يقول الدكتور عصمت سيف الدولة في كتاب «الاستبداد الديموقراطي»: «ليس ثمة خطر على حريات الشعوب أشد فتــــكا من الاستــــبداد بــــها بأسلوب لا شــــك في ديمقراطيته».
ويقول الدكتور محمد جابر الانصاري في كتاب «العرب والسياسة... أين الخلل؟»: «ان كل شيء مسيّس في العالم العربي... إلا السياسة، حيث يتخذ التعاطي السياسي عند العرب في الاغلب، خصوصا في أوقات التأزم الذي يتطلب منتهى الحكمة وضبط النفس، شكل المواجهة الفاجعة والدراما السياسية ولا يعرف حدودا يقف عندها ومنذ زمن تحول الخلاف السياسي الى كربلاء، وتحولت كربلاء الى ظاهرة متكررة لدى جميع الفرق حتى بين الاخوة في العائلة الواحدة، وضُربت الكعبة بالمنجنيق في حومة الصراع القرشي على السلطة».
اسمح لي أيها القارئ العزيز ان أنقل ذلك المشهد من العرب الى بلادي الحبيبة الكويت لأقول بأننا نعيش الاستبداد باسم الديموقراطية، وأننا نستمتع بتحويل الخلاف السياسي الى شكل المواجهة التي لا حدود لها، وكثيرا ما نحول الامور البسيطة الى مواجهات عنيفة وحشد جماهيري لا مثيل له وفرز قبلي وطائفي يهدد بحرق الاخضر واليابس.
ولئن ضربت بالأمس المثال بالرعاية الحكومية لقنوات وصحف الفتنة التي شقت البلد وتسببت في ردات فعل شعبية غاضبة وتحركات لإسقاط رموز في السلطة بسبب تخاذلها في وأد الفتنة، فإني ألقي الضوء اليوم على بعض نواب مجلس الأمة الذين يستمتعون بتهييج الشارع في الشاردة والواردة ويحولون كل قضية الى جريمة تستحق القصاص، ولا يكادون ينتهون من استجواب حتى يتحولوا الى استجواب آخر.
لقد سئم الشعب من خطاباتهم الغاضبة التي لا تنقطع وحناجرهم التي تزداد حدة على مر الزمن، وحاول إيصال رسالة لهم عبر الانتخابات البرلمانية السابقة وعبر الاستجوابات الاربعة الاخيرة بأننا لن نرضى بتحكمكم في عقولنا وإصراركم على توجيه دفة البلد، لكنهم مع ذلك لم يقفوا وإنما أصروا على خلق قضية جديدة في كل يوم وانتقلوا من قاعة عبد الله السالم الى ساحة الارادة ومقارهم الانتخابية، وافتخروا بقدرتهم على تحريك الشارع حيث يستطيعون حشد خمسة آلاف مشارك في كل لقاء لإرهاب السلطة، وما دروا ان الانسان يستطيع حشد عشرة آلاف وأكثر اذا دعا الى حفل عشاء مفتوح وبوفيه من الشيراتون، فالعدد ليس مقياسا للقوة ولصــدق النوايـــا، لكنهم يعرفون بأن الحكومة ترتجف من كل تجـــمع وتحسب له ألف حساب.
وإني والله لأحزن على العم أحمد السعدون صاحب التاريخ الطويل، كيف تحول الى هذا النمط التأزيمي المستمر بعدما كان فارس التشريع في المجلس، وأصبح يتقدم الجموع في كل انتفاضة على الأوضاع، دون ان يعلم بأنه يحرق كل رصيده السياسي والتاريخي، وان مشاكل البلد التي لا ينكرها احد لا يمكن حلها بمثل ذلك التوتر والهيجان المستمر.
وينطبق الأمر على التجمع الشعبي وعلى تجمع العدالة والتنمية الذي يمثل التوجه الاسلامي في المجلس وكيف تحول الى المعارضة في أقصى صورها في قضايا متناقضة لم يؤيده فيها إلا أقل القليل؟! وأين ذهب تاريخ الحركة الاسلامية في الكويت ودورها الكبير في التنمية والبناء، بل أين ذهبت تعاليم الاسلام في العلاقة بين الحاكم والمحكوم وطاعة أولي الأمر؟!
ولقد شاهدنا للمرة الاولى نشوء فئة من النواب استغلت هذا التأزيم لتكتب شيكا على بياض للحكومة وتدعمها في الخير والشر من اجل التكسب الرخيص، وضاع المخلصون من النواب وسط هذا الزحام وأصبحوا في نظر الغوغاء من الناس حكوميين ومتقاعسين.
وهكذا شهدنا الاستبداد في بلادنا باسم الديموقراطية وعشنا زمن الكر والبلاء.
*****
يحق لنا ان نسأل أولئك الذين انتفضوا بسبب مناقصة الداخلية أو شيك رئيس مجلس الوزراء، وهي انتفاضة حق بلا شك، أين هم من ثلاثة مليارات دينار او اكثر وافقوا على تسديدها من أموال الدولة لإسقاط فوائد القروض على بعض المواطنين الذين غامروا واستلفوا بينما غيرهم قد منعته كرامته من الاقتراض، وهل توقفوا عند آراء العلماء في شرعية ذلك القانون الذي سلقوه في يومين او عند آراء الاقتصاديين في آثاره المدمرة على الاقتصاد؟!
