واضح أن موضوعي الفتنة منذ أيام طغيا وغيما على اوضاعنا الداخلية فانعدمت الرؤية عن أي شيء آخر. فالأول تعرض إلى ناحية التصنيف الطبقي للمجتمع بالهجوم على بعض الرموز وقطاع واسع ممن يقف وراءهم وفرزهم تبعاً للتوزيع، حسب «المناطق الداخلية والخارجية»، في حين اتجه الثاني إلى ضرب البنية التحتية الأخرى وعلى الجبهة الطائفية ليتحدى بذلك مشاعر الآلاف من الكويتيين على خلفية إحيائهم لذكرى دينية.
وكالعادة وفي مثل هذه الظروف يأخذ كل واحد من النواب نصيبه من البروز الإعلامي ليتحدث ويصرح للصحافة بأنه سيضع حداً لهذه المهزلة ويحمّل الحكومة المسؤولية الكاملة عن هذا التسيب والفوضى العارمة، و«الشعبي» بطبيعة الحال أبرزهم وأوضحهم بتوعده استجواب رئيس الوزراء «مباشرة» إن لم يضع حداً لهذه المهزلة! بصراحة شديدة ومع احترامي لمشاعر المتضررين أظن أن هذا الزعل مبالغ فيه، والأمر ليس بحاجة إلى هذا التشنج كله. أو دعني أستدرك وأقول إنه تذمر مستحق بلا شك، ولكن عندي بعض الملاحظات التي لابد من ذكرها حتى تتضح مسؤولياتنا جميعاً في هذه الأجواء غير المريحة بتاتاً.
ما من شك أن طرفي التأزيم في هذه الأيام تسببا بألم شديد للروح الكويتية وتسببا بجرح غائر وعميق، لكن السؤال المحوري هنا: هل هذا الألم جديد وللتو عرفناه أم له أرشيف قديم؟ بالذمة ألم يُعرّض الكويتيون بعضهم للبعض ومنذ سبعينات القرن الماضي لهذه المضايقات مرة تلو الأخرى وحتى يومنا هذا؟ نحن جميعاً أبناء هذا البلد وندري جيداً بأن ما نتعرض إليه حالياً دوامة لأحداث مضت وتكررت مرات ومرات كثيرة، فما الجديد هنا؟
طبعاً لست بصدد التغاضي عن المشكلة أو الالتفاف حولها وتركها أو حتى التقليل منها، لا بل مقصدي أن المشكلة هي عينها القديمة الجديدة. لهذا نسأل نوابنا الكرام المسؤولين أولاً وأخيراً ممن قرأوا وعاصروا وشاركوا التاريخ، أين أنتم من التشريعات التي تحفظ كيان ونسيج ووحدة المجتمع؟ لاحظ مثلاً أهم المتحدثين في الأيام الأخيرة وهو النائب فلاح الصواغ، ترى ما جوابه لو سألناه عن نتاجه التشريعي لحفظ وحدة المجتمع؟ ألم يكن سعدون حماد أحد أبطال التأزيم الاجتماعي قبل أشهر؟ كيف نتوقع التشريع لصد باب هذه الأزمات ونواب كمبارك الوعلان متفرغين لطنطنة وثرثرة فارغة ملوثة بغبار المصالح كما مر؟ لنتصارح ونقُر بأن التقصير واضح من طرف المجلس قبل أن تُلقى كرة اللوم بملعب الحكومة. فكما أن الساحة تعاني من مشكلة اجتماعية لا غبار عليها، يتحمل النواب القسط الأعظم، لأنهم قصّروا عن واجبهم من دون أدنى شك تجاه مجتمعهم إن لم يكن البعض منهم عاملاً محورياً في المشكلة.
عموماً المشكلة حتى لو عولجت من جانبها التشريعي فلن تنقضي مع الأسف، فالمشكلة أخذت حجمها الكبير بسبب زاويتها الفنية والتقنية. ونحن حينما نتحدث عن التقنية الحديثة فإننا نعني بذلك ثلاثة أمور، تحديداً سهولة الاستخدام، وانخفاض الثمن، وثالثاً، وهنا مربط الفرس، صعوبة الرقابة والمنع والتقييد. فالعمود الفقري للثورة الاتصالاتية هي النقطة الثالثة، وهي أهم ما يميز التقنية الحديثة، فالرقابة التقليدية لا تُجدي نفعاً يا جماعة معها. لا حل سوى بتقوية الجبهة الداخلية والوحدة الوطنية، والتي تبدأ من عند النواب أنفسهم قبل غيرهم!
