ما زلنا نذكر نحن السوريين جوازات سفرنا في فترة الحرب العراقية - الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي وقد خُتِمَ عليها من الداخل (يُسمح لحامله بالسفر إلى جميع دول العالم عدا العراق) واكتشفنا فيما بعد أن الأمر كان إيجابياً، بالتأكيد للسياسة الخارجية أداءٌ متوازن تجدر الدراية به ومعرفة مَواطن المصلحة ومحاذير الاقتراب مما يضر الشعوب والدول، لا أُريد أن أعود لغبابر الأيام إلى (داحس والغبراء) في جاهلية العرب، ولا أرغب في الرجوع مثلاً إلى حرب الفرسان في جاهلية أوروبا زمن العصور الوسطى! ولكن لم تكن بعيدةً عنا الحرب العراقية - الإيرانية في الثمانينات من القرن المنصرم والتي أكلت الأخضر وأحرقت اليابس؛ في تلك الأعوام العجاف ركب معظمُ العرب موجةَ العواطف! وما انساقت يومها شعوب وراء عواطفها فحسب بل انساقت دول خلف السراب؛ وانقسم أكثر العرب يومها، كعادتهم، بين مؤيد للثورة في إيران، وآخرين هتفوا لـ (حامي البوابة الشرقية)! فلا ربح المؤيدون للثورة الإيرانية ولا انتصر العراق في تلك الحرب، وقد طالب جميع الساسة العرب يومها بوقف التناحر بين الجارتين، ولا يغيب عني أن الرئيس الراحل حافظ الأسد، وقف من تلك الحرب الجاهلية موقفاً خاصاً؛ فقد حذَّر العربَ من الوقوف إلى جانب العدوان العراقي ليس محبةً في إيران ولكن لرؤيته المستقبلية في الشأن العراقي وأكبر دليل على ذلك ما ختم العراقُ به مهزلةَ الدفاعِ عن البوابة الشرقية للأمة العربية حين غزا الكويت وغدر بجيرانه، وساق الأمة العربية إلى مستقبل حزين!
إن التوازن السياسي في العلاقة مع الآخر دون الميول إليه أو الانحياز إلى غيره يُشكِّلُ دون قصد رتابة إيجابية يَنتجُ عنها احترامٌ متبادل بين الطرفين، وتمسُّكُ الدول بحقوقها المشروعة عُرفاً وقانوناً يجعل لهذه الدول مكانةً مُهابة في نفوس أعدائها، وليكون الأمر أكثر وضوحاً؛ لَمْ يكن صحيحاً أن ترتمي أيَّما دولة في أحضان أعدائها وتجلس إليهم وهي تفتقر إلى أسباب القوة، ومن أهم أسباب القوة مع الآخَر التوازن في العلاقة معه؛ ها هي مصر، على سبيل المثال، قد فقدت اليوم كثيراً من قدرات التأثير السياسي عربياً في ساحة المواجهة أو التفاوض مع إسرائيل بسبب معاهدة «كامب ديفيد» الشهيرة، والتي قيدتها وحصرت دورها كوسيط لا كقوة مؤثرة في المنطقة! وبالتأكيد هذه الحالة للأسف تُخرج مصرَ من دورها المعهود في الأمة العربية. إن التوازن والحكمة في سلامة التواصل مع الآخَر ينشئُ بيئةً صحيَّة للتعايش والتقدم نحو الأفضل، أما (الانحياز) المطلق دون وعي لأي قوة أو قطب سياسي يكون خطوة سلبية نحو نتيجة ربما خطيرة، والتاريخ شاهد لا ينحاز لأحد.
نحن في أمسِّ الحاجة إلى علاقة متَّزِنَةٍ مع الآخرين، وهذه العلاقة لا يمكن أن يستوردها العرب من الخارج، بل هي إرادة حرة تنبع من قناعة حقيقية في الارتقاء بالمستقبل القريب، إنها دعوة للسياسيين العرب أن يقرأوا التاريخ وما قدم الأوائل من حكمة سياسية في فن التواصل مع الدول دون انحياز لطرف بعينه، وكفى بمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أول خلفاء الأمويين مثالاً للحكمة والتوازن في التواصل حتى مع خصومه.
علي سويدان
كاتب وأكاديمي سوري
Swaidan8@hotmail.com
إن التوازن السياسي في العلاقة مع الآخر دون الميول إليه أو الانحياز إلى غيره يُشكِّلُ دون قصد رتابة إيجابية يَنتجُ عنها احترامٌ متبادل بين الطرفين، وتمسُّكُ الدول بحقوقها المشروعة عُرفاً وقانوناً يجعل لهذه الدول مكانةً مُهابة في نفوس أعدائها، وليكون الأمر أكثر وضوحاً؛ لَمْ يكن صحيحاً أن ترتمي أيَّما دولة في أحضان أعدائها وتجلس إليهم وهي تفتقر إلى أسباب القوة، ومن أهم أسباب القوة مع الآخَر التوازن في العلاقة معه؛ ها هي مصر، على سبيل المثال، قد فقدت اليوم كثيراً من قدرات التأثير السياسي عربياً في ساحة المواجهة أو التفاوض مع إسرائيل بسبب معاهدة «كامب ديفيد» الشهيرة، والتي قيدتها وحصرت دورها كوسيط لا كقوة مؤثرة في المنطقة! وبالتأكيد هذه الحالة للأسف تُخرج مصرَ من دورها المعهود في الأمة العربية. إن التوازن والحكمة في سلامة التواصل مع الآخَر ينشئُ بيئةً صحيَّة للتعايش والتقدم نحو الأفضل، أما (الانحياز) المطلق دون وعي لأي قوة أو قطب سياسي يكون خطوة سلبية نحو نتيجة ربما خطيرة، والتاريخ شاهد لا ينحاز لأحد.
نحن في أمسِّ الحاجة إلى علاقة متَّزِنَةٍ مع الآخرين، وهذه العلاقة لا يمكن أن يستوردها العرب من الخارج، بل هي إرادة حرة تنبع من قناعة حقيقية في الارتقاء بالمستقبل القريب، إنها دعوة للسياسيين العرب أن يقرأوا التاريخ وما قدم الأوائل من حكمة سياسية في فن التواصل مع الدول دون انحياز لطرف بعينه، وكفى بمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أول خلفاء الأمويين مثالاً للحكمة والتوازن في التواصل حتى مع خصومه.
علي سويدان
كاتب وأكاديمي سوري
Swaidan8@hotmail.com