| كتبت عفت سلام |
... «وهل يكون الحب ذا قيمة اذا خلا من لذة الطهر؟»
كلمات شعرية لها «وزن» اجتماعي وانساني واخلاقي يجب الا نستخفه، بل علينا أن نعيه جيدا ونحن نردد ليل نهار انشودة: «ياوطن... لك من يحبك»، حتى يبقى الحب للكويت صافيا في جميع النفوس.
هذا جانب، يطرح سؤالا هو هل الهوية الكويتية في مأمن وامان في مواجهة الاندثار التدريجي للعادات والتقاليد التراثية الاصيلة بفعل اجتياح مفاهيم تقليد الغرب، شكلا ومضمونا، لسلوكنا وانماط حياتنا وملبسنا ومأكلنا ومناهجنا التعليمية، من دون ان نكلف انفسنا عناء التمييز بين الزبد الذي يذهب جفاء وبين ما ينفعنا ويمكث في ارضنا؟
الجواب كان نعم كبيرة مع بعض المحاذير على ألسنة عدد من اصحاب الخبرة والاختصاص.

في البداية أكدت رئيسة لجنة شؤون المرأة رئيسة اتحاد الجمعيات النسائية الشيخة لطيفة الفهد ان الهوية الكويتية والحس الوطني لم يصبهما ابدا حالة ضعف او انهيار، والدليل على ذلك ما نراه من مواقف المواطنين في الظروف الصعبة والازمات وحرصهم على مواجهة التحديات بكل طاقاتهم لرفع اسم وكيان الكويت، وهو الامر الذي لمسناه ايام الغزو العراقي على الكويت.
وقالت الشيخة لطيفة: ان «تاريخ الكويت يؤكد ان المواطن الكويتي يتمتع بحس وطني عال جدا على مر الزمن، فالكويت ستظل هكذا معتزة بمواطنيها المخلصين الذين لم يتأثروا بهوية الاجناس الاخرى التي يتعايشون معها، وان تأثر بعضهم بهوية المظهر فقط نتيجة الانفتاح على الخارج للدراسة او للسياحة، بيد ان هناك من يريد التخلص من العباءة لان البعض يراها نوعا من التخلف».
ورأت ان المرأة الكويتية فقدت جزءا كبيرا من هوية المظهر دون الرجال وهذا ليس انتقاصا من الهوية الكويتية، خصوصا ان نساءنا مسلمات يلتزمن تعاليم الدين التي تحض على المحافظة على كيان الاسرة والاخلاق وسمعة المرأة المحتشمة.
وارجعت فقدان هوية الملبس عند المرأة الى اندثار مهنة الخياطة واعتماد السوق على الخياط الهندي والباكستاني، ما دفع الكويتية الى ارتداء الملابس الجاهزة التي يفرضها علينا الغرب من موديلات وألوان وغيرها.
واضافت: «من المفترض على المؤسسات المدنية سد النقص الذي يعانيه السوق من مهنة الخياطة للحفاظ على التراث والذوق الكويتي في عملية تصميم الأزياء»، مؤكدة اهمية تعليم الخياطة للفتيات منذ الصغر، كما كان في السابق... «فقد تعلمت الحياكة والتطريز في عمر العشر سنوات وكان ذلك ينطبق على جميع الفتيات من فئات عمري».
ومضيت الشيخة لطيفة تقول: «لقد حرصنا من خلال الجمعية التطوعية النسائية على انشاء مركز لتعليم الفتيات الخياطة وتقدمنا بطلب الى المجلس البلدي لمنحنا ترخيصا بذلك، ولكن للاسف مرت ثلاث سنوات والطلب لم يوافق عليه، والمهندسة فوزية البحر لديها علم بذلك».
ومن جهته، قال عميد كلية الشريعة السابق رئيس المؤتمر الدولي للاقتصاد الاسلامي الدكتور محمد الطبطبائي: «ان المؤتمرات الخارجية لها تأثير سلبي على الهوية الوطنية والعربية، لذا علينا الانتباه جيدا لهذه المؤتمرات خصوصا في ظل تواجد القنوات الفضائية المفتوحة على العالم، ومن المتوقع ايضا ظهور العديد من الظواهر السلبية في مختلف المجتمعات».
