يوثق کتاب «الكويت في زمن الأربعينيات والخمسينيات... شهود وشهادات» لمؤلفه حمد عبدالمحسن الحمد، شهادات وروايات شخصيات كويتية عايشت تلك الفترة من القرن العشرين الماضي... فترة تاريخية حاسمة ومهمة عاشها المجتمع الكويتي والخليجي، حيث كان عصر الغوص والسفر للتجارة شارف على الانتهاء، فقد تم اكتشاف اللؤلؤ الاصطناعي الذي هدد رزق أهل الخليج، وحدث استقلال الهند عام 1947 عن بريطانيا، ما حد بشكل كبير من تجارة أهل الكويت مع الهند، التي فرضت حكومتها بعد الاستقلال ضرائب عالية على أصحاب السفن والمكاتب التجارية الكويتية، وكان لهذا كله أثر كبير وسلبي على وضع الكويت الاقتصادي.

وما إن توقفت الحرب العالمية الثانية، حتى بدأ تصدير النفط، وانتعشت الكويت وغيرها من دول خليجية، وحدث ازدهار اقتصادي وتغير اجتماعي وثقافي كبير، لهذا فإن مواليد تلك الفترة وقبلها هم شهود على مجتمع متغيّر، وهم ينقلون لنا بمصداقية عبر شهاداتهم أحوال مجتمعهم من الفريج والبيت القديم، الكتاتيب وبداية التعليم النظامي، وتقاليد اجتماعية اختفت، الأسواق الشعبية والفرضة ومظاهر شهر رمضان والأعياد وهكذا.

وتميز الكتاب بالأحاديث العفوية وباللهجة المحلية، لهذا نجد في مضمون الشهادات مادة طبيعية، حيث تعمد الكاتب عدم إضافة كلمات معجمية حتى لا يخرج عن أقوال المتكلم، وأن يكون هناك أمانة بالنقل من قبله من دون تغيير، لذا نجد مضمون الشهادات خليطاً بين الفصحى والعامية، مع التأكيد أن الشهادات لا تقتصر على فترة الأربعينيات والخمسينيات، إنما تشمل ملامح وروایات عن فترات ما قبلها وما بعدها.

وتعتبر مادة الكتاب توثيقاً بجهد تطوعي، واجتهاداً فردياً من المؤلف، حيث يقدم لأجيال مواليد الستينيات وما فوق، واقع مجتمعهم في تلك الفترات الزمنية من عمر الوطن، لتعتبر وثيقة تاريخية وشهادات حية ترسم ملامح تلك الفترة.

وفي ما يلي اقتباسات من الـ51 شخصية التي تحدثت عن الذكريات وملامح تلك المرحلة:

عبدالله بشارة

جاء في شهادة الدكتور عبدالله بشارة، أن الكويتية، كانت تدير في غياب الزوج مملكتها، وكانت تحرص على التوافق بين المصاريف والقدرة، وبين ما نشتهي وبين ما نقدر، حيث في بيتنا كنا تحت ضغط 10 أشخاص، سيدات وصغار وكبار، ويحتاج الأمر إلى كابتن قائد صلب، ولدى المرأة الكويتية إيثار عجیب، حيث تعرف أن هذه الحياة صعبة والموجود محدود، فتنظم الحياة على هذا الأساس، حيث تجد السيدة الكبيرة تدير المنزل باقتدار، ولا أحد يشاركها بالرأي، وهذا مثل سير الحياة في البوم في عرض البحر، وكنت أرى والدتي کنوخذة تدير سفينة المنزل، كما يدير النوخذة البحارة على ظهر السفينة، وهذا الانضباط هو في الحقيقة الذي حافظ على السكينة في الكويت، وكذلك كان المجتمع، السكينة بمعنى استمرارية الحياة مع قسوتها، وهذا الرضا، وهذا القبول بالموجود والقناعة، ولا تجد أحداً يتطاول على أحد، وأذكر عندما كنت ألعب مع الأولاد في الشارع تحرص والدتي أن أرجع في وقت مبكر للبيت، كوني أمانة تركها والدي لديها، ولم يكن فيه تسيب، وكذلك كانت ترعى جدي معيوف، الذي كان كبيراً بالسن وعاجزاً، في ذلك الزمن ما كان لدى الناس شهوة بالحياة والتجمل والبروز والزينة، وكان الاحترام موجوداً بين الجيران وعلاقتهم طيبة.

