في ليلة وطنية شارك فيها لفيف من السياسيين والنشطاء والمجتمع المدني، إضافة إلى أصدقاء الفقيد من مملكة البحرين، اعتبر المؤبنون أن الرمز الراحل الدكتور أحمد الخطيب، قامة سياسية فكرية ينبغي تدوين مسيرتها وتدريسها لأجيال المستقبل، وهو الذي وجّه بوصلته دائماً نحو الوطن، ولم تحد عنه يوماً.

وقال رئيس مجلس الأمة الأسبق أحمد السعدون، خلال الفعالية التي نظمها المنبر الديموقراطي، مساء أول من أمس، إن فكر الخطيب سيبقى دافعنا للمطالب، بأن يكون للأمة حريتها السياسية، وأن تكون الأمة مصدر السلطات جميعاً.

وأضاف السعدون: «هذا الفكر طرحه الخطيب في أول جلسة للمجلس التأسيسي، كأنه كان يستشرف ما نعيشه الآن، وهو يعلق على ديباجة الدستور، عندما تساءل (هل هذا الدستور سيأتي بمزيد من الحريات السياسية؟ لكن لا أجد هذا ضمن مواد الدستور). وقد رد عليه الدكتور عثمان عبدالملك وقتها بـ(أن الحريات ستتحقق عندما يتم الانتهاء منه)، ليرد الخطيب بأن (الممارسات هي الشاهد)».

وأضاف أنه «في الجلسة الثانية لمناقشة دستور سبتمبر 1962، وقف عند المادة 56 من الدستور وكيف نضع في الدستور نصاً يكون فيه أعضاء في المجلس معينين، حيث كان هناك اتجاهان بأن يبقى تشكيل الحكومة كلياً للسلطة، ورأي آخر بالاتجاه إلى الحكومة البرلمانية، ولم يحصل اتفاق على ذلك، واتفق في ما بعد كما هو منصوص الآن أن تتشكل الحكومة من المجلس وخارجه».

ولفت إلى دعوة الفقيد وقتئذ للحكومة البرلمانية، وقد واجه ردود فعل غاضبة من البعض، لكن هذا العملاق لم يهتز خلال تلك الجلسة.

وزاد «في الجلسة الثالثة لمناقشة الدستور قال كلام كأنه اليوم بأحرف من ذهب، عندما بدأ النقاش بالتصديق على المضبطة، ثم أبدى ملاحظة تبينت أهميتها الآن، مبدياً استغرابه من أنه (في المجلس التأسيسي، كانت تتم مناقشة تقارير اللجان، ولكننا اليوم نناقش الدستور وليس لدينا تقرير من لجنة الدستور)».

بدوره، أبّن أمين عام حركة العمل الشعبي «حشد» النائب السابق مسلم البراك الراحل في كلمة ألقاها رئيس المكتب الإعلامي لـ«حشد» محمد الذايدي.

وقال البراك في كلمته «ندرةٌ هم الذين يملكون نظرة ثاقبة يستشرفون بها معالم المستقبل، ويرسمون بأذهانهم ما وجب أن يكون... وندرةٌ هم من يهبون حياتهم لتحقيق رؤيتهم، يسعون لها بالحكمة والحصافة، وفقيدنا الكبير كان أحد هؤلاء. إنه أحد رجالات الكويت العظام، يرحلون أبداناً، وتبقى سيرتهم خالدة».

وتابع: «أول مرة شاهدت فيها أحمد الخطيب كنت رئيساً لنقابة البلدية والإطفاء. كانت بداية معرفتي بهذا الإنسان الوطني المخلص، الذي كانت وبقيت بوصلته متجهة دائماً نحو الوطن، لم تحد يوماً عن الطريق».

وتابع: «أتشرف أني قضيت معه جلسات نقاشية مطولة، وتعرفت إليه عن قرب، تعلمت منه، وأفادتني ملاحظاته الدقيقة التي تنم عن فكر ثاقب عميق الاطلاع»، مؤكداً «العمل على حمل رؤية ورسالة أحمد الخطيب، كي يعرفها شباب الكويت وأجيالنا القادمة، ومهما قلنا لن نوفيه حقه، لكن واجبه علينا أن نصون إرثه وسيرته العطرة».

