| بيروت - من محمد حسن حجازي |
نادرات من هن مثلها، متصالحة مع نفسها الى ابعد الحدود، لا ترى في الآخر الا الانسان، والتواضع والعطاء غير المحدود، وما خلا ذلك لا يعنيها كثيراً. ابنة مهنة الاعلام منذ ربع قرن تنقلت بين الاذاعة والتلفزة التونسية ثم الى MBC ف- «الجزيرة»، ف- «العربية»، وصولاً الى قناة «الحوار»، وظلت في هذه كلها من دون ان تتبدل او تتغير او يشعر احد من المحيطين بها بانها صارت كياناً آخر، بل على العكس بدت شديدة التماسك امام الحالات الاستثنائية.
انها الاعلامية التونسية كوثر البشراوي، لطالما عرفت بأنها مثقفة، محترمة، جميلة ورأسها مليء. وفي الوقت نفسه عاشت حياة اعلامية اتمت معها هذا العام الـ 25 عاماً ما يعني اننا نحاورها في عيدها، في يوبيلها الفضي.
التقيناها وقلنا لها:

•كم يعنيك ان تحتفلي بمرور ربع قرن على عملك الاعلامي؟
- يعنيني كثيراً، لانني ابنة مهنة، اعرف كل تفاصيلها وأحبها بكل مصاعبها وتحولاتها وأعتبرها داء لا ارغب ولا احب ان اشفى منه.
•مع ان ما عشته في العديد من المحطات لم يكن هادئاً او لم يمر مرور الكرام؟
- هناك فرق بين المهنة والقيمين عليها، من اصحاب الجاه والمال، والقدرات الخارقة في سبيل تأمين حضور مميز في المجتمع.
•كنت مع مرحلة التأسيس في MBC؟
- صحيح، وهي أغنى وأغلى فترة عشناها في حياتنا. هل تعرف ما معنى فرصة ان يجتمع التونسي والجزائري والخليجي واللبناني والسوري والاردني ومعظم العرب في مكان واحد.
•بأي شعور استقبلتم الواحد الاخر؟
- انا كتونسية كنت معروفة في بلدي بأنني احب اللغة العربية الفصحى، وعندما وجدوا ان محطة «العربية» ستنطلق من لندن قالوا سنرتاح منها ونرسلها الى لندن.
•لكنك لم تلبثي ان غادرت الى «الجزيرة»؟
- نعم. لا استطيع كانسانة اولاً وكمهنية ثانياً ان اكون بعيدة من هموم الناس، فاذا شعر الناس بانهم بعيدون مني فان حياتي لا تعني شيئاً لي.
•هذا كان في الماضي، ماذا عن اليوم هل خفت حدة حماستك للناس وقضاياهم؟
- لم تخف الحماسة بل اصبحت اقدر على استيعاب غضبي مما يجري حولي.
تغيير
•ليس كثيراً؟
- الوضع افضل (ضاحكة) لكنني مثلاً بدلت موقفاً من مواقفي.
•هذا منعطف خطير؟
- كنت منذ التسعينات دائمة الكلام على فناني هذه الايام، على سطحية الفنون الشبابية، اليوم تراجعت، وليعذرني الجميع على هذا. واقول للشباب لقد اخطأت في حقكم كثيراً، وكل ما ارجوه موقعاً لي عندكم، معكم، امامكم، بأي طريقة.
•هذا ليس تراجعاً؟
- كل ما قلناه عنهم، وهم يتقدمون. غريب هذا المجتمع.
•التزمت منذ بداياتك الثقافة، فهل لك ملاحظات على غيابها حالياً عن شاشاتنا؟
- الثقافة حاضرة وليست غائبة، لكن مشكلتها ان احداً لا يقدرها ولا يعطيها اهمية، ولا يعيرها اي اهتمام.
•حتى القيمون على قطاعات البرامج في الفضائيات؟
- انهم يمررون شيئاً، لكنهم لا يدعمون. هل تعرف انني كنت اقبل بكاميرا واحدة تخرج معي لكي اجري مقابلات، وأضطر بعد التصوير الى ان اعيد تصوير كل الاسئلة التي طرحتها من جديد امام الكاميرا، ورضيت ألا اظهر على حساب ان يكون الضيف الذي دعوناه هو الاصل في كل هذه اللعبة، لكن من قال ان هذا يصنع عملاً؟ ابداً، العمل الذي لا تعطيه ما يريده من مال وجهد لن يرتد عليك بأي قيمة من اي نوع.
لندن
•نتحدث اليك وأنت عائدة للتو من لندن، حيث عشت لسنوات وتملكين بيتاً هناك. فهل كانت اجازة؟
- نعم، لاشهر عدة. البيت متروك على مدار العام، وعليه ضرائب ورسوم وبعض المعاملات، هناك دائما امور يجب تلبيتها بأي طريقة. وقد امضيت وقتاً جيداً خصوصاً ان الماء والكهرباء والخدمات الاساسية غير مقننة (ضاحكة). مرت عليّ فترة في شقتي ببيروت اضطررت فيها ان ادفع كل ستة ايام 160 دولاراً من اجل تأمين المازوت لمولد الكهرباء.
•المدينة تعنيك؟
- طبعاً. لقد جئتها في اول انطلاقتي اعلامياً خارج بلدي تونس، فيها هدوء احياناً نعشقه وأحياناً لا نطيقه.