وحول كيفية مواجهة هذه الظواهر قال: «لن يتم ذلك الا عن طريق وسائل الاعلام الموجهة لتوعية المواطن وتثقيفه، كما يقع على المربي كذلك مسؤولية تربية وتعليم النشء المتسلح بالعلم والمعرفة، وهذا في حد ذاته يحتاج الى تأهيل المدرس اولا بشكل جيد، اضافة الى تطوير التعليم لمواكبة التطور العلمي».
وشدد على ضرورة التعاون لتكوين جيل مثقف معتدل فكريا، قادر على الحفاظ على الهوية والتنافس والحوار وتحمل المسؤولية والتفاعل الخلاق مع العصر، وهذا لن يحدث - بحسب اعتقاده - الا بتأمين الرفاه الاجتماعي وتمكين النشء اجتماعيا لمواجهة التحديات، اضافة الى تفعيل دور المؤسسات في التنشئة لتحمل مسؤولياتها المنوطة بها في هذا الشأن.
من جهتها، قالت عضو مجلس الامة الدكتورة رولا دشتي: «ان تعزيز روح المواطنة يأتي من خلال احترام الرأي الآخر وتطبيق سيادة القانون، فحب الوطن يعني الاخلاص في العمل الجاد والحفاظ على المال العام وعلى ثروات البلاد وعلى احترام الآخرين، أما بالنسبة للشعارات والعبارات التي تطلق اليوم للتعبير عن حب الوطن في الوقت الذي يباح فيه هدر مدخرات الوطن وتخريب المنشآت العامة والاعتداء عليها فهذا يعني غياب مفهوم الانتماء».
وأوضحت دشتي ان الخطة الخمسية للدولة أكدت تعزيز روح المواطنة من خلال تطوير المناهج التعليمية مع الاهتمام بالبرامج التوعوية والخطاب الوطني، مضيفة: «الآن كلنا مسؤولون عن استعادة هويتنا الوطنية بدءا من الافراد والأسرة ومرورا بالمؤسسات التعليمية والفكرية وانتهاء بالمؤسسات الاجتماعية والاعلامية والسياسية».
وتابعت: «ان الهوية اي المواطنة تعني العقيدة والفكر واللغة والآداب والتراث والقيم والاخلاق والعادات والتقاليد والفنون والتاريخ، لهذا يجب علينا الحفاظ على هويتنا خصوصا اننا نعيش في عصر العولمة والتأثير على ثقافتنا اضافة الى تعايشنا مع الجنسيات الاخرى بصفة مستمرة»، لافتة الى ان شعور ووعي المواطن بالهوية الكويتية والاعتزاز بها يعبر عن مدى الترابط الوثيق بين افراد الامة الذين يجمعهم الولاء ووحدة المصير.
وشددت دشتي على اهمية استعادة قوة الهوية «لأنها مسألة مصيرية ولم تعد مجرد مشروع يمكن تأجيله لأن طمس الهوية يعني الذوبان في الثقافات الاخرى»، مشيرة الى اهمية اعادة بناء ثقافة سياسية متجددة لتعمل على التطوير الذي يساهم في خدمة المجتمع.
أما استاذ التربية في جامعة الكويت الدكتور أحمد البستان فقال: انه آن الاوان لاعادة النظر في اهداف التعليم وفي محتوى المناهج وفي اعداد وتدريب المعلم لأن العملية التربوية تعني الطالب والمعلم والمنهج بمفهومه الشامل.
وأضاف: «ان تطوير التعليم اصبح ضرورة، خصوصا اننا نعيش في عصر العولمة أي السماء المفتوحة التي تدخل كل بيت، حيث اصبحت الاسرة غير قادرة على تربية وتعليم الابناء كما كان في السابق، وهذا ما اكدته نتائج الدراسات العلمية التي اثبتت ان 50 في المئة من شخصية الطفل تتكون داخل الاسرة والنسب الاخرى تتكون من خلال المراحل الدراسية، حتى تتبلور الشخصية في المرحلة الجامعية».
ورأى البستان ان التيارات الفكرية المتعددة والمتضادة في طرحها هي السبب في تأخر الكويت عن الاستمرار في التطور والتنمية، «حيث استطاعت بعض القوى السياسية عرقلة حركة التنمية لوجود اجندات خاصة بها تريد فرضها على المجتمع، وهذا ينطبق على بعض اعضاء مجلس الامة، ما ادى الى الفوضى السياسية وعدم تنفيذ المشاريع والخطط التنموية».
