ظهور مقال شجاع في صحيفة «الديلي تلغراف» البريطانية يوم 23 ديسمبر الماضي يدين جرائم اليهود، وكاتب المقال شخصية سياسية أوروبية كبيرة، فهو المفوض الأوروبي للشؤون الخارجية كريستن باتن. وقد جاء في مقاله الآتي:
«ينبغي ألا ننسى الحقيقة الجوهرية، وهي أن الحملة الإسرائيلية على غزة كانت حملة قوة محتلة على شعب محتل، لا مجال هنا للنسبية الأخلاقية في ما يتعلق بقوانين حقوق الإنسان الدولية. إسرائيل تظل قوة محتلة، لهذا فهي تتحمل مسؤولية تأمين وتوفير الحاجيات الأساسية لمن هم تحت الاحتلال. وإسرائيل لم تسمح منذ انتهاء حربها على القطاع سوى لـ41 شاحنة مواد بناء بالدخول إلى القطاع، علماً بأن غزة في حاجة إلى الآلاف، وإذا ما استمر دخول مواد البناء إلى القطاع بهذه الوتيرة، فهذا يعني أن إعادة البناء لن تتم قبل قرون عدة».
واستشهد المسؤول الأوروبي بالوصف الذي أعطاه رئيس وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» جون جينج للحصار، والذي قال فيه: «إنه تسهيل لعمليات تقويض مجتمع متحضر».
وختم باتن مقاله «الفشل في ذلك يعني خيانة لأسر لا تزال تعيش فوق أنقاض منازلها، بينما شاحنات مواد البناء على بعد بضعة أميال. إن هذا يزرع بذور المرارة والصراع».
ومنذ أيام انتقد بيان لتحالف يضم 16 منظمة دولية منها «منظمة العفو الدولية» و«أوكسفام» الفرنسية المجتمع الدولي، وقالوا إن المجتمع الدولي غدر بالفلسطينيين ونددوا بالعدوان والحصار وما سببه من تداعيات على الفلسطينيين.
ويبقى أنه قد خرج المئات من الأوروبيين بقافلة أطلقوا عليها «شريان الحياة» لمساعدة أهل غزة، وتكبدوا أنواع التعب والمشقة والعنت كلها من أجل وصول القافلة إلى غزة، وفي المقابل: هل سمع إنسان أن الجامعة العربية أخرجت قافلة من شباب كل بلد عربي لمساعدة أهل غزة ؟
وأخيراً، ان الأوروبيين ليسوا مطالبين بالاهتمام بغزة، ولكن بعض المواقف الأوروبية، مقارنة ببعض المواقف العربية، تؤدي إلى وصم بعض المسؤولين العرب بالعار، وتجعل كل إنسان عربي يخجل ويقول بصوت عالٍ: هل ماتت النخوة والمروءة، تلك الصفات التي اشتهر بها العرب حتى في جاهليتهم قبل الإسلام وتغنوا بها في أشعارهم؟ أم أنها نامت أو خدرت وتحتاج فقط إلى من ينبهها ويوقظها، ومتى تنتبه وتستيقظ؟ قنابل العدوان دمرت الأمان، وصراخ الأطفال والمرضى والجوعى في غزة أيقظ الكثيرين في أوروبا، بينما الكثير من العرب فقدوا النخوة والكرامة في السعي إلى المناصب والتكالب على الدنيا أو على موائد المفاوضات.
ممدوح إسماعيل
محام وكاتب مصري
Elsharia5@hotmail.com
واندلعت المظاهرات في العالم العربي تندد وتصرخ، وتوقفت الحرب في 18 يناير من العام الجديد (أي العام 2009)، وعاد المتظاهرون العرب إلى بيوتهم، بينما أهل غزة يدفنون شهداءهم ويضمدون جراحهم ويجمعون ما تبقى من أنقاض بيوتهم، حتى يحتموا من برد الشتاء، فلا يجدون لهم مأوى إلا إيمانهم بالله وحقهم المغتصب، وهم صابرون محاصرون.
وكان من اللافت المثير استيقاظ أوروبا إلى همجية ووحشية الصهاينة، وقد تبلور ذلك في مواقف عدة على مدار عام. أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
- أهم مظاهر التحول والاستيقاظ الأوروبي تجاه العدو الصهيوني موقف مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف على العالم بتصديقه مشروع القرار الخاص بتبني تقرير «غولدستون» في شأن الحرب الصهيونية على غزة ووصفه لجرائم اليهود بجرائم حرب توجب محاكمة مرتكبيها وملاحقاتهم، وتمت إحالة المشروع إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
- ظهور نتائج استطلاع للرأي بألمانيا تظهر أن أكثر من نصف الألمان يعتبرون الكيان الصهيوني تهديداً خطيراً للأمن في العالم.
