إذا كان سمو الأمير الراحل الشيخ عبد الله السالم الصباح طيب الله ثراه قد أحدث منعطفاً تاريخيّاً في حياة الكويت بإقرار الدستور الكويتي لينقل الكويت إلى دولة المؤسسات الدستورية والحياة المدنية، فإن خطاب سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح، المكلف بإلقائه من قِبل سمو الأمير الشيخ نواف الأحمد الصباح، يعد خطاباً تاريخيّاً، ويحدث منعطفاً حقيقيّاً، ومساراً تصحيحيّاَ لما شاب الممارسة الديموقراطية من ردة فكرية خلال السنوات الماضية.

ولا أدل على هذه الحقيقة استبشار جميع أطياف الشعب بما جاء فيه من قواعد وتوجيهات للممارسة السياسية المقبلة على الصعيديْن الحكومي والبرلماني.

لقد بعث هذا الخطاب في الناس الأمل بعد أن أصابهم الألم والإحباط، وبكل وضوح وشفافية ودون حاجة لتأويل وضع الخطاب النقاط على الحروف لرؤية العهد الجديد في المسار المقبل للممارسة الديموقراطية.

فبيّن موقف الحكومة من الانتخابات المقبلة باتخاذ الحياد والوقوف على مسافة واحدة من الجميع سواء في العملية الانتخابية العامة أو في قاعة عبد الله السالم بانتخابات الرئاسة أو اللجان.

كما حذّر من الانحراف في الممارسة الديموقراطية التي لا يختلف على وقوعها أحد وما أدت إليه من نزعات فئوية واستقطاب طائفي وقبلي عصف بمقومات التجربة الديموقراطية، وأوجد فرقة في المجتمع وانحرافاً في بناء دولة المؤسسات أضر بمصالح البلاد والعباد.

ودعا سمو ولي العهد في خطابه الشعب الكويتي إلى حسن الاختيار لمن يمثلهم تمثيلاً صحيحاً ويحمل على عاتقه مصلحة وطن ومستقبل المواطن.

ولا شك أن لهذا الخطاب بتوجيهه الأبوي، الأثر المعنوي المباشر على كل الشعب الكويتي، ومع ذلك فإن استمرار نجاحه وتحقيق مقاصده يحتم بأن تكون هناك أدوات قانونية لدعمه وترسيخه، فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع في القرآن.

إن الحقيقة التي لا يستطيع أحد أن يتجاهلها هي أن العملية الانتخابية تتأثر بعدة عوامل تدفع الناخب إلى تفضيل مرشح على آخر، فهي لا تقتصر على البرامج الانتخابية التي تتأثر بها النخبة من الناخبين، فهناك عوامل نفسية وعرقية واجتماعية تدفع عواطف الناخبين إلى اختيار المرشح. لذلك يتألق السياسي القادر على مخاطبة عواطف الجماهير واستثارة حماسهم أكثر من الحديث إلى عقولهم.

وهنا تأتي دور القوانين المنظمة للعملية الانتخابية في تهيئة بيئة انتخابية صالحة تساهم في تبنّي الطرح الوطني على المصلحي، والعلمي على الشعبي، والعقلي على العاطفي، والتقليل من تأثير دور العواطف التي غالباً ما تؤدي إلى انحراف الاختيار بل تتجاوز ذلك لتكون لها ارتدادات على تلاحم المجتمع وانصهاره في بوتقة الوطن لا سيما إذا اعتمدت العواطف على استثارة النعرات العرقية أو الطبقية أو الدينية.

وفي هذه الدراسة سنضع رأينا المتواضع في كيفية تحقيق دعوة سمو ولي العهد للشعب الكويتي في حسن الاختيار للانتخابات المقبلة وما يليها، من خلال تشخيص لمسار الدوائر الانتخابية خلال 61 سنة، وما تخلّلها من سلبيات كشفها التطبيق.

جميع التعديلات لم تمس أساس التوزيع بل عدد الدوائر أو المرشحين

رحلة الدوائر خلال 61 سنة... خلل التوزيع الجغرافي أوقعها في مطبات ومخاطر

مرّت الدوائر الانتخابية في الكويت، في رحلتها التي مضى عليها 61 عاما، بخمس مراحل، أثبتت التجربة أن الخلل في مسيرتها يعود إلى طبيعة التقسيم الجغرافي للمناطق الانتخابية، كما سنبين لاحقاً.