ومضى البستان قائلا: «ان طبيعة المجتمع الكويتي تأسست على مبدأ التواصل المستمر بين الحاكم وشعبه ما ساعد على صدور قرارات تتوافق مع طموحات الشعب الكويتي بعيدا عن الابتزاز السياسي الذي يحدث الان»، مؤكدا اهمية الحفاظ على الوحدة الوطنية من خلال عدم التحيز او التعصب او التمييز بين فئات الشعب لحماية هذه الهوية من التصدع او الانهيار، ليبقى وطننا واحة أمن وامان كما كان في السابق.
وقال البستان ان الاختلاف القائم بين السلطتين التنفيذية والتشريعية يعد مشكلة ليس سببها الدوائر الانتخابية او النصوص الدستورية، بل هي مشكلة نابعة من النفوس لا من النصوص.
استاذة العلوم الاجتماعية في جامعة الكويت الدكتورة سهام القبندي عرضت - بدورها - رؤيتها حيال القضية موضوع الاستطلاع، مستذكرة ايام طفولتها عندما كانت الدولة مسؤولة عن ابنائها من الألف الى الياء، محتضنة جميع امالهم وطموحاتهم «وهذا في حد ذاته منح الاجيال الشعور بالأمان والولاء، لهذا كنا نعيش ونحس بكل كلمة ننطقها في الاناشيد الوطنية وفي المواقف، وهذا يؤكد ان الانسان مرتبط بالارض».
وقالت القبندي: «نحن بحاجة ماسة الى الشعور بقوة القانون وتطبيقه على الكبير قبل الصغير لتحقيق العدل والمساواة بين افراد المجتمع»، مضيفة: «نعم تذوقنا الحياة الديموقراطية من خلال حياتنا اليومية وعبر وسائل الاعلام ولايوجد سر لا يعرفه المواطن، ولكن عندما تسيء الحرية الى الاخرين فهذا امر مرفوض لانه يشعر المواطن بالسأم وعدم الاحساس بالأمان من كثرة ما يرى من الاختناقات والتأزيم النيابي واهمال عجلة التنمية والتطور».
ومضت القبندي تقول: «ان المواطن اصبح ذاتيا يفكر في نفسه على حساب المواطنة والدولة، والدليل على ذلك هو التسارع للسفر للخارج ما يشير الى الاستسلام وفقدان الامل، مع ان الدولة مليئة بالخيرات»، مطالبة بضرورة اعادة البناء والتجديد والتغيير من الداخل ليشعر المواطن بانتمائه للدولة وولائه لها بعيدا عن التكتلات والتيارات «التي استطاعت النيل من الحس الوطني والشعور بالانتماء للوطن».
وتساءلت القبندي: « لماذا يحرص الكثير من الناس على تحطيم المال العام وافساد املاك الدولة بالكتابة على الجدران وغيرها من الافعال غير الحضارية؟»، مؤكدة ان كل ذلك يشير الى عدم شعور المواطن بأن هذا المال يخصه.
واضافت: « ان مهنة المدرس والطبيب والمحاماة من المهن الانسانية المرتبطة بشكل مباشر بالمواطنين، ولكن بعد ان اصبحت هذه المهن وسيلة للحصول على المعاش فقط وبعيدة عن الانسانية لجأ الناس الى الاعتداء على المدرس والطبيب».
من ناحيته، قال عميد كلية العلوم الصحية الدكتور فيصل الشريفي ان حب الوطن لا خلاف عليه ولكن تغير ايقاع الحياة اوجد الصراع حول المادة والعمل على تحصيلها، وهذا امر طبيعي للتغيير الذي حدث في المجتمع الكويتي، حيث كانت الاسر في السابق تعتمد على بعضها البعض وكان هناك امتداد اسري كبير، اما اليوم فقد اختلفت توجهات ورغبات الابناء لتغيير آلية الحياة والعيش في القرية الكبيرة لسهولة التنقل والاتصالات والانفتاح على العالم عبر القنوات الفضائية والتواصل التكنولوجي والاعلامي.
وشدد الشريفي على ضرورة مراجعة محتويات الافكار في المناهج التعليمية، وكذلك البرامج الاعلامية للاحتفاظ بالهوية العربية الكويتية، مشيرا الى وجود قصور في المراحل التعليمية الاولى، وهي بحاجة الى التغيير لمواكبة مستجدات العصر الحديث بما لا يخل باللهجة الكويتية المطلوب تعزيزها دائما، لانها امتداد للغة العربية الاصيلة، خصوصا ان هناك الكثير من المفردات اللغوية ضاعت سواء كانت على المستوى الاقليمي او المحلي بفعل تغلغل اللغة الانكليزية.