محمد السنعوسي

قال محمد السنعوسي في شهادته: «كان سكن العائلة والأهل وأهل الوالدة في حي الصالحية، حيث ولدت، فالموقع في براحة نايف بين المقبرة وبين قصر نايف، ومن الجيران مقابل بيتنا أسرة عبدالعزيز الرشيد البداح المؤرخ، وهناك بيت الحاي ويليه بيت ياسين الغربللي والفارس وجيران آخرون... وبيتنا في الصالحية كان فيه حوشان حوش للبقر والغنم وحوش لنا، وفيه كنجية، وكان بيتاً واسعاً ومريحاً وكان ملكاً للوالد».

وتطرق السنعوسي إلى دوره في التلفزيون، ومنها تقديره للمكانة الفنية للفنان عوض دوخي، ونجاحه في إقناع الفنان عبداللطيف الكويتي لتسجيل أغانيه.

وقال: «لي حكايات مع كبار الفنانين ومنهم عوض دوخي وهو فنان لا يتكرر، لكنه حساس وصاحب مزاج، إذا دخل الاستديو يجلس (يدوزن العود) تقریباً نصف ساعة، وهذا تلفزيون ونحن على الهوا أو بداية تسجيل، ولا يقبل أن يتكلم معه أحد، والتسجيل محدد بوقت، وإذا غضب لا يكمل التسجيل، لكن نقدره لمكانته الفنية».

وأضاف: «أما عبداللطيف الكويتي، فكان يرفض أن تسجل له، وكان مايحب التلفزيون، لكن هو فنان كبير وكنا نسعى للتسجيل له، لهذا من أجل إقناعة «ذهبنا أنا ورضا الفيلي له في منزله، ورحت أسولف معه و(أتغشمر)، وبعد ذلك اقتنع، وقال لي: (علشانك بجي للتلفزيون لكن بشروط)، وكان أول شرط هو أن تأتي له (دلة أو غوري حليب) من قصر دسمان قبل التسجيل، والشرط الثاني (تدعون كل مطربي الكويت يجلسون خلفي يردون علي أثناء الغناء، قلنا له بسيطة)، وفعلاً تنفذت شروطه، وجاء (غوري من دسمان)، وغنى خلفه أغلب المطربين الكويتيين الكبار، والشريط ما زال متوافراً بالأسود والأبيض في أرشيف التلفزيون».

محمد أبوالحسن

يتحدث محمد عبدالله أبوالحسن، قائلاً: كان مولدي في بيتنا في فريج الصاغة، وكان موقعه حالياً قرب السوق الداخلي (سوق التجار)، وكانت عائلة أبوالحسن والأعمام والأخوال يعيشون قرب بعضهم في تلك المنطقة.

وتطرق أبوالحسن إلى هوايته في المراسلة وحكايته مع بطرس غالي، «كانت هوايتي في طفولتي في الخمسينيات هي المراسلة، حيث أكتب في المجلات أن هوايتي المراسلة، وكنت أنتظر المجلات المصرية، آخر ساعة والأهرام وغيرها، لهذا