•ودائماً مع رجلك الصغير يوسف (10 سنوات)؟
- نعم، رجلي الصغير، انه يناقشني، يعطيني ملاحظات، اذا تحدثت مع احد بالفرنسية يقول لي «هات» بالانكليزية او بالعربية. انا امرأة استطيع ان احلها مع رجل، لكن مع ابني الذي هو كل عمري مستحيل (تضحك).
المرأة
•سبق ان كان لك مواقف متعددة من قضايا المرأة، خصوصاً المساواة؟
- هذه كذبة. لا اريد ان اتساوى مع الرجل، اريده ان يكون رجلاً، وأريد ان اظل امرأة. هذه نعمة اسبغها الله عليّ. وأنا سعيدة بها كل السعادة، افخر بانني امرأة.
•الا يتسبب لك هذا الامر باحراج مع سائر النساء؟
- ما اقوله يريح السيدات الفاهمات اللواتي يعرفن حقيقة الامر. انا ببساطة متصالحة مع انوثتي، ومع الآخر اياً كان، وقد اكون في مكان ما اهم من الرجل في موقع معين، فلماذا اتساوى معه، وقد يكون هو في موقع آخر اهم مني فلماذا عليه قبول المساواة.
•وماذا عن رأيك في تعدد الزوجات؟
- ما به؟
•هل ثمة امرأة على وجه البسيطة تحب ذلك؟
- لا. لكنني اعتبر عشر زوجات في بيت رجل واحد افضل من عشيقة واحدة.
•اي معادلة هذه؟
- طبعاً، فأنا مع كل ما حلله الله لكلا الجنسين.
•معروف انك لا تحبين الا تبنّي افكارك ومفاهيمك. فهل هذا مصدر مشاكلك مع ادارات المحطات؟
- ليس عندي مشكلة معهم، هم عندهم مشكلة معي. انفذ اقتناعاتي استناداً الى مبادئي وديني وتربيتي، ولا استطيع ان اكون ناطقة بلسان او بفكر احد.
•وماذا تفعلين مع معدي برامجك؟
- انا من يعد وينفذ وينجز اي برنامج، فأنا لا اقتنع بأن مذيعة تناقش استناداً الى افكار معد غيرها، لا استطيع الدفاع عن افكار غيري. هذا مستحيل.
•نعرف انك تتواصلين مع العديد من زملاء الامس؟
- طبعاً، عندي اهل واخوة وأصدقاء، خصوصاً ان بعضهم استضافوني في منازلهم المتواضعة، عندما كنت اصور بعض برامجي في بلدانهم. مثلاً اتذكر ان كثيرين من الزملاء والزميلات كانوا يطلبون من الادارة ان تنتدبهم في مهمات الى بيروت او القاهرة، وانا كنت اطلب بلاداً لا تخطر في بال احد، يعني السودان، او موريتانيا.
•ولماذا هذا الاختيار؟
- لأن المحطات التلفزيونية كلها تتوجه الى ربع الجمهور العربي، يعني للذين يعيشون في العواصم، والمدن الكبيرة، والثلاثة ارباع الباقية هم الذين يعيشون في المناطق البعيدة، النائية، هؤلاء احب الذهاب اليهم، التعرف اليهم ومعرفة ماذا يريدون، ماذا يحبون وماذا يكرهون. هذا حقهم علينا، لذا وفي مثل هذه الرحلات نصل الى مناطق لا فنادق فيها فأضطر الى ان انزل ضيفة على عائلة احد الزملاء من البلد والمنطقة نفسها.
•ورد الفعل على هذا؟
- خارق. هذه مهمة الاعلام، اعلامنا لا شيء عنده ليقوله واذا قال فانه لا يعرف كيف يقول او ماذا عليه ان يفعل ليكون على مستوى راقٍ.
رؤية
•عملت لثلاث سنوات مع قناة «الحوار». ماذا بعد؟
- لن اكمل، انا في فترة مراجعة متعمقة لواقعي المهني، اريد واقعاً مختلفاً عن السائد، لكن عندي الكثير لاعبر عنه وأقوله، وكل ما هو راق ومميز انا معه، لكنني فعلياً لم احسم امري في هذا الاطار، لا اعرف ما الذي عليّ فعله لاحقاً.
•هل تفكرين في تغيير المهنة احياناً؟
- أروع ما في شخصيتي انني لا افعل ما لا احبه او اقتنع به.
•لكن دائماً في مجال الثقافة؟
- طبعاً الثقافة تشمل غير الشعر والادب، المسرح والنحت والرسم وكل الفنون والابداعات المعروفة، لكن احداً لا يدعم ولا يرعى عملاً ثقافياً، حتى المعلن يذهب الى برنامج تافه ولا يضع اعلانه على مادة ثقافية.
•الرأي دائماً ان الثقافة جافة؟
- من يلتزمونها، يعدونها ويقدمونها ويتواصلون معها هم الجافون. هذا ما يؤذي الرؤوس. لا احب محاورة الادباء والشعراء والفنانين، لا اريد عرض عضلاتي الثقافية امام احد لكي اقول انني فاهمة اكثر من الجميع، ولكن اريد محاورة المثقف المتلقي اكثر.
•وكيف ترين هذه الصورة؟
- اراها جميلة حين نتصرف على اساس اننا مسؤولون عما نفعله.
•وماذا عن الغد؟
- متروك للقضاء والقدر والحظ.