المتتبع للأحداث الأخيرة على الساحة الكويتية من أعمال استفزازية وردود أفعال لها يتيقن أن الوضع بدأ يخرج عن سيطرة الحكومة، وهذا ما كنا نخافه ونحذر منه دائماً.
نحن في الكويت حبانا الله سبحانه وتعالى بنعمة الحرية، وهو إرث غالٍ علينا استورثناه من رجال مخلصين سبقونا، أرادوا لبلدهم وشعبهم الحرية المسؤولة والديموقراطية المنضبطة من خلال التعاون الراقي بين الحاكم والمحكوم وبين أفراد الشعب أنفسهم.
إلا أننا الآن نرى عكس ذلك فقد تم تجاوز هذه الحرية بالتعدي على الآخرين بالتجريح والسب والقذف والتطاول على أعراض الناس وخصوصياتهم، كما فعل أحد الجهال في الأيام الماضية عبر قناته الخاصة. وقد استخدم أسلوباً سوقياً متدنياً استعمل من خلاله أقذر العبارات وأسوأ المصطلحات التي لم نعهد سماعها من قبل. فنحن كشعب كويتي مهما اختلفنا لا يمكن أن يصل بنا الحال إلى هذا المستوى المتدني من الأخلاق في التعامل مع بعضنا، لأننا ندرك أهمية الوحدة الوطنية والمحافظة على نسيجها الاجتماعي. وقبل ذلك نحترم أنفسنا ونحترم الآخرين.
بقدر استغرابي من ظهور ذلك الشخص على الساحة بهذا الفعل الاستفزازي فإنني أستغرب كذلك ردود أفعال مبالغ فيها من الأخوة أعضاء مجلس الأمة الذين جعلوا من هذا الشخص نجماً يظهر على الصفحات الأولى في الصحف، وفي عناوين الأخبار في المحطات الفضائية. كما أنني أتعجب عدم إدراكهم مساوئ تهييج الناس ودفعهم للمظاهرات والمسيرات والاعتصامات وغيرها من الظواهر الدخيلة على مجتمعنا، والتي ما أنزل الله بها من سلطان، بل إن كثيراً من أهل العلم من حرمها أمثال الشيخ عبد العزيز بن باز وبن عثيمين وناصر الدين الألباني (رحمهم الله جميعاً). فقد حرموها للمفسدة العظيمة التي قد تنتج عنها من سب وقذف وتطاول على الحكام وعلى الناس، وقد يصل الحد إلى التصادم مع رجال الأمن، وبالتالي يفقد الجميع السيطرة عليها. ولنا في الدول الأخرى عبرة كالجزائر التي فقدت الحرية التي كانت تتمتع بها بسبب هذه الممارسات، ويصف لنا هذا الوضع الكاتب عبد الملك رمضاني الجزائري، صاحب الكتاب الجميل «مدارك النظر في السياسة بين التطبيقات الشرعية والانفعالات الحماسية»، الذي قرظه العلامة ناصر الدين الألباني والعلامة عبد المحسن العباد. يقول الكاتب باختصار: «كنا في الجزائر نعيش في حرية كاملة إسلاميين وغير إسلاميين لا يكدر حريتنا شيء حتى جاءت الانتخابات المشؤومة وتصادم الشعب مع الحكومة، وقاد علي بلحاج وعباس مدني المظاهرات والاعتصامات وحركوا الشارع الجزائري عن طريق الخطابات الحماسية وهيجوا الناس، وبدأ الصدام وسفكت الدماء وفقد الجميع السيطرة على الوضع. ثم بدأت الحكومة تستخدم كل إمكاناتها لتحكم سيطرتها على الناس وقيدت حريتهم بما فيها حرية العبادة، حتى أصبح الإنسان يخاف أن يذهب للمسجد للصلاة بعد ما كانت المساجد تكتظ بالمصلين. أما الآن فقد فقدنا تلك النعمة بسبب التصرفات غير المسؤولة وردود الأفعال الحماسية غير المنضبطة». انتهى كلامه باختصار.
هذا مثال حي لعدم إدراك عواقب الأمور، وصورة من صور فقد نعمة الحرية. لذلك يجب أن نعتبر منها، فكان تحذير العلماء في مكانه. يقول الحسن البصري: «إن هذه الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم وإذا أدبرت عرفها كل جاهل».
نعم، نحن مع أعضاء مجلس الأمة في محاسبتهم لوزير الإعلام على عدم سيطرته على وزارته، لكن ليس بالطريقة الغوغائية والمظاهرات وتهييج الناس، بل نريد محاسبته بالطريقة الديموقراطية وعن طريق الأدوات الدستورية في مجلس الأمة فقط. وإن لم يستطع الأخوة الأعضاء تحقيق ذلك فيجب أن يقبلوا بأن الديموقراطية حلوة مرة.
كلي أمل أن يدرك الجميع أن نعمة الحرية ليست للعبث، وأن نعمة الأمن ليست مجالاً للمجازفة، وأن شرارة الفتنة يمكن أن تشتعل في أي وقت، وإذا اشتعلت فسوف تحرق الجميع.
نحن في أمسّ الحاجة أمام هذه الظروف المزعجة، وفي ظل هذه التحديات غير المسبوقة في مجتمعنا، أن نحافظ على مكتسباتنا، وأن نصون ديموقراطيتنا، ونذود عن وحدتنا الوطنية التي كانت وستبقى صمام الأمان بعد الله عز وجل والضمان الأساسي لاستقرار هذا البلد.