ما زلت أحتفظ بتلك الرسائل مع من كنت أراسلهم، وكانوا يرسلون لي صوراً لمدينة القاهرة، وكنت أستغرب من صور القاهرة والمباني، وعندما كنت أشاهد الصور كنت أتمنى أن أكون هناك، لهذا عندما وصلت إلى القاهرة، كان كل شيء أراه أمامي جديداً بالنسبة لي مقارنة مع الكويت، وعشت قصة الاستغراب من الشارع والمطار والمقاهي والمسارح والمنازل، وأذكر عندما كنت في ثانية ثانوي كنت أقرأ مجلة الأهرام الاقتصادي، وكنت أقرأ لكاتب اسمه بطرس غالي، ولم تكن له صورة، لهذا كنت أتخيله ضخم الجثة طويل القامة، وفي الجامعة وأثناء إحدى المحاضرات، فوجئت بدخول الدكتور بطرس غالي، وهنا كانت صدمة لي واستغراب، إذ ببطرس غالي قصير القامة ضئيل الجسد غير ماكنت أتخيله في ذهني، ولم أستطع أن أتحدث معه من الصدمة، وتشاء الأقدار في الأمم المتحدة عندما تعينت في نيويورك ممثلاً للكويت، وتم اختيار بطرس غالى أميناً عاماً للأمم المتحدة، فلابد أن يحلف أمام الجمعية العامة، ويتعين على رؤساء المجموعات الخمس الإقليمية المشاركة بكلمة تهنئة للأمين العام الجديد، وكنت أنا في ذلك الوقت رئيس المجموعة الآسيوية، وألقيت كلمة التهنئة، وبعدما ألقيت كلمتي الرسمية، قلت للحضور أنا تكلمت ممثلاً لمجموعة آسيا، ولكن سأتكلم عن علاقتي مع هذه الشخصية الأمين العام الجديد بطرس غالي، فقد كان مدرسي في جامعة القاهرة، وعندما انتهيت من كلمتي سمعت التصفيق، وصافحته وقال لي: (إيه يا محمد أنت كبرتني.. حيقولوا أنا راجل عجوز) وأصبحت علاقتي معه ممتدة إلى وقت طويل.

ويبدي أسفه لإهمال التراث العمراني «عندما أذكر الفترة الماضية، أتحسر على أننا - نحن الكويتيين - هدمنا كل التراث الذي كان من المفروض أن نحافظ عليه، حيث أتت لنا الحضارة مبكرة، لهذا عندما نفكر أن نعيد ما هدمنا فشلنا في ذلك للأسف، وعندما نحاول إعادة بعض التراث، لم نتمكن من إعادته منها قصر خزعل، الذي لم نحافظ عليه، حيث كانت جهات تكتب عنه لجماله، وكان بنیاناً تاريخياً، وكان قوياً والآن مهدوم، كذلك أذكر الفرضة حيث أشاهد الأبلام والجوالبيت والحركة الحلوة والبساطة في عرض البضائع، وما يأتي من البصرة ومن إيران».

ويرى أبوالحسن أن مجتمعنا الحالي افتقد الترابط الأسري، «بالنسبة للماضي، افتقدنا أشياء كثيرة حالياً، افتقدنا الترابط الأسري وخاصة بعد ظهور الموبايلات، وهذا عمّق العزلة أكثر، حيث تباعد الآباء والأبناء، وقد یکون هناك أسباب للبعد الجغرافي في السكن، ولكن هذه أسباب غير مقنعة، بالسابق كانت فرجان، وكان هناك مباريات بين فريج شرق وفريج جبلة، من دون أن يكون هناك تنظيم رسمي يديرهم، لماذا فقدنا هذا النهج؟ لماذا لابد أن یکون هناك تنظيم عبر الدوائر الرسمية؟ ولو تسأل أي مواطن من هم جيرانكم لايعرفهم، ومع الأسف حتى الذي يسكن في منطقة لا يعرفه قريبه الذي يسكن في منطقة أخرى، وأنا عشت في أميركا 36 سنة، وأولادي كانوا معزولين، لهذا كنت أدرسهم اللغة العربية، وكنت أتكلم لهم عن أهلي وأقول أنتم جزء من عائلة لها جذور، وملّ أولادي من كثرة ما كنت أتكلم عن أسرتنا، لكن أسلوبي معهم إنجاز، اتضح بعد عودتنا للكويت.

وأضاف: أمر آخر يشغلني، هو الماء حيث كان الكويتي يعتمد على (القلبان) وكان مصدراً رئيسياً لنا، وكنا نقدر أهمية الماء، لكن الآن من أكبر المآسي التي نعيشها، وفرة الماء الذي أسأنا استخدامه، ونعلم أن الكويت أكثر دولة في صرف الماء للفرد، وهو يعادل ما يصرفه عشرة في أميرکا، وهذا له سلبياته في حاضرنا والمستقبل، وبيتي الحالي في النزهة، وقد أشرف على البناء والدي عام 1973، وقمت بتأجيره خلال تواجدي بالخارج في أميركا. ومن مشاهداتي اليومية أن الماء الذي يخرج من المنازل لغسل السيارات والبيوت دمر بنية الشوارع يوماً بعد يوم.