وختم «ما أقسى أنْ أتحدث عن موتِ أخٍ بمثابةِ الأب والمعلم، وعنْ فقدانِ صديقٍ نفخر بأننا عشنا في زمن أحمد الخطيب الذي كانَ بمثابةِ السندْ، أفنى حياتَهُ لوطنه، وقامَ بتأديةِ واجبهُ الوطني طوالَ مشوار عمره على أكملِ وجهٍ، وتركَ إرثاً وطنياً تتعلّمُ منهُ الأجيالُ القادمةُ».

بدوره، قال النائب حسن جوهر، إن ذكرى الخطيب خالدة في النفوس، لأن هذا الإنسان لم يتغير، فأحمد الخطيب عام 1962 هو ذاته أحمد الخطيب 2022.

وتابع «عندما كان الموقف مهم للكويت والكويتيين، وعلى هامش جلسات الحوار الوطني أكتوبر الماضي، كان ضمن الذين حرصت على استشارتهم هو الدكتور الخطيب».

وزاد «قال لي مجموعة كلمات كان صداها واضحاً، واستشراف مستقبلها جلياً: (الحوار إذا دعت له السلطة فاعرف أنها في أضعف فتراتها، اثبتوا في مواقفكم والدفاع عن الدستور، لأنه من دون احترامه وتطبيقه لا مجال لأي نوع من الحوار، وهذه الحكومة لن تلتزم بما تؤول إليه نتائج الحوار)... وصدق الرجل، رحمه الله».

بدوره، قال الأمين العام للمنبر للديموقراطي عبدالهادي السنافي، إن الخطيب ناضل بجهد وتفانٍ لترسيخ دعائمه، وألّف شعبنا على الاحتكام لروح الدستور ومواده، حتى أضحينا عنواناً للخليج والوطن العربي برمته.

وبيّن أن الخطيب كان نازعاً للسلم والشراكة بين المجتمع والسلطة، فمبادئ الطب صانت ثوابته وقسمه ليحفظ ويقدس كرامة الإنسان وحقوقه الطبيعية والمدنية، مهما اختُلِف معه فكرياً وثقافياً، لافتاً إلى أنه تصدى بكل شجاعة وحكمة للسلطة وكان لصيقاً بالشعب متفهماً معاناته، مدافعاً عن مصالحه وثرواته، فارساً من فرسان القومية العربية، ومن روادها الأوائل.

وأضاف ان الخطيب مصدرٌ للإلهام ومشعل ريادة للعمل الجماعي والمؤسس الأبرز لتنظيم المنبر الديموقراطي، المتجاوز لكل الأُطر والفوارق الاجتماعية والطبقية إلى رحابة المجال السياسي العام، أبى الخطيب الخضوع كتابع ومقيّد في مدار السلطة وشبهاتها، بل كان «أبا روحياً» للنضال الوطني وبوصلته.

أما رضي الموسوي، أحد أصدقاء الراحل الخطيب من مملكة البحرين، فتطرق إلى مسيرته الحافلة وإسهاماته في صناعة التاريخ في مختلف مراحل حياته، ودوره الكبير الواضح في كل ما أحرزته الكويت من مكاسب وطنية وديموقراطية، أثرت على المنطقة، كما أنه أسهم في كتابة الدستور، الذي يعتبر خطوة نوعية كويتية حققها الشعب الكويتي في منطقة تعاني من التخلف والاستعمار.

من جانبه، لفت أمين اللجنة المركزية للحركة التقدمية محمد الظفيري، إلى إيمان الخطيب بدور المؤسسات والمجتمع المدني ودوره في الصحافة الحرة ومساهمته في جريدة الإيمان مطلع الخمسينات، وصولاً الى جريدة الطليعة، معتبراً أنه ليس فرداً بل فكرة راسخة.

أما أمين عام التحالف الوطني الديموقراطي بشار الصايغ، فلفت إلى أن الراحل بدأ «من بيروت رحلة القومية العربية، ومن الكويت رحلة الديموقراطية».

وأضاف: «نفتقد قامة سياسية عريقة أثرت الحياة السياسية والديموقراطية بمنابرها»، مبيناً أن الخطيب لم يتنازل عن مبدأ باسم الوطن والشعب، ولم تؤثر فيه ثائرة قبلية أو طائفية أو فئوية، لافتاً إلى مسيرته الزاخرة بالعطاء الفكري السياسي.