وأضاف الشريفي: «الاصالة الكويتية موجودة وستبقى رغم ان الصراعات تفرض علينا، ولكن الواجب والمسؤولية تجاه الوطن يدفعاننا الى المحافظة على الثوب الكويتي من اي تغيرات تمس الهوية الوطنية»، مؤكدا: «ان الكويت بخير ومازالت تحتفظ بعاداتها وتقاليدها وخير مثال على ذلك الديوانية التي تجمع الاحباب ولا تفرقهم، وقد يخرج الشباب عن الاطار بعض الوقت ولكنه يرجع في النهاية الى حضن الكويت».
المحامية مريم العلي اكدت من جانبها، ان الهوية الكويتية «في خطر بسبب انفتاح المجتمع على العالم الخارجي مع ضعف التوجيه والارشاد الاسري والمجتمعي، خصوصا لفئة الشباب الذي يحرص على التشبه بالغرب في المظهر وفي اقتباس بعض السلوكيات التي تتعارض مع العادات والتقاليد الكويتية».
وقالت العلي: «هناك عوامل اخرى ادت الى ضعف المواطنة، ابرزها زواج الكويتي من الجنسيات غير الناطقة باللغة العربية، ما انتج جيلا من انصاف الكويتيين من حيث التصرف والسلوك والنطق باللغة العربية المتقطعة».
واضافت: « مناهج التعليم كذلك اصبحت - للأسف - لا تهتم بالتركيز على تعزيز روح المواطنة في نفوس الطلبة، وفي الوقت نفسه ساهم عدد كبير من الكتاب في الدعوة الى التشبه بالغرب باقتباس عاداتهم وتقاليدهم بحجة التميز والرقي مع اغفال المضمون الذي ساعد على تقدم الدول الغربية».
واشارت العلي الى ان زيادة تعداد الوافدين من جميع الجنسيات العربية وغير العربية على تعداد المواطنين «ساهم بدوره في اضمحلال الهوية الكويتية، خصوصا بعد ان حرص المواطنون على التحاق ابنائهم بالمدارس الاجنبية»، مؤكدة خطورة جميع العوامل والمسببات التي تم ذكرها على ضعف الهوية الكويتية، اضافة الى شعور المواطن بالاحباط جراء ما يحدث من خلافات بين السلطتين، لافتة في الوقت ذاته الى خطورة تقسيم المجتمع الكويتي الى قبائل وعائلات ما يعزز الطائفية البغيضة ويعلي من شأن ثقافة الانتماء للأفراد أو المجموعات اكثر من الاعتزاز بالهوية الوطنية.
على درب الرؤى ذاتها سارت استاذة المناهج والتدريس في كلية التربية في جامعة الكويت الدكتورة وفاء الياسين مؤكدة: «ان تغير الثقافة المجتمعية في الكويت يرجع الى انفتاح المجتمع على المجتمعات الأخرى والتطبع بالثقافات المختلفة من سلوكيات وقيم وأخلاق، ما ساعد على تغير الثقافة المجتمعية الكويتية بدرجات متفاوتة، معيارها يعتمد على مدى محافظة المجتمع على مواطنيه، وحجم تعزيز الحس الوطني في النفوس».
ولفتت الياسين النظر الى مفهوم المواطنة، حيث ترى ان كل من يولد على ارض الكويت سواء كان كويتياً، أو غير كويتي يصبح لديه انتماء وولاء للأرض التي يعيش عليها، لهذا نجد ان الهوية متغيرة بطبيعة تغير المجتمع وتطوره، لذا نجد كبار السن يمعنون في التحدث عن الماضي لأن الجيل الحاضر مختلف ومتغير في السلوك.
وأكدت الياسين ان الهوية المجتمعية يمكن ان تهدد وتتصدع في حالة ضعف الحس الوطني «وهذا لا يمكن تطبيقه على المواطن الكويتي بشكل خاص لأن ولاءه وانتماءه للكويت اولاً وأخيراً، أما بالنسبة لتغير الثقافة المجتمعية فهذا ناتج عن التواصل والانفتاح على المجتمعات الأخرى، وهذا شيء طبيعي ويمكن ملاحظته على الوافدين العرب الذين عاشوا على ارض الكويت مدة طويلة من حيث السلوك واللهجة لتبني الكثير من مفردات اللهجة الكويتية».