- المرحلة الأولى 1961: وهي المرحلة التي تم بموجبها انتخاب المجلس التأسيسي حيث قسمت الكويت إلى عشر دوائر انتخابية لكل ناخب فيها حق انتخاب عضوين للمجلس التأسيسي.

- المرحلة الثانية 1962: وهي المرحلة التي تمت بعد إقرار الدستور وتحديد عدد أعضاء مجلس الأمة خمسين عضواً (المادة 80) من الدستور، وبناء عليه تم التعديل على قانون الدوائر الانتخابية لتبقى عشر دوائر انتخابية ولكل ناخب فيها حق انتخاب خمسة أعضاء للمجلس.

- المرحلة الثالثة 1980: تم تعديل الدوائر بمرسوم قانون، حيث قسمت الدوائر بموجبه إلى 25 دائرة انتخابية تنتخب كل دائرة عضوين للمجلس.

- المرحلة الرابعة 2006: قسمت الدوائر الانتخابية إلى خمس دوائر انتخابية، تنتخب كل دائرة 10 أعضاء، على أن يكون لكل نائب حق الإدلاء بصوته لأربعة من المرشحين في الدائرة المقيد فيها.

- المرحلة الخامسة 2012: أبقى التعديل على نظام الخمس دوائر، وعدل حق الناخب في الاختيار بأن يكون له حق الإدلاء بصوته لمرشح واحد في الدائرة المقيد فيها.

أسباب التعديل لعل أحد أهم أسباب التعديلات ما قررته المذكرة الإيضاحية للقانون 42 /2006 حيث جاء فيها: أن التقسيم الحالي للدوائر الانتخابية أدى إلى الكشف عن مظاهر سلبية يتمثل أهمها:

- بروز مظاهر الطائفية والقبلية والفئوية التي تضعف مقومات الوحدة الوطنية وتخل بتمثيل البرلمان للأمة تمثيلاً صحيحاً.

- التلاعب بالجداول الانتخابية من خلال نقل القيد غير القانوني. - تغليب الدور الخدمي على الدور التشريعي والرقابي لدى بعض النواب.

- بروز ظاهرة شراء الأصوات الانتخابية والتأثير على الناخبين بمختلف الصور.

- التباين الكبير في عدد الناخبين في الدوائر الانتخابية.

وبعد الممارسات الفعلية للانتخابات البرلمانية لفصول تشريعية عدة، جاءت المذكرة الايضاحية للمرسوم بقانون 20 /2012 بتعديل القانون 42 /2007، مرددة ذات المآخذ والممارسات التي كان يأمل المشرع من تعديل القانون السابق أن يقضي عليها أو يخفف من وطئها ولكنها لم تستمر فقط بل ازدادت حدة وعمقت جروح الوطن.

وبعد ممارسات فعلية عدة للعملية الانتخابية بموجب التعديل الأخير لقانون الانتخاب، اتفق الجميع الحكومة والشعب على فشل هذا النظام من التصدي للمشاكل الناتجة عن تطبيقه وازدادت الردة الفكرية للمجتمع وانغمس في الاستقطاب الطائفي والقبلي والتعصب الفئوي حتى أصبحت الممارسة الانتخابية في مجلس الأمة نموذج سيئ يحتذى به في انتخابات المجلس البلدي والجمعيات التعاونية والاتحادات الطلابية والنقابية.

وقد اتضح ومن دون ريب القصور والمثالب عند تطبيق التعديلات القانونية، وأن كل تلك التعديلات لم تؤتِ أُكلها وتحقّق غايتها.

لماذا لم تتحقق الأهداف؟

لا شك بأن هناك أسباباً مختلفة أدت إلى فشل معالجة الممارسات السلبية للممارسة الديموقراطية وتطور العملية الانتخابية وتحولها من مصلحة قبلية وطائفية وفئوية ومصلحية إلى قيمة وطنية تصب في صالح تنمية المجتمع منها تطبيق سيادة القانون، والعدالة في الحصول على الحقوق وأداء الواجبات، واعتماد مبدأ الكفاءة والثواب والعقاب.