ليلى العثمان

وتحدثت الكاتبة ليلى العثمان عن حياة المرأة التي عاشت حياة قاسية، قائلة: «المرأة الكويتية في ذلك الزمن عاشت حياة قاسية وطوال اليوم تعمل، وطول النهار عمل من طبخ ودق الهريس والجريش، وحتى حلب البقر وخض اللبن، وأنا كثيراً ما خضیت اللبن الصميل وكان من الجلد، وطحن على الرحى، وغسل المواعين، ونحن البنات كنا نساعد ونعمل، ولكن لا نطبخ. شهر رمضان كانت أيامه حلوة، ومن الصباح تعمل وتأتي من الخارج نساء يساعدن الأهل، ونحن البنات نحضر السفرة قبل الفطور. أما في الديوان الوالد مع ضيوفه، ومن ضيوفه الشاعر فهد بورسلي، وكذلك الدكتور إسكندر وأطباء من المستشفى الأميري، لأن الوالد تبرع ببناء غرفتين في المستشفى، ومن ضيوف والدي الشيخ عبدالله الجابر، وكان صديقه، ونحن أطفال بنات نغني (الواردة) قبل الفطور، وكذلك نذهب للأسواق نستعد للعيد، وإذا أقبل عيد رمضان نستعد للضيوف، وكان أكبر فرحة لنا في الليل، حيث نجهز ملابس العيد، ونفرش ملابسنا الجديدة و شرایط للشعر وحجول ومضاعد، ونضع الحناء، لأن في السابق طوال السنة غيرممكن أن نشتري ملابس جديدة، وفي الصباح نحصل على العيادي، ونذهب بعدها للأسواق نشتري من عيادينا ونروح مشي، ونكون قد أخذنا العيادي من الوالد».

وأضافت: «منذ ذلك الزمان في المرقاب افتقدنا أشياء كثيرة، افتقدنا البساطة، كان مجتمعاً بسيطاً ومتآلفاً ومتآزراً، ولو حدث حريق في منزل ما فالكل من الجيران يسارعون ويساعدون بإطفاء الحريق في فزعة، وإذا حدث عرس في بيت كل الجيران يشاركون. في ذلك الوقت لم یکن الأهل يشاورون البنت، إذا كان لها رغبة بالزواج، ولا ترى زوجها إلا ليلة العرس، والأب يعقد على البنت وهي لا تعلم، وكذلك الرجل لا يشاهد وجه زوجته قبل الزواج، لكن أحيانا إذا دخل عليها ولم تعجبه، ليس من المعتاد أن يطلق، احتراما لأهلها، لكن ممكن يتزوج عليها».

من الشهادات

• الدكتور رشيد الحمد:«عام 1958، كنت أراسل تلميذاً من غزة، وكنا تلاميذ وما زلنا نتراسل ليومنا هذا».

• الدكتور خليفة الوقيان: «لم أعش طفولتي... وفي المدرسة القبلية لم نستوعب لبس الشورتات»

• عابدين الصايغ: «رحلتنا بالباصات من الكويت إلى القاهرة للدراسة 1944 كانت رحلة عجيبة».

• عبدالعزيز المفرج (شادي الخليج): «هربت من المنزل حتى لا يعرف والدي أنني من يُغني في الإذاعة (لي خليل حسين)».

• عبدالرحمن النجار: «الشيخ جابر العلي قال.. نادوا هالولد خلوه يقدم برامج».

• سعاد الرفاعي: «بيتنا أول بيت مغبط بالديرة... والشيخ صباح السالم طلب أن يشاهده».

• سامي محمد: «بعمر 6 سنوات عملت تماثيل صغيرة، وكانت والدتي تراها حرام».

• عبدالوهاب بوقريص: «شاركت بمظاهرة. وقال لي والدي: طق راسك بالطوفة شوف من يتعور».

• خالد المخيزيم: «الأهل قدموا لبيت شحيبر (نقصة) جراد مطبوخ. وشحيبر قال لوالدي (شو هالحشرات؟)»

• رجا الحجيلان المطيري: «ولدت في صحراء جنوب الكويت، وكافحت حتى أصبحت عضواً بمجلس الأمة».

• عبدالله بشارة: «في زمننا، رغم عدم وجود رفاهية، كانت حياتنا فيها رضا»

• محمد السنعوسي: «تعمدت إعادة سنة بالمتوسطة، حباً في الوناسة والنشاط المدرسي».