د. حسن عبدالله عباس
كاتب كويتي
hasabba@gmail.com
وكالعادة وفي مثل هذه الظروف يأخذ كل واحد من النواب نصيبه من البروز الإعلامي ليتحدث ويصرح للصحافة بأنه سيضع حداً لهذه المهزلة ويحمّل الحكومة المسؤولية الكاملة عن هذا التسيب والفوضى العارمة، و«الشعبي» بطبيعة الحال أبرزهم وأوضحهم بتوعده استجواب رئيس الوزراء «مباشرة» إن لم يضع حداً لهذه المهزلة! بصراحة شديدة ومع احترامي لمشاعر المتضررين أظن أن هذا الزعل مبالغ فيه، والأمر ليس بحاجة إلى هذا التشنج كله. أو دعني أستدرك وأقول إنه تذمر مستحق بلا شك، ولكن عندي بعض الملاحظات التي لابد من ذكرها حتى تتضح مسؤولياتنا جميعاً في هذه الأجواء غير المريحة بتاتاً.
ما من شك أن طرفي التأزيم في هذه الأيام تسببا بألم شديد للروح الكويتية وتسببا بجرح غائر وعميق، لكن السؤال المحوري هنا: هل هذا الألم جديد وللتو عرفناه أم له أرشيف قديم؟ بالذمة ألم يُعرّض الكويتيون بعضهم للبعض ومنذ سبعينات القرن الماضي لهذه المضايقات مرة تلو الأخرى وحتى يومنا هذا؟ نحن جميعاً أبناء هذا البلد وندري جيداً بأن ما نتعرض إليه حالياً دوامة لأحداث مضت وتكررت مرات ومرات كثيرة، فما الجديد هنا؟
طبعاً لست بصدد التغاضي عن المشكلة أو الالتفاف حولها وتركها أو حتى التقليل منها، لا بل مقصدي أن المشكلة هي عينها القديمة الجديدة. لهذا نسأل نوابنا الكرام المسؤولين أولاً وأخيراً ممن قرأوا وعاصروا وشاركوا التاريخ، أين أنتم من التشريعات التي تحفظ كيان ونسيج ووحدة المجتمع؟ لاحظ مثلاً أهم المتحدثين في الأيام الأخيرة وهو النائب فلاح الصواغ، ترى ما جوابه لو سألناه عن نتاجه التشريعي لحفظ وحدة المجتمع؟ ألم يكن سعدون حماد أحد أبطال التأزيم الاجتماعي قبل أشهر؟ كيف نتوقع التشريع لصد باب هذه الأزمات ونواب كمبارك الوعلان متفرغين لطنطنة وثرثرة فارغة ملوثة بغبار المصالح كما مر؟ لنتصارح ونقُر بأن التقصير واضح من طرف المجلس قبل أن تُلقى كرة اللوم بملعب الحكومة. فكما أن الساحة تعاني من مشكلة اجتماعية لا غبار عليها، يتحمل النواب القسط الأعظم، لأنهم قصّروا عن واجبهم من دون أدنى شك تجاه مجتمعهم إن لم يكن البعض منهم عاملاً محورياً في المشكلة.
عموماً المشكلة حتى لو عولجت من جانبها التشريعي فلن تنقضي مع الأسف، فالمشكلة أخذت حجمها الكبير بسبب زاويتها الفنية والتقنية. ونحن حينما نتحدث عن التقنية الحديثة فإننا نعني بذلك ثلاثة أمور، تحديداً سهولة الاستخدام، وانخفاض الثمن، وثالثاً، وهنا مربط الفرس، صعوبة الرقابة والمنع والتقييد. فالعمود الفقري للثورة الاتصالاتية هي النقطة الثالثة، وهي أهم ما يميز التقنية الحديثة، فالرقابة التقليدية لا تُجدي نفعاً يا جماعة معها. لا حل سوى بتقوية الجبهة الداخلية والوحدة الوطنية، والتي تبدأ من عند النواب أنفسهم قبل غيرهم!
د. حسن عبدالله عباس
كاتب كويتي
hasabba@gmail.com