ونحن هنا في معرض التركيز على أحد أهم الأسباب التي أعاقت تطور العملية الانتخابية، وهو قانون الدوائر الانتخابية وما تمت عليه من تعديلات تهدف للقضاء على المظاهر والممارسات السلبية التي ترافق تطبيقه لا سيما في وقت العملية الانتخابية.

ويلاحظ أن جميع التعديلات لم تمس أساس التوزيع بل مسّت عدد الدوائر أو عدد المرشحين الذين يحق للناخب اختيارهم مع بقاء النطاق الجغرافي كمعيار للتقسيم.

ومن هنا يتضح أن الخلل لا يعود إلى عدد الدوائر، كما لا يعود إلى عدد من يصوت لهم الناخب، إنما الخلل - كما نراه - يعود إلى طبيعة التقسيم الجغرافي للمناطق الانتخابية الذي أدى إلى تركز أبناء القبيلة الواحدة أو الفئة أو الطائفة في مناطق معينه سواء بصورة مشروعة عن طريق السكن الفعلي في الدائرة أو بصورة غير مشروعة عن طريق السكن الصوري بتقديم بيانات غير صحيحة وصورية لإثبات مكان السكن من أجل تكوين كتلة انتخابية مؤثرة في التصويت.

مخاطر التقسيم الجغرافي

كما بينا أن التعديلات المختلفة التي تمت على قانون الدوائر الانتخابية، أثبتت أن الخلل ليس في عدد الدوائر أو عدد من يدلي لهم الناخب بصوته، إنما يعود الخلل إلى التوزيع الجغرافي للدوائر الانتخابية وقد أثبت هذا التوزيع أن له سلبيات كبيرة على العملية الانتخابية وعلى الممارسة الديموقراطية وعلى المصلحة الوطنية بما يهدد الوطن ونسيجه الاجتماعي ومن أمثلة هذه السلبيات:

- عدم تحقيق المساواة النسبية بين الدوائر من ناحية عدد الناخبين مما ينتج عنه عدم تكافؤ المرشحين في عدد الأصوات التي يحتاجونها للنجاح من دائرة إلى أخرى.

- بروز التكتلات الطائفية والقبلية والفئوية في المجتمع بصورة أثرت على الدولة ومؤسساتها.

- تحول النائب من ممثل للأمة يرعى مصالحها (المادة 108) من الدستور بل ومن متحدث باسم المنطقة الانتخابية التي يمثلها إلى ممثل للقبيلة أو الطائفة أو الفئة التي هو منها يحرص على رعاية مصالحها الضيقة حتى لو تصادمت هذه المصالح مع المصلحة العامة للوطن.

- نجاح أعضاء لا يملكون رؤية واضحة وأهداف محددة لنهضة الوطن ورعاية مصالحة ما أدى إلى الإضرار بالمصلحة العامة للبلاد والعباد.

- الانحراف في استخدام الأدوات البرلمانية خاصة (الأسئلة البرلمانية والاستجواب).

- تحول الممارسة الديموقراطية إلى تنافس قبلي طائفي فئوي أثر على تنمية البلاد وذهاب حقوق العباد.

- أثر الاستقطاب الطائفي والقبلي والمصلحي على جميع المؤسسات ذات الطابع الانتخابي مثل المجلس البلدي والجمعيات التعاونية والاتحادات والجمعيات الطلابية والنقابية.

- التأثير على النتائج من خلال التلاعب في القيود الانتخابية بالسكن الصوري في المناطق الانتخابية.

- هدر كبير في أصوات الناخبين الذين لا ينتمون إلى التكتلات القبلية أو الطائفية الكبيرة لعدم شعورهم بأهمية تصويتهم فيعزفون عن التسجيل أو التصويت.

يتطلب حكومة قوية وإنشاء مفوضية للانتخابات وتحديد سقف تكاليف الحملات الناخبية
التقسيم المقترح... 10 دوائر يُختار ناخبوها حسب الأحرف الأبجدية
إن تقسيم الدوائر الانتخابية في أي بلد ديموقراطي بشكل عادل وموضوعي ينسجم مع متطلباته، يعتبر ركيزة أساسية للوصول إلى مجلس منتخب يحقق أمنياته، ويقود إلى ممارسة راشدة ترسم أهدافه المستقبلية بكل موضوعية، ويمثل القاعدة الأولى في بنيان ديموقراطي سليم.

