| نادين البدير |
حفلة الدم السنوية الخاصة بعيد الأضحى رافقتها حفلة دم مفجعة. الحفلة الثانية كانت آدمية. لم يكن هناك داع لذبائح العيد المسكينة، فالقرابين البشرية كانت جاهزة. حتى اللحظة حوالي تسعين أضحية بشرية وهبت للفساد ولثقافة الفساد التي صارت مستشرية حتى النخاع في المدن العربية. الفساد أغرق عشرات الأشخاص ورمى بالجثث على أرصفة مدينة ليس بها أبسط أساسيات المدينة. هي مدينتي جدة.
كانت تسمى زمن عزها عروس البحر الأحمر، وفيما أخذنا نكبر ونتزين كانت تكبر وتشيخ وتمارس ضدها أقبح أنواع الإهمال والقسوة حتى أصبحت عجوز البحر الطاعنة..
أرملة البحر الأحمر..
منهكة متعبة. لا يفرقها شيء عن بقية المدن المتهالكة. شارعان رئيسيان جميلان كواجهة مشرفة توصل الزوار والوفود لبضعة فنادق وثيرة، وأربعة أو خمسة أحياء جميلة ومراكز تجارية عدة ثمينة.
ثم... بقية مدمرة ومطحونة.
في جدة. تدخل أسماء جديدة عالم الثراء عقب كل مشروع لحل أزمة المطر وخلق شبكة صرف.. أسماء ترث بمشروعية متقنة مليارات الدولارات وتهتك عافية المدينة وحضارتها.
ساعات عدة من الأمطار أغرقت المدينة صباح الأربعاء الماضي بسبب عدم تصريف المياه، جرت السيول في جزأيها الجنوبي والشرقي. داهمت ألفا وخمسمائة منزل. قتل من قتل، وجرح من جرح. اختلطت أضاحي العيد بين أغنام وأناس وبعارين.
مَنْ المسؤول؟ لا أحد.
من المسؤول عن حفلة الدم؟ لا أحد.
من المسؤول عن عدم تصريف المطر؟ لا أحد.
من المسؤول عن انهيار المباني (الضعيفة) على رؤوس أهلها؟ لا أحد.
من المسؤول عن انهيار الجسور وتحول الأنفاق إلى قبور؟ لا أحد.
من المسؤول عن الجوع والفقر والمنازل الضعيفة وانعدام البنى التحتية؟ سيقولون لا أحد.
لن يظهر أي مسؤول.
في الواقع ليس هناك مسؤولون، وليست هناك مسؤولية على عاتق أي رتبة أو سلطة للإجابة عن أي سؤال. فالرقيب والمحاسب غير موجود. السائل لا وجود له.
تعودنا ألا نسأل ولا نحاسب، ولا اعتبار لنا كبشر مشاركين سوى ببطاقات الهوية. تعودنا أن نسكت.
ولو أننا عكسنا الاتجاه فسيتبين العكس. سيظهر المسؤول.
فهناك واجب يقع (باسم القانون أو الدستور أو النص الإلهي) على كاهل أفراد القاع أمام أفراد القمة. هنا يظهر أفراد القمة بصفتهم (المسؤولين)..
مسؤولون عن كل أنملة بحياة الأفراد رجالا ونساء، يحاسبون ويراقبون وكيف لا يكون هناك رقيب؟ الحياة لا تسير من دون حساب. أخيراً هناك مسؤول..
لكن النتيجة خسائر. أموات ودماء رخيصة جداً أرخص من أغنام العيد..
--------------
- أنتظر الآن فتاوى وآراء رجال الدين والفقه، كي يبرروا ما حدث. سيقولون جدة تعيش فجورا وتستحق ما حدث لها.. كما كان سابق رأيهم في تسونامي وكاترينا وإعصارات العالم أجمع. ويقولون إن الله لا يصيب قوما بفاجعة إلا عقابا على ما أذنبه أهلها..
من المسؤول عن هذا الفساد الديني؟ لا أحد.
- وأنتظر كما ينتظر أهالي جدة رأيا أو تصريحاً أو عقاباً أو استقالة، والأفضل خطة فعلية مترجمة واقعياً لحل مأساة أجمل مدن السعودية وأشهرها. مأساة مدينة سيقترب أجلها إن بقيت على ذات القدر من التراجع في البنى التحتية. وذات القدر من الخيانات والسرقات والرشاوى.
عيد سعيد وحزين لك يا أرملة فقدت تسعين ابنا دفعة واحدة.
هل وصلت الرسالة ولقن الدرس؟ وهل سيحاسب المعنيون؟
ليس هناك معنيون.


كاتبة وإعلامية سعودية
Albdairnadine@hotmail.com