فتح حكم المحكمة الإدارية الذي قضى بإلغاء القرار الإداري السلبي بالامتناع عن تنفيذ قرار اللجنة الوزارية رقم 5 لسنة 2020، بفرض رسوم لمكافحة الإغراق على واردات دول مجلس التعاون الخليجي من منتجات السيراميك والبورسلان، ذات المنشأ أو المصدرة من الصين والهند، الباب واسعاً أمام إمكانية أن ينسحب الأمر ذاته على منتجات الأسمنت والكلنكر الإيراني، التي امتنعت الكويت أيضاً عن تطبيق رسوم الإغراق المقررة عليها بناء على اتفاق خليجي.
بالطبع، هناك من قد يقول إن شركة أسمنت الكويت لم تحصل على المكسب القضائي نفسه الذي حصلت عليه منتجات السيراميك والبورسلان، على أساس أنه حُكم برفض دعواها، إلا أن صدور الحكم الأخير المتعلق بالسيراميك والبورسلان يمهّد الطريق أكثر للقياس قضائياً على الأحكام المشابهة، لتكون المعاملة وقتها بالمثل، وهو أكدت عليه مصادر مقربة لجهة أن «أسمنت الكويت» ستعيد ترتيب دعواها قضائياً بما يستقيم مع المتغيرات التي طرأت أخيراً في حكم السيراميك.
ولعل ما يزيد المفارقة خليجياً أن شكوى حول إغراق الأسمنت الإيراني لأسواق دول التعاون، جاءت عبر شركة كويتية، لتأخذ الجهات المعنية في مجلس التعاون الخليجي الشكوى بعين الاعتبار، ويصدر على إثر ذلك قرار لجنة التعاون الصناعي في دول التعاون بفرض رسوم نهائية على واردات الأسمنت والكلنكر الإيراني، في حين أن الكويت الوحيدة التي لم تطبق القرار، أو بالأحرى طبقته على حمولة سفينة واحدة، قبل أن توقف العمل به فجأة!
فبعد دخول القرار حيز التنفيذ في 20 يونيو من العام الماضي، قرر مجلس الوزراء في 6 يوليو، أي بعد نحو أسبوعين تقريباً، تعليق تطبيق الرسوم، مشكلاً لجنة لدراسة كل الجوانب المتعلّقة بتنفيذ قراري لجنة التعاون الصناعي الخليجية الخاصين بفرض رسوم إغراق نهائية ضد واردات مجلس التعاون من منتجي السيراميك والبورسلان من الهند والصين، والأسمنت والكلنكر الإيراني.
ملف معلق
ورغم مرور نحو 15 شهراً على تشكيل اللجنة، إلا أن الملف لا يزال معلقاً، ما يزيد من معاناة الصناعة الكويتية عموماً، ويهدد مصانع الأسمنت الوطنية على وجه الخصوص، في ظل تكبدها خسائر جسيمة نتيجة إغراق السوق المحلي بالأسمنت الإيراني، إضافة إلى ضياع أموال كان يمكن أن تدخل خزينة الدولة عبر تطبيق رسوم الإغراق، لا سيما في ظل أوضاع شح السيولة الحالية.
كما أن استمرار امتناع الكويت عن تنفيذ القرار الخليجي في شأن رسوم الإغراق يسبب حرجاً لوزارة الخارجية، التي سبق أن أكدت - وفقاً لمصادر صناعية - على ضرورة مراعاة مصلحة الكويت إقليمياً ودولياً، لا سيما مع دول مجلس التعاون، بالتوازي مع المصلحة العامة، في ما يتعلّق بتنفيذ القرارات التي التزمتها الكويت في المنظمات والهيئات الدولية، وأن الخسائر المترتبة على عدم تنفيذ القرارات تفوق أحياناً حجم الخسارة المترتبة على تنفيذها.
ممارسات ضارة
وفيما أثنت المصادر ذاتها على الحكم الصادر في شأن تطبيق رسوم الإغراق على منتجات السيراميك والبورسلان الواردة من الصين والهند، أكدت أن الحكم يشكل انتصاراً للمنتج الكويتي وحماية لمصانع السيراميك والبورسلان الوطنية وغيرها من الصناعات الوطنية من الممارسات الضارة عبر إغراق السوق بالمنتجات ذاتها من دول غير خليجية.
وحول الذرائع التي يتمسك بها البعض بأن فرض رسوم الإغراق على الأسمنت الإيراني سيؤدي إلى عجز السوق عن تلبية الطلب المحلي، بددت المصادر هذه المخاوف المصطنعة، وكشفت بالأرقام الدالة أن الطاقة الإنتاجية لشركات الأسمنت الكويتية قادرة على تغطية استهلاك الأسمنت في الكويت الذي يتراوح بين 4 و5 ملايين طن سنوياً، كما أن قرار فرض رسوم الإغراق يشمل الأسمنت الإيراني فقط، وبالتالي فإن واردات الأسمنت الأخرى من دول الخليج وغيرها لن تتأثر بالرسوم ومن ثم سيستمر خط تدفقها إلى الكويت دون أي تغير.
وشددت على أن فرض رسوم الإغراق يحمي المنتج الوطني ويوفر دعماً لشركات الأسمنت الكويتية بالدرجة الأولى، كما يمنح فرصة لمنتجات شركات الأسمنت الخليجية، مطالبة بتحرك الجهات الحكومية المختصة سريعاً نحو تطبيق رسوم الإغراق على الأسمنت الإيراني.
البرجس: الإغراق يدمر الصناعة المحلية
أفاد مدير عام شركة فدان للمقاولات ومنسق تجمع المقاولين الكويتيين، ضاري البرجس، بأن إغراق السوق المحلي بمنتجات الأسمنت الإيراني والبورسلان والسيراميك الصيني يمثل تدميراً للصناعة المحلية، لافتاً إلى أن المصانع الوطنية لن تستطيع منافسة الجهات التي تعمل على استيراد تلك المنتجات.
وأكد أن تلك الشركات تعتمد على عمالة رخيصة وتكلفة بسيطة، في حين أن المصانع الكويتية تعتمد على أيدي عاملة لديها خبرات كبيرة يمكن من خلالها التعامل مع احتياجات السوق بشكل سلس، مشيراً إلى ضرورة أن تعمل وزارة التجارة على فرض «كوتا» لاستيراد تلك المنتجات سنوياً، تراجعها كل 3 سنوات بهدف إحداث الموازنة المطلوبة.
أبوالحسن: الموازنة تحمي المستهلكين والتجار والدولة
قال عضو هيئة تدريس في كلية الدراسات التجارية بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب الدكتور حسين أبوالحسن إن هناك جانبان ينبغي النظر لهما عند تقييم الموقف من قضية إغراق السوق بالمواد الأولية مثل الأسمنت و غيره. وأفاد بأن أولى الجوانب تتمثل في العائد المالي للدولة من فرض الرسوم، أما الثاني فأثر تلك الرسوم على المصنّع المحلي وكذلك المستهلكين.
وأشار إلى أن الموازنة بين الأمرين في غاية الأهمية، لحماية مصالح المستهلكين وكذلك التجار من جهة، و واردات الدولة من جهة أخرى.