والمقترح أن تقسّم الكويت إلى 10 دوائر انتخابية، يتم اختيار الناخبين فيها على أساس الأحرف الأبجدية، وفقاً لما هو ثابت في سجلات الهيئة العامة للمعلومات المدنية وتنتخب كل دائرة خمسة أعضاء ويكون لكل ناخب حق الادلاء بصوته لمرشح واحد في الدائرة المقيد فيها، وأن تكون هناك إعادة تقسيم للدوائر على نفس النمط قبل كل انتخابات. أهداف المقترح:

- المساواة في عدد الناخبين في كل دائرة.

- مواجهة التمركز السكني القائم على الاستقطاب الطائفي أو القبلي أو الفئوي.

- يجعل ارتباط النائب بالناخب قائم على الأفكار والمقترحات لا المصالح الفردية. - يجعل المفاضلة بين المرشحين قائمة على ما يطرحونه من أفكار لا على العلاقات الشخصية والمصلحية.

- يوجه طرح النائب في البرلمان للقضايا الكلية والوطنية. - يمنع العبث بالجداول الانتخابية.

- يفتح المجال لكل من له القدرة على اقناع الناس بالأفكار للوصول إلى عضوية المجلس، من دون الاعتماد على الطائفة أو القبيلة أو الطرق غير المشروعة الأخرى.

- يجعل الجميع يشعر بأهمية صوته وتأثيره بالعملية الانتخابية فيدفعه للمشاركة الإيجابية بالتصويت.

الانتقادات

- إن هذا النظام جديد وغير مجرب وغير معروف النتائج: هذا الكلام صحيح، ولكننا طبقنا النظام القائم على التوزيع الجغرافي، وأجرينا التغييرات على عدد الدوائر وعدد الأعضاء، لمعالجة المظاهر السيئة التي صاحبت العملية الانتخابية وتخلفت عنها، ولكن النتيجة بأن الخلل مستمر وفي تزايد، ما يؤكد أن الخلل ليس في عدد الدوائر أو عدد الأعضاء بل في طبيعة التوزيع الجغرافي.

ثم إن عدم تطبيق النظام لا يعني عدم صلاحيته وكل نظام يحتاج إلى البداية والمراجعة.

- إن هذا النظام يُضعف العلاقة بين النائب والناخب فتضعف الرقابة على أداء النائب: نعم النظام يفقد سيطرة الناخب على النائب هذه السيطرة التي وجدنا انحرافها على أرض الواقع فجعلت النائب أسيراً للمطالبات الشعبية حتى ولو كانت على حساب الاستحقاقات الوطنية.

ولكنه لا يضعف الرقابة الشعبية المستحقة فوضع الكويت الاجتماعي وحجمها الجغرافي والتقارب بين الناس، وسهولة المتابعة تجعل النائب تحت رقابة الشعب كله، خصوصاً بعد اتساع وتطور وسائل التواصل الاجتماعي.

- إن هذا النظام قد يؤدي إلى حرمان بعض الفئات والأقليات من الحصول على تمثيل في البرلمان: هذا الكلام غير صحيح، هذا النظام سيؤدي إلى أن تكون المفاضلة بين المرشحين على أساس الفكر والطرح، ولنا مثل على ذلك ما كان يحدث في الدائرة الثامنة في نظام الـ 25 دائرة (مشرف وبيان وحولي...) حيث كانت تعتبر كويتاً مصغرة ونموذجاً مشعاً للممارسة الديموقراطية.

كما أن حجم الكويت وطبيعة العلاقات الاجتماعية بين مكونات المجتمع، لا يسمحان بوجود هذا التفريق، وليس من المصلحة إحياء مثل ذلك التفكير.

- إن هذا النظام سيؤدي إلى سيطرة قبلية أو طائفية على أغلبية أعضاء المجلس: هذا الكلام غير صحيح، فنحن نجد الآن في الدوائر القبلية، وبسبب التركيز المناطقي، أن هناك هدراً كبيراً في الأصوات غير القبلية أو الطائفية رغم قدرتها على التأثير.

