سويسرا بلد يتميز في ذاكرتي بكلمة واحدة وهي «الحياد»... تعلمتها منذ صغري في كتب التاريخ التي تحدثت عن الحربين العالميتين الأولى والثانية وعن ملايين القتلى والجرحى والخراب والدمار.
تُذكر سويسرا بكلمة ووصف الحياد، فهي لم تشارك في الحربين وكانت ملاذاً آمناً، وظلت سويسرا على ذلك حتى بعد انتهاء الحربين وتحوّل العالم إلى معسكرين كانت سويسرا على الحياد.
ثم تطرق ذهني بضع كلمات أخرى عن سويسرا، وهي ما درسته في كلية الحقوق عن نظامها الفيديرالي الديموقراطي الفريد، وذلك كله جعلها الملاذ الآمن في بنوكها لمليارات العالم كلهم، إضافة إلى أن أعلى دخل للفرد في العالم هو من نصيب «السويسري»، بالإضافة إلى مناظرها الطبيعية الخلابة وجبال الألب.
وفجأة كل ما تم تخزينه في ذاكرتي هاجمه وحش فظيع من الكراهية نبت في أوروبا وتسلل إلى سويسرا ولم ينتبه إليه أحد، حتى أعلن عن نفسه بكراهية الإسلام والدعوة إلى حظر بناء المآذن في سويسرا، وعلى أثر ذلك سقطت من ذاكرتي سويسرا المحايدة الجميلة الديموقراطية بضربة واحدة من وحش كراهية الإسلام الذي حصل على تصويت بمنع بناء المآذن.
وقد تبادر إلى ذهني سؤال سريع: لماذا يا سويسرا؟ هل وقع حادث عنف في سويسرا وتم اتهام مسلمين به؟ الإجابة: لم يحدث مطلقاً... وعلى لسانهم ذكرت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأميركية أن تصويت السويسريين لمصلحة حظر بناء المآذن يعكس تخوف أوروبا من انتشار الإسلام داخل المجتمعات المسيحية العريقة في أوروبا، وهنا تذكرت أن علم سويسرا ينتصفه صليب كبير.
لذلك خرج أحد المتطرفين في سويسرا يقول إن المآذن ليست أبنية دينية، بل هي «الرمز الظاهر لمطالبة (سياسية -دينية) بالسلطة تطرح مراجعة الحقوق الأساسية».
ولكنني أتعجب: أي مطالب بالسلطة تلك التي تغري ثلاثمئة ألف مسلم في سويسرا في وسط سبعة ملايين ونصف المليون سويسري مسيحي؟ بلا شك كلام ينبع من حقد لا حدود له.
واللافت أن العدوى سرعان ما انتشرت في أوروبا التي تعيش منذ نحو عقد في «فوبيا» الإسلام، فدخل التطرف في إيطاليا وهولندا وفرنسا على الخط وزادت المطالب بإلغاء مقابر المسلمين وحتى حظر بناء المساجد.
وفي تصريح لافت دعا النائب بالبرلمان الأوروبي عن حزب رابطة الشمال الإيطالي اليميني المتطرف ماريو بورجيزيو إلى إجراء استفتاء مشابه لحظر بناء المآذن في إيطاليا قائلا: «إن راية سويسرا الشجاعة التي تريد أن تبقى مسيحية حلقت فوق محاولات أسلمة أوروبا!» (حسب راديو هولندا).
الحقيقة الواضحة أن ديموقراطية أوروبا المزيفة ودعاوى الحرية الدينية تسقط كلها تحت معاول التطرف والحقد المنتشر في أوروبا تحت غطاء سياسي من أحزاب يمينية متطرفة.
ويبقى أن سويسرا خسرت كثيراً بسبب موقفها الأخير، وصحيح أن المآذن أبنية، ولكن حظرها يعبر عن خلفية كراهية لم تكن متوقعة من الشعب السويسري الذي كان محايداً.
وأخيراً، لقد سبقت دول أوروبية كثيرة سويسرا في إظهار الكراهية للإسلام عبر آليات كثيرة... وأظهرت كماً كبيراً من الكراهية عند طائفة وشريحة كبيرة لا يُستهان بها من الأوروبيين، وذلك كله بسبب انتشار الإسلام بالدعوة والقدوة الحسنة والأخلاق الطيبة والمظهر الجميل.
ويبقى القول «حتى أنتِ يا سويسرا» هو القول الفصل الذي يعبر عن خيانة بلد لجميع دعاوى الحياد والديموقراطية والمحافظة على الحريات الدينية... وكم هو عظيم الإسلام الذي برحمته وعدله وهديه وشرعه يفضح جميع دعاوى الحاقدين ويكشف زيف دعواهم... فالحمد لله على نعمة الإسلام.

ممدوح إسماعيل
محامٍ وكاتب مصري
Elsharia4@hotmail.com