وقالت الياسين: «من الضروري ايضاً ان يكون هناك طرح واقعي ايجابي للقضايا والمشاكل التي يعاني منها المجتمع، بعيداً عن توظيفها في المسلسلات والبرامج فقط»، مشيرة الى اهمية دور الاعلام في عصر «الفضائيات الصاروخي» في تعزيز الحس الوطني واظهار الأعمال الايجابية التي تخدم المواطن من الجنسين، أي النظر الى الأمور السلبية بمنظار ايجابي بدلاً من التهويل والاثارة المفتعلة، خالصة الى القول: انه لا يوجد قياس للهوية والمواطنة لأنها سلوك وأفعال متغيرة من شخص لآخر.
من جهته، قال أستاذ العلوم التربوية في جامعة الكويت الدكتور حمد الرشيد: «نعم يعيش المجتمع الكويتي في ازمة هوية بسبب ضمور دور الأسرة في التنشئة الاجتماعية للأطفال الذين يعتبرون ثروة المجتمع، اذ ينشأ الطفل مهملاً في الأسرة ما يشعره بالغربة وفقدان الهوية، لأنه يعيش على تقليد الغير في اللعب والفكر وفي اقتباس عادات وتقاليد ولغة المحيطين به من الخدم وخلافه، ما يحتم علينا ابعاد الأطفال عن تلك المؤثرات السلبية وغيرها التي تبث من خلال بعض القنوات الفضائية، اضافة الى النأي بالأبناء عن رفاق السوء لتأثيرهم الفعلي على تكوين شخصية الفرد».
وأشار الرشيد الى اهمية فصل السياسة عن التعليم «لأننا نريد شباباً محصنين بالثقافة والمعرفة ولا نريد مجتمع شهادات»، مؤكداً: «ان ثقافة المجتمع لن تتغير الا اذا طورت بالمنافسة وحرية الأفكار».
اما المستشار القانوني ناصر المصري، فقال ان احترام الدستور والقوانين يعني الحفاظ على الهوية الوطنية، خصوصاً ان المجتمع الكويتي يشكل منظومة من عدة اطياف، مؤكداً ان الهوية الكويتية مازالت محفوظة ومصانة «لأن اختلافنا في اجناسنا رحمة وخلافنا عذاب، لذا علينا احترام انفسنا بالحفاظ على هويتنا الكويتية العربية الاسلامية».
وبين المصري خطورة بعض ما يبث في بعض وسائل الاعلام والفضائيات في التأثير سلباً على فئة الشباب، لذلك هناك مسؤولية كبيرة تقع على وزارة التربية والتعليم وجميع المؤسسات المهتمة بهذه الفئة لاستثمار طاقاتهم بما يعود بالفائدة عليهم، بدلاً من ترك الشباب على هواهم تتقاذفهم التكتلات والتيارات، مؤكداً اهمية تواجد القدوة الصالحة لقيادة فئة الشباب لخير الأمة، مضيفاً ان المجتمع الكويتي والعربي والاسلامي اصبح يواجه الكثير من المخططات التي تسعى لهدم هويته، لهذا اصبحت عملية استعادة الهوية قضية مصيرية لأن طمس الهوية يعني الذوبان في الثقافات الأخرى.
وفي الحديث عن اللغة العربية، قال المصري: «هناك معاناة جراء منهج اللغة العربية، والكويت من الدول التي بدأت تعتمد على المداخل القصصية والأنشطة التعليمية التي تحبب الأطفال في اللغة، وهذا ما تم تطبيقه في المرحلة الابتدائية»، متمنياً ان يشمل التطور مناهج اللغة العربية في بقية المراحل الدراسية لأن اهتمام الفرد بلغته يعني المحافظة على هويته.
من ناحيته، قال استاذ علم النفس الدكتور كاظم ابل: «ان نظام التعليم الناقص والمناهج التعليمية القديمة هي السبب في ضياع وضعف الهوية الكويتية، لظهور الكثير من المشاكل التي تتعلق باللغة العربية والطالب والمدرس والادارة»، مؤكدا ضرورة اعادة النظر في المناهج التعليمية وفي المدرسين الذين يقومون بالعملية التدريسية لانهم قدوة للطلبة منذ الصغر، فلابد من وجود الكفاءة لان المدارس هي بمثابة البيت المرادف اللاسرة من حيث التربية والتعليم.