كما أن التمثيل القبلي والطائفي العددي في البرلمان لن يتأثر، ولكن سيكون الاختيار له مختلف حيث سيبرز أصحاب الطرح الفكري والمواقف الواضحة منهم على حساب أصحاب العدد العائلي الأكبر.

مع ذلك نقول بإن هذا النظام لن يكون العصا السحرية التي يمكن أن تغير الأوضاع إلى الأحسن وإنما هو خطوة في الطريق تحتاج إلى أن تساندها خطوات أخرى مثل:

- اختيار حكومة رجال دولة تضع خطة للعمل، وتمارس صلاحياتها وفقاً للدستور والقانون بشفافية وعدالة ومساواة.

- أن يصاحب هذا النظام إنشاء المفوضية العامة للانتخابات.

- تحديد تكلفة الحملة الانتخابية ونقترح ألا تزيد على 100 ألف دينار تكون خاضعة لرقابة هيئة مكافحة الفساد.

- تجريم الممارسات والطرح الطائفي أو القبلي أو الفئوي واعتبارها من الجرائم المانعة من الانتخاب والمسقطة للعضوية.

آلية التعديل

لا شك أن آلية التعديل، كما رسمها الدستور، هي بتقديم مشروع أو اقتراح بقانون في ظل وجود مجلس أمة وفقاً للإجراءات التي رسمها الدستور ولائحته الداخلية.

إلا أن التجارب أثبتت أن أعضاء مجلس الأمة الذين نجحوا وفقاً لنظام انتخابي معين، لن يتجاوبوا مع أي تعديل من شأنه إحداث تغيير جذري في قانون الدوائر الانتخابية.

وهذا ما أكدته المحكمة الدستورية في حكمها الصادر بالطعن 15 /2012، حيث بينت في البند سادساً حينما بررت حكمها برفض الطعن بعدم دستورية المرسوم بقانون 20 /2012 بتعديل القانون 42 /2006 بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الأمة، حيث قالت «لا وجه للقول في هذه الحالة بأن الأمر في تحديد الدوائر الانتخابية وطريقة التصويت في الانتخابات منوط بنواب الأمة بصفتهم التشريعية، وأنه لا يجوز للحكومة تعديله بما يوافق مصلحتها، إذ إنه في المقابل للنواب مصلحة مفترضة أيضا، لأن مصيرهم أن يرشحوا أنفسهم في الانتخابات في مستقبل الأيام، فكيف يراد من النائب أن يمعن النظر إلى مقترح في هذا الأمر بعين المشرع دون عين المرشح...».

لذلك نرى: أن يصدر هذا التعديل بموجب مرسوم قانون وفقاً للمادة 71 من الدستور لوجود المصلحة الملحة التي تساهم في تعديل المسار وتحمي البلاد من التفكك وتصون الوحدة الوطنية وتمنع من فرقة المجتمع وتفتيته الى جزر متنافرة وترتقي بالممارسة الديموقراطية بما يخدم البلاد والعباد.

في الختام نقول بأنه إذا أردنا فعلاً أن نحدث التغيير فيجب علينا أن نتوقف عن التقدم على ذات الطريق الذي كنا نسير عليه وأثبت عدم جدواه، لأننا حتما سنجني ذات النتائج السيئة التي كنا نحصل عليها.

فعلينا أن نحدث التغيير باختيار طريق جديد، قد يخشى المترددون والجبناء اتباعه، ولكن القادة المبدعين والمتميزين يختارونه، لأنه أصل الإبداع والتميز، وهنا تحدث المنعطفات التاريخية التي يذكرها الناس جيلاً بعد جيل. وكما قال الشافعي:

قد مات قوم وما ماتت مكارمهم

وعاش قوم وهم في الناس أموات

حاجة التغيير... ومخاطره

موضوعية التقسيم وسلامة المخرجات

لا ينبغي التقليل من أهمية تحديد الدوائر الانتخابية، إذ إن لتقسيم الدوائر الانتخابية أثر كبير في تحديد شكل المجلس ونوعية الخطاب السياسي والأداء البرلماني.

وكلما كان التقسيم قائماً على معايير موضوعية محايدة، كانت مخرجات الانتخابات تمثل تمثيلاً صادقاً للمصلحة الوطنية، بعيداً عن الاستقطاب القبلي والطرح الطائفي والفئوي.