د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com
ويقول الدكتور محمد جابر الانصاري في كتاب «العرب والسياسة... أين الخلل؟»: «ان كل شيء مسيّس في العالم العربي... إلا السياسة، حيث يتخذ التعاطي السياسي عند العرب في الاغلب، خصوصا في أوقات التأزم الذي يتطلب منتهى الحكمة وضبط النفس، شكل المواجهة الفاجعة والدراما السياسية ولا يعرف حدودا يقف عندها ومنذ زمن تحول الخلاف السياسي الى كربلاء، وتحولت كربلاء الى ظاهرة متكررة لدى جميع الفرق حتى بين الاخوة في العائلة الواحدة، وضُربت الكعبة بالمنجنيق في حومة الصراع القرشي على السلطة».
اسمح لي أيها القارئ العزيز ان أنقل ذلك المشهد من العرب الى بلادي الحبيبة الكويت لأقول بأننا نعيش الاستبداد باسم الديموقراطية، وأننا نستمتع بتحويل الخلاف السياسي الى شكل المواجهة التي لا حدود لها، وكثيرا ما نحول الامور البسيطة الى مواجهات عنيفة وحشد جماهيري لا مثيل له وفرز قبلي وطائفي يهدد بحرق الاخضر واليابس.
ولئن ضربت بالأمس المثال بالرعاية الحكومية لقنوات وصحف الفتنة التي شقت البلد وتسببت في ردات فعل شعبية غاضبة وتحركات لإسقاط رموز في السلطة بسبب تخاذلها في وأد الفتنة، فإني ألقي الضوء اليوم على بعض نواب مجلس الأمة الذين يستمتعون بتهييج الشارع في الشاردة والواردة ويحولون كل قضية الى جريمة تستحق القصاص، ولا يكادون ينتهون من استجواب حتى يتحولوا الى استجواب آخر.
لقد سئم الشعب من خطاباتهم الغاضبة التي لا تنقطع وحناجرهم التي تزداد حدة على مر الزمن، وحاول إيصال رسالة لهم عبر الانتخابات البرلمانية السابقة وعبر الاستجوابات الاربعة الاخيرة بأننا لن نرضى بتحكمكم في عقولنا وإصراركم على توجيه دفة البلد، لكنهم مع ذلك لم يقفوا وإنما أصروا على خلق قضية جديدة في كل يوم وانتقلوا من قاعة عبد الله السالم الى ساحة الارادة ومقارهم الانتخابية، وافتخروا بقدرتهم على تحريك الشارع حيث يستطيعون حشد خمسة آلاف مشارك في كل لقاء لإرهاب السلطة، وما دروا ان الانسان يستطيع حشد عشرة آلاف وأكثر اذا دعا الى حفل عشاء مفتوح وبوفيه من الشيراتون، فالعدد ليس مقياسا للقوة ولصــدق النوايـــا، لكنهم يعرفون بأن الحكومة ترتجف من كل تجـــمع وتحسب له ألف حساب.
وإني والله لأحزن على العم أحمد السعدون صاحب التاريخ الطويل، كيف تحول الى هذا النمط التأزيمي المستمر بعدما كان فارس التشريع في المجلس، وأصبح يتقدم الجموع في كل انتفاضة على الأوضاع، دون ان يعلم بأنه يحرق كل رصيده السياسي والتاريخي، وان مشاكل البلد التي لا ينكرها احد لا يمكن حلها بمثل ذلك التوتر والهيجان المستمر.
وينطبق الأمر على التجمع الشعبي وعلى تجمع العدالة والتنمية الذي يمثل التوجه الاسلامي في المجلس وكيف تحول الى المعارضة في أقصى صورها في قضايا متناقضة لم يؤيده فيها إلا أقل القليل؟! وأين ذهب تاريخ الحركة الاسلامية في الكويت ودورها الكبير في التنمية والبناء، بل أين ذهبت تعاليم الاسلام في العلاقة بين الحاكم والمحكوم وطاعة أولي الأمر؟!
ولقد شاهدنا للمرة الاولى نشوء فئة من النواب استغلت هذا التأزيم لتكتب شيكا على بياض للحكومة وتدعمها في الخير والشر من اجل التكسب الرخيص، وضاع المخلصون من النواب وسط هذا الزحام وأصبحوا في نظر الغوغاء من الناس حكوميين ومتقاعسين.
وهكذا شهدنا الاستبداد في بلادنا باسم الديموقراطية وعشنا زمن الكر والبلاء.
*****
يحق لنا ان نسأل أولئك الذين انتفضوا بسبب مناقصة الداخلية أو شيك رئيس مجلس الوزراء، وهي انتفاضة حق بلا شك، أين هم من ثلاثة مليارات دينار او اكثر وافقوا على تسديدها من أموال الدولة لإسقاط فوائد القروض على بعض المواطنين الذين غامروا واستلفوا بينما غيرهم قد منعته كرامته من الاقتراض، وهل توقفوا عند آراء العلماء في شرعية ذلك القانون الذي سلقوه في يومين او عند آراء الاقتصاديين في آثاره المدمرة على الاقتصاد؟!
د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com