واضاف: «هناك الكثير من الطلبة يعانون من المشاكل النفسية والاجتماعية، ومن ثم فان على جميع الجهات المعنية المساهمة في حل مشكلات هؤلاء الطلبة للحصول على جيل خال من الامراض والانحرافات كالتي نشهدها اليوم»، مشيرا الى ان «المواطن الصالح هو الذي يتمتع بالصحة النفسية والاجتماعية والعلمية، وهذا ينتج عن وجود القدوة والاحترام المتبادل بين افراد المجتمع»، معربا عن اسفه «لظهور التطرف والارهاب الفكري في المجتمع الكويتي، عبر تصرفات بعض اعضاء مجلس الامة الذين يسعون الى وقف عجلة التنمية».
بدورها، حذرت استاذة علم الاجتماع في جامعة الكويت الدكتورة نضال الموسوي من ظهور أجيال «تفتقد الهوية الكويتية والحس الوطني الناتج عن فقدان القدوة وتقسيم المجتمع»، مطالبة بضرورة وضع البرامج الهادفة لجذب الشباب ولتصحيح الاوضاع المهترئة التي يشهدها الشارع الكويتي.
وأملت الموسوي «ان يكون الفكر الديني معتدلا وليس متطرفا، اذ ان المجتمع له عاداته وتقاليده التي نشأ عليها منذ القدم والتي تتميز بالتسامح»، مشيرة الى اهمية التعليم في غرس قيم المواطنة والوطنية لدى الطفل منذ دخوله رياض الاطفال.
وفي الوقت نفسه، قالت نبيلة العنجري: «نعم الهوية الكويتية في خطر كبير لان هناك من يشعل فتيل الطائفية والتفرقة بين اطياف المجتمع، حتى اصبحت كل فئة تتمسك بالقبيلة او بالعائلة او بالمذهب، على ما عدا ذلك من نوازع وطنية».
واضافت: «ان الشباب هو المحرك الأول لاي تغير او ثورات، فاذا انقسم الشباب حسب الطائفة او القبيلة او العائلة فستكون هناك كارثة اذا لم تتخذ الاجراءات الوقائية والعلاجية السريعة»، مشيرة الى وجود «غفلة تامة عن المؤثرات التي تهدد مستقبل الشباب والكويت بشكل عام».
وتابعت العنجري: «علينا ان نؤمن بل ونعترف بان هناك قضية هوية وطنية يجب الانتباه اليها ودراستها بكل دقة وهذا القول يؤكده الباحثون الذين يدعون الى البحث عن احتياجات الشباب الحقيقية لتأمين مستقبلهم بعيدا عن الخوف والتوتر».
واوضحت العنجري: «ان الحس الوطني والانتماء للكويت لاخلاف عليهما، فهما مغروسان في نفوس المواطنين وعبر الاجيال، ولكن هناك عوامل قد تساهم في طمس الحس الوطني، فالتحديات التي تواجه الشباب والمجتمع في ظل الضغوط الاجتماعية والثقافية قد تشعر المواطنين بعدم الامان والخوف من المستقبل، خصوصا في ظل غياب الخطط الاستراتيجية الواضحة التي تساهم في تنمية المجتمع وتطوير مدخراته لضمان مستقبل الاجيال القادمة»، مؤكدة معاناة الشباب جراء الفراغ وعدم وجود القدوة التي يحتذى بها.
ومن جهتها، قالت مديرة مركز الطفولة والامومة سابقا غنيمة الدخيل ان مرحلة رياض الاطفال هي اللبنة الاولى لزرع روح الوطنية والحس الديني، معربة عن اسفها لما يحدث الان من اهمال للطفل في هذه المرحلة المهمة التي ترسم مستقبله، مطالبة بضرورة عزل رياض الاطفال عن بقية الادارات التعليمية الاخرى، لمتابعة وادارة هذه المدارس بالشكل الصحيح بعد ان اصبح مستواها لا يتناسب مع المتطلبات الوطنية الآنية.
ورأت الدخيل ان التخلي عن الثقافة الاصلية وعن التراث الثقافي التقليدي يساهم في اضعاف الهوية من خلال الذوبان في قيم المجتمع الجديد المقتبسة من الثقافات المجتمعية الاخرى.
ونبهت الدخيل الى ان ظاهرة اضعاف الهوية تبدأ من الاهمال او عدم الاهتمام بتدريس اللغة العربية في المدارس الخاصة، بل ان بعض اصحاب المدارس والجامعات لجأوا الى استيراد المناهج والهيئات التدريسية من الخارج.