أسأل الله أن يحفظ هذا البلد وأن يحفظ أهله... إنه سميع مجيب.
د. محمد جبر الحامد الشريف
نحن في الكويت حبانا الله سبحانه وتعالى بنعمة الحرية، وهو إرث غالٍ علينا استورثناه من رجال مخلصين سبقونا، أرادوا لبلدهم وشعبهم الحرية المسؤولة والديموقراطية المنضبطة من خلال التعاون الراقي بين الحاكم والمحكوم وبين أفراد الشعب أنفسهم.
إلا أننا الآن نرى عكس ذلك فقد تم تجاوز هذه الحرية بالتعدي على الآخرين بالتجريح والسب والقذف والتطاول على أعراض الناس وخصوصياتهم، كما فعل أحد الجهال في الأيام الماضية عبر قناته الخاصة. وقد استخدم أسلوباً سوقياً متدنياً استعمل من خلاله أقذر العبارات وأسوأ المصطلحات التي لم نعهد سماعها من قبل. فنحن كشعب كويتي مهما اختلفنا لا يمكن أن يصل بنا الحال إلى هذا المستوى المتدني من الأخلاق في التعامل مع بعضنا، لأننا ندرك أهمية الوحدة الوطنية والمحافظة على نسيجها الاجتماعي. وقبل ذلك نحترم أنفسنا ونحترم الآخرين.
بقدر استغرابي من ظهور ذلك الشخص على الساحة بهذا الفعل الاستفزازي فإنني أستغرب كذلك ردود أفعال مبالغ فيها من الأخوة أعضاء مجلس الأمة الذين جعلوا من هذا الشخص نجماً يظهر على الصفحات الأولى في الصحف، وفي عناوين الأخبار في المحطات الفضائية. كما أنني أتعجب عدم إدراكهم مساوئ تهييج الناس ودفعهم للمظاهرات والمسيرات والاعتصامات وغيرها من الظواهر الدخيلة على مجتمعنا، والتي ما أنزل الله بها من سلطان، بل إن كثيراً من أهل العلم من حرمها أمثال الشيخ عبد العزيز بن باز وبن عثيمين وناصر الدين الألباني (رحمهم الله جميعاً). فقد حرموها للمفسدة العظيمة التي قد تنتج عنها من سب وقذف وتطاول على الحكام وعلى الناس، وقد يصل الحد إلى التصادم مع رجال الأمن، وبالتالي يفقد الجميع السيطرة عليها. ولنا في الدول الأخرى عبرة كالجزائر التي فقدت الحرية التي كانت تتمتع بها بسبب هذه الممارسات، ويصف لنا هذا الوضع الكاتب عبد الملك رمضاني الجزائري، صاحب الكتاب الجميل «مدارك النظر في السياسة بين التطبيقات الشرعية والانفعالات الحماسية»، الذي قرظه العلامة ناصر الدين الألباني والعلامة عبد المحسن العباد. يقول الكاتب باختصار: «كنا في الجزائر نعيش في حرية كاملة إسلاميين وغير إسلاميين لا يكدر حريتنا شيء حتى جاءت الانتخابات المشؤومة وتصادم الشعب مع الحكومة، وقاد علي بلحاج وعباس مدني المظاهرات والاعتصامات وحركوا الشارع الجزائري عن طريق الخطابات الحماسية وهيجوا الناس، وبدأ الصدام وسفكت الدماء وفقد الجميع السيطرة على الوضع. ثم بدأت الحكومة تستخدم كل إمكاناتها لتحكم سيطرتها على الناس وقيدت حريتهم بما فيها حرية العبادة، حتى أصبح الإنسان يخاف أن يذهب للمسجد للصلاة بعد ما كانت المساجد تكتظ بالمصلين. أما الآن فقد فقدنا تلك النعمة بسبب التصرفات غير المسؤولة وردود الأفعال الحماسية غير المنضبطة». انتهى كلامه باختصار.
هذا مثال حي لعدم إدراك عواقب الأمور، وصورة من صور فقد نعمة الحرية. لذلك يجب أن نعتبر منها، فكان تحذير العلماء في مكانه. يقول الحسن البصري: «إن هذه الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم وإذا أدبرت عرفها كل جاهل».
نعم، نحن مع أعضاء مجلس الأمة في محاسبتهم لوزير الإعلام على عدم سيطرته على وزارته، لكن ليس بالطريقة الغوغائية والمظاهرات وتهييج الناس، بل نريد محاسبته بالطريقة الديموقراطية وعن طريق الأدوات الدستورية في مجلس الأمة فقط. وإن لم يستطع الأخوة الأعضاء تحقيق ذلك فيجب أن يقبلوا بأن الديموقراطية حلوة مرة.
كلي أمل أن يدرك الجميع أن نعمة الحرية ليست للعبث، وأن نعمة الأمن ليست مجالاً للمجازفة، وأن شرارة الفتنة يمكن أن تشتعل في أي وقت، وإذا اشتعلت فسوف تحرق الجميع.
نحن في أمسّ الحاجة أمام هذه الظروف المزعجة، وفي ظل هذه التحديات غير المسبوقة في مجتمعنا، أن نحافظ على مكتسباتنا، وأن نصون ديموقراطيتنا، ونذود عن وحدتنا الوطنية التي كانت وستبقى صمام الأمان بعد الله عز وجل والضمان الأساسي لاستقرار هذا البلد.
أسأل الله أن يحفظ هذا البلد وأن يحفظ أهله... إنه سميع مجيب.
د. محمد جبر الحامد الشريف