- جامعة «ساسيكس» البريطانية تعلن أن اتحاد طلبة الجامعة قرر مقاطعة المنتجات الصهيونية داخل مرافق الجامعة، وبلغت نسبة التصويت للقرار 65 في المئة.
- تنديد تحالف يضم 90 منظمة وجمعية نمساوية غير حكومية بزيارة وزير حرب العدو الصهيوني إيهود باراك إلى فيينا.
- القضاء البريطاني يصدر قراراً باعتقال وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني التي هربت لتورطها في جرائم حرب تجاه الفلسطينيين، وبتدخل قيادي سياسي «صهيو - أميركي» تهرب ليفني من لندن بجواز سفر مزور.
ولا تفوتنا الإشارة إلى التحول المهم جدا للسياسة التركية في مواقف عدة سطرتها القيادات التركية، وعلى رأسها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في إدانة وحشية الحرب بطرق مختلفة في المحافل الدولية ما أذهل العرب والفلسطينيين أصحاب القضية، ولم تكتف تركيا بذلك، بل ألغت مناورات كان مزمعاً تنفيذها مع الصهاينة.
وأخيراً كان من أبرز المواقف الأوروبية انتقاد صحيفة «الإندبندنت» البريطانية في 12 ديسمبر الماضي لوحشية عدوان الاحتلال الصهيوني على غزة ووصفته بأنه وحشية غير مسبوقة.
ويبقى الموقف الأهم الذي بلوره ظهور مقال شجاع في صحيفة «الديلي تلغراف» البريطانية يوم 23 ديسمبر الماضي يدين جرائم اليهود، وكاتب المقال شخصية سياسية أوروبية كبيرة، فهو المفوض الأوروبي للشؤون الخارجية كريستن باتن. وقد جاء في مقاله الآتي:
«ينبغي ألا ننسى الحقيقة الجوهرية، وهي أن الحملة الإسرائيلية على غزة كانت حملة قوة محتلة على شعب محتل، لا مجال هنا للنسبية الأخلاقية في ما يتعلق بقوانين حقوق الإنسان الدولية. إسرائيل تظل قوة محتلة، لهذا فهي تتحمل مسؤولية تأمين وتوفير الحاجيات الأساسية لمن هم تحت الاحتلال. وإسرائيل لم تسمح منذ انتهاء حربها على القطاع سوى لـ41 شاحنة مواد بناء بالدخول إلى القطاع، علماً بأن غزة في حاجة إلى الآلاف، وإذا ما استمر دخول مواد البناء إلى القطاع بهذه الوتيرة، فهذا يعني أن إعادة البناء لن تتم قبل قرون عدة».
واستشهد المسؤول الأوروبي بالوصف الذي أعطاه رئيس وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» جون جينج للحصار، والذي قال فيه: «إنه تسهيل لعمليات تقويض مجتمع متحضر».
وختم باتن مقاله «الفشل في ذلك يعني خيانة لأسر لا تزال تعيش فوق أنقاض منازلها، بينما شاحنات مواد البناء على بعد بضعة أميال. إن هذا يزرع بذور المرارة والصراع».
ومنذ أيام انتقد بيان لتحالف يضم 16 منظمة دولية منها «منظمة العفو الدولية» و«أوكسفام» الفرنسية المجتمع الدولي، وقالوا إن المجتمع الدولي غدر بالفلسطينيين ونددوا بالعدوان والحصار وما سببه من تداعيات على الفلسطينيين.
ويبقى أنه قد خرج المئات من الأوروبيين بقافلة أطلقوا عليها «شريان الحياة» لمساعدة أهل غزة، وتكبدوا أنواع التعب والمشقة والعنت كلها من أجل وصول القافلة إلى غزة، وفي المقابل: هل سمع إنسان أن الجامعة العربية أخرجت قافلة من شباب كل بلد عربي لمساعدة أهل غزة ؟
وأخيراً، ان الأوروبيين ليسوا مطالبين بالاهتمام بغزة، ولكن بعض المواقف الأوروبية، مقارنة ببعض المواقف العربية، تؤدي إلى وصم بعض المسؤولين العرب بالعار، وتجعل كل إنسان عربي يخجل ويقول بصوت عالٍ: هل ماتت النخوة والمروءة، تلك الصفات التي اشتهر بها العرب حتى في جاهليتهم قبل الإسلام وتغنوا بها في أشعارهم؟ أم أنها نامت أو خدرت وتحتاج فقط إلى من ينبهها ويوقظها، ومتى تنتبه وتستيقظ؟ قنابل العدوان دمرت الأمان، وصراخ الأطفال والمرضى والجوعى في غزة أيقظ الكثيرين في أوروبا، بينما الكثير من العرب فقدوا النخوة والكرامة في السعي إلى المناصب والتكالب على الدنيا أو على موائد المفاوضات.
ممدوح إسماعيل
محام وكاتب مصري
Elsharia5@hotmail.com