إبان إقرار مجلس الأمة مشروع قانون الإفلاس، كنا قد علقنا حينه بأن هذا القانون من شأنه تغطية كل الجوانب التي كان قد أغفلها القانون القديم، وعلى الأخص استبدال دوائر الإفلاس بإنشاء محكمة خاصة بذلك، تكون الأحكام الصادرة عنها واجبة التنفيذ دون إعلان، ما يُعجل التسوية والانتهاء من إدارة أمور التفليسة، ويوفر معالجات خاصة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ويسد الثغرات في القانون القديم في شأن التدليس وتهريب الأصول وإخفائها، ويستحدث عقوبات مغلظة للمدلس تصل إلى السجن 5 سنوات من أجل إضفاء الحماية القانونية للكيانات التجارية بما فيها المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ولتحسين بيئة الأعمال لتصبح الكويت جاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية، فضلاً عن استحداث القانون أنظمة التسوية الوقائية وإعادة الهيكلة والإفلاس لبورصات الأوراق المالية ووكالات المقاصة وكيانات الإيداع المركزية والوسطاء المركزيين والبنوك وشركات التأمين، بطريقة تتوافق مع متطلبات طبيعة هذه الكيانات.

مخاوف وقلق

وأخيراً عقبنا بأن هذا القانون سيُشكل إضافة قوية للاقتصاد الكويتي، بخلاف القانون السابق، ليكون مواكباً ومعاصراً للتغييرات على المستويين الاقتصادي والقانوني، إلا أنه بصدور اللائحة التنفيذية لقانون الإفلاس الجديد رقم (71) لسنة 2020 والتي نشرت في الجريدة الرسمية، ودخولها حيز التنفيذ بموجب القرار الوزاري رقم (81) لسنة 2021، ازدادت مخاوف وقلق الدائنين المطالبين باسترداد ديونهم، بعد أن قرر القانون في أحكامه إلغاء المادة (292) من قانون المرافعات، والتي تستند إليها قرارات الضبط والإحضار وحبس المدينين على ذمة الامتناع عن تنفيذ كل الأحكام المدنية والتجارية، الأمر الذي تحقق بعد تنفيذ القانون وإلغاء هذه المادة، حيث تم البدء والشروع في إزالة كل قرارات الضبط والإحضار، ورفعها نهائياً لدى إدارات التنفيذ إعمالاً لأحكام ذلك القانون، والتي بدأت العمل به وعممته على أقسامها المعنية فور نشر هذا القانون.

وسمحت إدارات التنفيذ باستقبال طلبات المدينين المعنيين أو وكلائهم، الخاصة برفع الضبط والإحضار لدى قسمي تنفيذ الأفراد والشركات، حسب الأحوال، عملاً بنص المادة الخامسة من القانون رقم 71 لسنة 2020 الخاص بإصدار قانون الإفلاس، ليتجدد النقاش مرة أخرى على المستوى القانوني بخصوص آثار ذلك الإلغاء وأبعاده القانونية والاقتصادية والاجتماعية خلال السنوات القادمة، والعوائق الناجمة عنه في المجال العملي، وعلى الأخص تنفيذ الأحكام، لاسيما أنه من الآن وصاعداً لن يكون هناك أي إجراء في الكويت تحت مسمى «ضبط وإحضار» في إجراءات التقاضي الخاصة بالمطالبات المالية بشكل عام، إذ إن كل قرارات الضبط والإحضار قد تم إلغاؤها بالفعل بعد نفاذ أحكام هذا القانون، مع الإبقاء على إجراءات التنفيذ الأخرى بحق المدينين الممتنعين عن تنفيذ الأحكام القضائية، ومنها حجز البنوك، وحجز ما للمدين لدى الغير، ومنع السفر، وضبط المركبات، والحجز العقاري، والحجز على المنقول وعلى الأسهم.

إشكالات جمّة

هذا الأمر حتم علينا ودعانا إلى ضرورة تدارس آثار وتبعات هذا الأمر، والتصدي له من جميع الجوانب، أهمها الجانب القانوني، لإيجاد الحماية والضمانة اللازمة للدائنين بعد أن ألغى القانون حبس المدينين عن ديون دائنيهم، مع بيان آثار ذلك على المعاملات التجارية والالتزامات التعاقدية والمالية.

لذا فإن ما يهُمنا الإشارة إليه في هذا المقام هو ما تضمنه القانون من إلغائه لنص المادة (292) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، وما أفرزه ذلك الإلغاء من إشكالات ومخاطر جمَّة لامست مصالح وحقوق الدائنين، والذي يُعد اتجاهاً خطيراً ومنافياً لمبدأ المحاسبة وسيادة القانون في ما يتعلق بملاحقة الدائنين لمدينيهم لتحصيل مديونياتهم، وهو ما سنراه، وفقاً للتفصيل التالي:

رغم إيجابيات القانون الجديد والتي ذكرناها سابقاً، إلا أنه بلا أدنى شك أفرز وأوجد للدائنين على أرض الواقع أعباءً ومعوقات في التعامل مع المدينين في شأن تنفيذ الأحكام الصادرة قبلهم، حيث إن الثابت عملياً أن معظم المدينين لا يقومون بالسداد إلا بعد صدور قرارات بضبطهم وإحضارهم وتنفيذ الحبس بحقهم في حال عدم السداد، وفقاً للثابت بالمادة الملغاة (292) من قانون المرافعات، وبزوال هذا الإجراء (الضبط والإحضار) فقد زالت معه وسيلة الأمان الوحيدة للدائنين للضغط على مدينيهم وإجبارهم على سداد مديونياتهم، وازدادت صعوباتهم في تنفيذ الأحكام القضائية بحق هؤلاء المدينين، فالإبقاء فقط على اتخاذ الإجراءات التنفيذية الأخرى المتعلقة بقرارات منع السفر أو إجراءات الحجز المالي والمنقول، وحجز البنوك، لن يُجدي لسهولة الالتفاف على تلك الإجراءات بطرق كثيرة ومتعددة – معلومة للكثير - أهمها تهريب وإخفاء أصولهم المالية، وليس هناك مجال للخوض فيها الآن، ما سيجعل من معظم الأحكام الصادرة لصالح الدائنين مجرد حبر على ورق، ويجعل التعديل الوارد في هذا القانون في شأن إلغاء الضبط والإحضار اتجاهاً غير سديد في تضييق نطاق العقوبة جاء لحماية المدين وليس لحماية الدائن، ما يؤدي إلى أن تكون ديون الدائنين في حكم المعدومة لصعوبة بل لاستحالة استحقاقها، في ظل عدم احتياط القانون لهذا الوضع، وعدم وضعه تلك المسألة ذات الأهمية البالغة في عين الاعتبار.

تعديل القانون

وانطلاقاً مما سبق، وفي سبيل ذلك فإننا نُهيب بالمشرّع الكويتي ضرورة التدخل الفوري وتدارك ذلك الخطأ، ومعالجته بإجراء تعديل على قانون الإفلاس الجديد، وذلك بإعادة قرارات الضبط والإحضار في جميع الأحكام الصادرة في القضايا المدنية والتجارية والعمالية والأحوال الشخصية، وقصر الاستثناء فقط على الذين يثبت إفلاسهم، وفقاً لأحكام قانون الإفلاس الجديد، ليتماشى مع الغرض الذي من أجله أُنشئ هذا القانون، باعتباره قصد المُفلس فقط دون غيره من بقية المدينين الآخرين.