فالسلبيات التي كشفت عنها الممارسات السابقة والواقع الاجتماعي وطبيعة الطرح السياسي والرؤية المستقبلية التي يعمل من أجلها المشرع للمستقبل، هي التي تُحدد الحاجة للتغيير وكيفية تنفيذه.

وقد جاء خطاب سمو ولي العهد، المكلّف بإلقائه من قِبل سمو الأمير، متحدثاً في هذه الجزئية، محذراً من مغبة الاستمرار بالطرح الطائفي والقبلي والفئوي واتخاذه معياراً للاختيار، داعياً المواطنين إلى حُسن الاختيار بما يُحقق مصلحة البلاد والعباد.

ولا شك في أن لهذا الخطاب الأبوي التوجيهي دوره الأدبي في نفوس الشعب، ويرسم توجهات مهمة لبناء المستقبل.

عراقيل أمام الوصول للغاية

تقف أمام التوجيه السامي مخاطر قد تؤدي إلى عدم تحقيق النتيجة المرجوة، ومنها:

- تعودت هذه المجموعات (الطائفية والقبلية والفئوية) على هذا النمط من الانتخابات منذ مدة طويلة، ومن الصعب عليها أن تتخلى عنه بسهولة وبصورة كاملة.

- إن التركيز القبلي والطائفي حقيقة على أرض الواقع، وسيخضع له الناخب ما دام قائماً.

- هناك شعور انغرس في أذهان الكثيرين وقيادات التوجهات القبلية والطائفية، أن الكرسي للقبيلة والطائفية، وعدم التوحّد هو تفريط بهذا الحق لن يتقبلوه.

- التوجه الإصلاحي للخطاب يُمثل صدمة وانعطافاً في محاربة الفساد الذي عشعش وتغلغل في أركان الدولة، واستفاد أصحابه من ذلك كثيراً، وليس من السهل أن يتركوا الساحة لمجرد وجود الخطاب،

لذلك فأصحاب هذا التوجه الفاسد سيحاربون بكل ما أوتوا من قوة لإفشال هذا التوجه ما لم تسنده قوانين قائمة.

متطلبات تشريعية

لكي يُحقق الخطاب دوره في تحقيق ما تصبو إليه الأمة من إصلاح، لابد من وجود أدوات تشريعية تُساهم في خلق بيئة صالحة تُساعد الناخب على حُسن الاختيار، ومن هذه الأدوات التشريعية نحتاج إلى:

- قانون بإنشاء لجنة وطنية عليا للانتخابات.

- اعتماد سجلات الهيئة العامة للمعلومات المدنية في تحديد أسماء الناخبين.

- تعديل قانون الدوائر الانتخابية.

قواعد عامة لأيّ نظام انتخابي

يجب أن نقرّ بأنه لا يوجد نظام عالمي معتمد لتقسيم الدوائر الانتخابية، كما أن صلاح نظام لبلد معيّن، لا يعني بالضرورة صلاحيته لبلد آخر، فكل بلد له خصوصيته وطبيعته ومشاكله.

كما أن لكل نظام إيجابياته وسلبياته، لذلك يجب أن يخضع دائما للمراجعة والمراقبة المستمرة والدورية. ولكن هناك قواعد عامة يجب على أيّ نظام انتخابي أن يُراعيها منها:

- أن يُحقق تقسيم الدوائر المساواة في عدد الناخبين، في كل دائرة ما أمكن ذلك (الفقرة ب من المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية).

- تساوي أعداد الممثلين لكل دائرة،حتى يكون هناك توازن في قيمة الصوت الانتخابي للمواطن.

- لا بد من دقة التوزيع بالاعتماد على البيانات الإحصائية السكانية الدقيقة أو البطاقة الوطنية المعتمدة.

- أن تكون هناك مراجعة مستمرة لتقسيم الدوائر قبل أيّ انتخابات، لتصحيح ما يطرأ عليها من عيوب أو زيادة في عدد السكان أو غيرها من معطيات.

- يجب أن يسند النظر في تغيير الدوائر، إلى جهة مستقلة عن الجهة الانتخابية والبرلمانية، للبُعد عن تضارب المصالح.